ينظر الكثير من المواطنين بترقب - اليوم - إلى ما يعيشه الوطن من انسداد الأفق الوطني واستفحال الأزمة السياسية التي ضربت بأطنابها في مناحي الحياة جميعها، إذ لم يعد في جعبتهم من قدرة على تحمّل المزيد من الإخفاقات التي تراكمت في السنوات المنصرمة حتى استحكمت حلقاتها وتطايرت شرراً تناثر في كل اتجاه وموضع، هذه الحالة السوداوية التي تجثم على صدر الغد المرتجى الذي كان الناس يترقبونه ويحلمون به ويغازلونه في أصباحهم واماسيهم لتخذلهم السياسة ودهاقنتها ودكاكينها الحزبية - المعارضة منها - فظلت تراوح بين محاولة الاقتراب من معاناة الشارع وحسابات الربح والخسارة مع الحزب الحاكم، التي بات يدركها جيداً المواطن ويستشعر ثقلها على حياته الاجتماعية والمعيشية والأمنية وغير ذلك من المنغصات التي تزداد يوماً بعد يوم. ي ظل هذه التقلبات التي طفحت على جسد الوطن من أقصاه إلى أقصاه فتقرّح مدمياً ما تبقى من مواضع لم تصلها سرطنة الراهن البائس، نجد عزف المنظومة الإعلامية الرسمية - مقروءة ومسموعة ومشاهدة – منغمسة في ضجيجها الواهم المداري لعجزه الدائم في محاولات مستميت يائس بائس لإضافة أصباغ ملونة على أداء حكومي شائه، وتغييب لوبي فسادٍ مهيمنٍ على مفاصل وزارات الدولة وأقبية مؤسساتها، فإذا هو إعلامٌ يغرّد خارج سرب الحياة بعيداً عن نبض الأمة، في زمن لم يعد بمستطاع فيه تجميل التشوهات المنتشرة كالطحالب السامة في أرجاء الوطن كلها. وفي حضرموت اليوم، بوصفها البقرة الحلوب لغير أهلها، نلمح ذلك العجز المستفحل في مواجهة واقع فاقع البؤس ومزري الطلعة، لم يستطع إعلام السلطة وتوابعه الأخرى، أن يضيف نسمة ربيع في ظل اكفهرار الأجواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدماتية، ففي الوقت الذي يعاني المواطن من اختناقات الكهرباء وغياب أنظمة المرور، وبطالة مستفحلة، وعمالة مهاجرة، وعشوائية أداء في مكاتب ومرافق الدولة التي يقترب منها المواطن بحكم الضرورة، ووفق مبدأ لابد مما ليس منه بد، تذهب (إذاعة المكلا) وصحيفة (شبام) بوصفهما النافذتين الإعلاميتين الرسميتين اللتين يمولهما المواطن من كده وعرقه وضرائبه التصاعدية، تذهبان إلى ممارسة العمل الدعائي الفج والممجوج في زمن الفضاء المفتوح حد (الفضيحة) فالأولى تغازل المسئول وتلاطفه بدلاً من مواجهته ومقارعته الحجة بالدليل الواقعي والثانية لا تقترب منه إلا بمقدار الحاجة إلى تسطيح الواقع وتضليل الرأي العام، فتقاربان مشكلات الحياة ومآسي الواقع المعيش بطرائق وأساليب لم تعد تنفع وغير مجديتين برغم الإشارات الواضحة والعلنية التي تُنْشر هنا أو هناك من قيادات وزارة الإعلام والمؤسسة العامة للإذاعة بضرورة الغوص في قضايا المجتمع ومشكلات الساعة بشفافية عالية حفاظاً على ما تبقى من نسق ديمقراطي توهم به الدول المانحة والمنظمات الدافعة، والحال الذي تقبع فيه هاتان النافذتان - والسلطة المحلية، تشريعيةً وتنفيذيةً، تدرك تفاصيله الموجعة - لا يرقى إلى الدرجات الدنيا في لغة الإعلام العصري وتأثيراته المرغوب فيها، في محاولة من هذه السلطة أن تبقى على أدواتها التي وجدت فيها كثيراً من ملامحها الذاتية كمنظومة سياسية لا تعي المأزق الذي تعيشه حضرموت اليوم، وما تعانيه في مجالات الحياة شتى وما تطمح إليه وتتغياه من منظور دورها الحضاري وإسهامها الكبير في رفد خزينة الدولة بما يتجاوز 80% من الدخل القومي، هذه المفارقة بين العطاء الكبير ومشكلات البطالة التي تستفلح عاماً بعد عام في أوساط جيل المعاناة الذي وجد حياته ترتهن ل(ضياعات) متعددة الأوجه وكئيبة المشارب، وشعور المواطن الحضرمي بفداحة الثمن الذي يدفعه من مخزونه الاستراتيجي للأجيال القادمة، على مستوى الثروة والأرض والبحر، لتبقى له السماء يرفع إلى بارئه أكفه بالدعاء، في ظل هذه الرؤى والمشاعر للمواطن الحضرمي ترتكن النوافذ الإعلامية إلى السيولة الخبرية التي لا تغني ولا تسمن من مواجهة، ورغم إننا نعي، جيداًً، ما يبذله الكثير من المخلصين من مهندسي وعمال مؤسسة الكهرباء، على سبيل المثال، واستماتتهم الدائمة في مواجهة انقطاعات الخدمة المضيئة إلا أن (صحيفة شبام وإذاعة المكلا) بعيدة كل البعد عن عكس هذه الجهود المضنية التي يبذلها رجال الميدان موجهة أضواءها على (البروبوجندا) السياسية لشخوص السلطة المحلية، التي تدرك قيادة العمل الإعلامي بالمحافظة دورها الكبير في صراعات بقائهم فيهلعون من الخوض في مواجهات حقيقية أو التلويح بها. واليوم، ما أحوجنا إلى إدراك وظيفة منافذ الإعلام التي لابد لها من رؤية عصرية عميقة لقيمة الكلمة المقروءة والمسموعة والصورة النابضة بالحياة اليومية واحترام المواطن، كون الجميع يعمل على خدمته وتهيئة الظروف والسبل الملائمة والمساعدة له لمواجهة مشقة الحياة وصولاً إلى العيش الكريم، إلا إذا كان إعلام السلطة يبيع الوهم في وطن المحرومين فيروج بضاعتها الكاسدة، وهي عن ذلك لاهية، وبما يفعله راضية، وعلى وداعة الناس واهمة، وعلى مأزقها غافلة، فالتغيير آتٍ لا محالة. وكفى