في رواية الكاتب البحريني عبد الله المدني وعنوانها "من المكلا الى الخبر" رحلة رومانسية كاملة.. من الحنين الى الماضي والمكان القديم وسط تبدل الامكنة والى الحب القديم.. الى الحزن وموت حبيب دون ان نستطيع وداعه. يكتب عبد الله المدني بدفء عن الزمن المتحول والماضي الجميل الافل وأيام الصبا التي نتوهم ان ما عرفنا فيها من مشاعر قد تركنا واننا قد نسيناه. ويرصد الكاتب حركة الزمن وتطور البلدات والمدن وتغير انماط الحياة. وعلى رغم المتعة التي نأخذها من الحياة الجديدة فذلك الحنين الرومانسي الى الزمن المولي لا يتركنا. صدرت الرواية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وعمان في 151 صفحة صغيرة القطع. هناك شخصيتان رئيسيتان في الرواية شخصية سالمين باسامر الذي انطلق من المكلا في اليمن سعيا الى تحسين وضعه فقصد جدة ثم تنقل الى ان استقر به الحال في الخبر في السعودية حيث عمل بجد ليحسن وضعه التجاري وتقرب من سائر الحضارمة اصحاب الموقع التجاري المهم في المدينة. ترك زوجته وابنته في بلده وانصرف الى الكد والجد. الشخصية الثانية بل الاولى من حيث الاهمية هي شخصية الطالب سعد الدوسري جار سالمين والذي نشأت بينه وبينه علاقة صداقة و"استذة" في السياسة والامور العامة فحوله في بداية الامر الى ناصري ايام عز الرئيس المصري جمال عبد الناصر. كان سعد يرى في سالمين مرشدا وصديقا رغم فارق السن وكان ابوه التاجر الكثير السفر يرتاح الى علاقة سالمين به. كانت صداقتهما متينة. وحين قبض على سعيد منافس سالمين الاساسي بتهمة شرب الخمرة وجلد علنا 80 جلدة ثم ابعد الى بلاده خلت الساحة التجارية لسالمين في المنطقة. بقيت الصداقة قائمة بين الاثنين الى ان سكنت عائلة فلسطينية في الجوار واخذت الابنة سها بعقول كثير من الاشخاص لكنها كانت مفتونة بسعد وكان هو يحبها. وكان سالمين على رغم زواجه قد قرر ان يسعى الى ان يتزوج بها. وسافر سعد الى مصر ليدرس طب الاسنان فخلت الساحة لسالمين فاستغل كون والد الفتاة مدينا له وطلب يدها فزوجه اياهها رغم معارضتها وكرهها له. كانت علاقته بها علاقة اغتصاب ليلي وكان القرف منه يملاها. عاد سعد الى الخبر ومارس طب الاسنان وكان سالمين من جملة من عالج اسنانه ليزرعها كلها ذهبا فيحمل ثروته حيث يحل. لم يظهر له غضبه مما فعله به من سرقة سها منه. سنوات غيابه اظهرت له ان هناك منافسة ولابد من التخصص في الخارج للتميز في المجال. ذهب الى كندا ودرس هناك وفي هذه الاثناء نشأت قصة حب بينه وبين فتاة كندية تدرس معه. عاشا معا وبعد التخرج قرر ان يتزوجها ويعود بها الى الخبر. صديقه محمود ابن بلده الذي تزوج كندية وعاش معها في كندا حذره من مغبة نقل فتاة كندية متحررة الى بيئة متزمتة خانقة مثل بيئته فلم يقتنع. عادا الى الخبر وسط عدم ترحاب غير معلن من الاهل في البداية ثم تقبل لاحقا. شيئا فشيئا ضاق صدر العروس كارولين بنمط الحياة وتحكم الشرطة الدينية وعدم احترام المرأة واهانتها اذا كانت سافرة الوجه او غير ذلك. ومرة اضطرت الى نقل زوجها المريض الى عيادة الطبيب فقادت السيارة فألقي القبض عليهما ووقعا في ورطة كبيرة. قررت العودة الى كندا لكنهما توصلا الى حل مقبول وهو الانتقال الى جو الحرية في البحرين للسكن والعمل فيها فسرت الزوجة بذلك وشعرا بالسعادة من جديد في جو الحرية في البحرين. وما لبث سالمين ان قصده الى البحرين. ومرة وبعد ان غدا غنيا جدا اقترح عليه ان يدخلا معا في مشروع عمل واخبره عن عدد اولاده من الاولى ومن "الفلسطينية" وقد غدا ابنه موظفا في بنك محترم ويتقن تسيير الاعمال. في هذا العالم المتغير قال الكاتب ان سعد اعتقد ان انتقاله الى البحرين "سوف يساعده على نسيان حبه الاول الى الابد وطرد صورة سها من مخيلته. لكنه كان مخطئا. لم يستطع ان يخرج من عباءة الماضي" وهي التي لم يرها ولم يسمع صوتها منذ سنوات طويلة وقد اصبح اولادها كبارا الان. الا ان الزمن يحمل اليه مرارة جديدة. فقد جاءه "فرج" ابنها يقول له ان والده يهديه السلام ويطلب منه اسماء اطباء مهرة متخصصين في علاج السرطان لان والدته اي سها مصابة به وقد انفق والده عليها الكثير دون جدوى. بذل جهده في هذا المجال واخبره ان المصحات الجيدة موجودة في امريكا واوروبا. قال الولد "الوالد صرف اكتير على علاج الوالدة في المستشفيات الخاصة في الخبر والكاهرة (القاهرة) وبيروت لكن من غير نتيجة. عم بيئولوا ان المرض انتشر وما عاد في فايدة." سعد عند "سماعه الجملة الاخيرة اصيب بحشرجة في صوته. كادت دموع عينيه المتساقطة ان تفضحه وتبعث لدى فرج بألف تساؤل وتساؤل عن اسباب حزنه على امه لولا انه تمالك نفسه قبل ان يعاتبها على سوء ظنه بسالمين." بعد اسابيع اتصل به فرج تليفونيا وقال له "الوالدة اعطتك عمرها .. الصلاة عليها في مسجد النور بعد فريضة الظهر ومجلس العزاء في منزل الوالد." اتجه نحو سيارته للانطلاق عبر الجسر البحري الى الخبر في رحلة تستغرق عادة ساعة واحدة. دخل سعد في "جدال طويل مع مفتش الجمارك على الجسر البحري. كان المفتش فضوليا ثرثارا من النوع الحقود على الناجحين... بالغ المفتش في تعطيل سعد دون ان يعير ادنى اهتمام لالحاحه وتوسلاته بتيسير امر مروره. من جانبه كان سعد قد تعلم من تجاربه السابقة ان يبقى هادئا مع هذه النوعيات الكئيبة من البشر لان تحديهم لن يؤدي الا الى اظهارهم للمزيد من العجرفة وامتهان كرامة الاخر." امر الرجل -نكاية- بتفتيش السيارة. ختم الكاتب بالقول "وهكذا استغرقت عملية تفتيش السيارة اكثر من ساعة فلم يصل سعد الى مسجد النور الا وكل شيء قد انفض وانتهى لم يصل الا بعد ان صار حبه الاول مدفونا تحت التراب الى الابد ". من جورج جحا