اشتهرت مدينة أسيوط في جمهورية مصر العربية على الرغم من بعدها عن العاصمة قاهرة المعز بوجود جالية يمنية كبيرة وخاصة من أبناء محافظة حضرموت ويعود ذلك لأحد سببين : أولهما لطلب العلم والالتحاق بالدراسات العليا في جامعتها العريقة وتجدهم يدرسون بالعشرات في مختلف التخصصات سواء أكانت العلمية أم الإنسانية . والسبب الثاني مرتبط بالأول وهو السفر لطلب العلاج وإجراء العمليات الجراحية المتنوعة في مستشفياتها مستعينين ومسترشدين بإخوانهم الدارسين . وحقيقة ان مدينة أسيوط تشعرك بحرارة المكان وألفة المجتمع وبساطة الإنسان من أول نظرة تحط فيها الرحال على محطة سكة الحديد فيها ؛ وذلك لتقارب الحياة المعيشية والاجتماعية والعادات والتقاليد فيها مع الحياة المعيشية في بلدنا عامة وحضرموتنا خاصة ، حتى ان طقسها الصحراوي يتشابه إلى حد ما مع ليالي الشتاء الباردة جدا وكذا حرارة الأجواء الصيفية في حضرموت الوادي والصحراء . وتلك السمات تتميز بها أسيوط دون غيرها من المحافظات المصرية . إضافة إلى ذلك ينحدر منها الزعيم العربي جمال عبدالناصر والكثير من المشايخ الأجلاء مثل الإمام جلال الدين السيوطي والشيخ الكبير سيد قطب (رحمة الله عليهم جميعا) وغيرهم . وبعد تلك المقدمة المتواضعة نعود إلى عنواننا الذي أوسمنا به موضوعنا أو بالأصح مناشدتنا لذوي الأيادي البيضاء وأصحاب القلوب الرحيمة ، ولفت نظر الباحثين عن الخير الساعين للمعروف لوجود مشكلة تتمثل في إكرام الموتى من أبناء حضرموت الخير الذين وافاهم اجلهم في تلك الأرض الطيبة أهلها الآمنة مساكنها أرض الكنانة ، وأقصد هنا بالحصول على مكان تدفن فيه جثة الميت و قبر يواري فيه جسده الطاهر الثراء . ولعل الحديث يقودنا لشيء من الاستغراب وبعض من الدهشة خاصة للأشخاص الذين لم يزوروا مصر أو لم يتبعوا فيها جنازة إلى مقبرتها ؛ وإذا عرّفنا بآلية الدفن حيث تقوم العائلات المصرية بشراء أرض في منطقة المقابر ( وتسمى التربة ) ويتم تقسيمها إلى غرف صغيرة محكمة الإغلاق تقسم بين الرجال وأخرى للنساء ليتم دفن موتى العائلة الواحدة داخل هذه المساحة المسورة وتسمى هذه المقبرة ( يطلق عليها حوش ) باسم العائلة ( أي مقبرة عائلة فلان ) . أما بخصوص الغرباء أو فقراء المنطقة فأنهم يلجأون إلى الدفن في مقابر الصدقات التي يتبرع بها أهلها لهكذا حالات وهي عادة لا تلقى الاهتمام الذي تلاقيه مقابر العائلات . ويطيب لنا في هذا المقام استشعار معنى القرآن الكريم ، وتدبر دلالة آياته العظيمة ، بقول رب العباد " وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ" ( لقمان "34" ) وقوله سبحانه وتعالى " فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" ( الاعراف "34" ) . فانه يستوجب تسليم الإنسان بعدم درايته بأي أرض يموت فيها وهكذا فان بعض الحالات المرضية من أبناء حضرموت الخير يتوفاها اجلها في مدينة أسيوط . وقد كثرت حالات الوفيات مؤخرا حتى انه في بعض الأحيان تحدث حالتي وفاة في الأسبوع الواحد وبمعدل مابين خمس وست حالات بالشهر الواحد . وبناء على ذلك التوضيح المبسط وفي ضوء تلك المبررات الأنفة الذكر ، وأمام التزامنا الأخلاقي تجاه أهلنا الحضارم الذين نشروا الإسلام في أصقاع الأرض كافة ؛ نطلق هذا النداء العاجل من قلب الصعيد المصري إلى إخواننا أبناء حضرموت الخير والعطاء والجود في كل مكان ، والأمل يحذونا أن تلاقي هذه الفكرة طريقها إلى النور بإنشاء مقبرة خاصة بهم تحفظ لموتانا الذين تقطعت بهم السبل كرامة أجسادهم الطاهرة بعد الممات ، وهذا الشيء ليس بالصعب أو المستحيل على الحضارمة الذين عمروا ارض الإسلام من مشرقها إلى مغربها بمشاريع البر والإحسان وأياديهم البيضاء ممدودة أينما حلوا وارتحلوا .