على مقربة من أخفض مناطق الكرة الأرضية «البحر الميت» ارتفع هدير الحاضرين في مدرجات استاد عمّان الدولي.. وفي لحظات ضجّت مدرجات الملعب.. وبصوت واحد أقرب ما يكون «للأوركسترا» الغنائية.. كان الجميع يهتف: «حيوا اليماني حيوه.. حيوا اليماني حيوه».. ردد الجميع الهتاف بحماس مرة تلو المرة.. فيما اكتفى من أرهقته مقامات الحسيني وألحان المحضار بالتصفيق والصفير وببعض الزغاريد..كان ثمة مزيج وخليط من النغم لم يكن لحنا يمانيا فقط، بل كان اوبريتا عربيا، لحنه أبطالنا الصغار، وغناه كل من في المدرجات، جماهير يمنية وأخرى عربية.. لاعبو المنتخبات الأخرى كانوا جزءا من المشهد ليتكرر ذلك الشدو الصداح كلما كسر النجوم اليمانية الصغيرة احتكار أفارقة منتخبات البحرينوقطر للمراكز الأولى للمنافسات ذوي الأصول الكينية والأثيوبية، ملوك المسافات الطويلة للمضمار.. خفتت الفوزوفيلا أخيراً.. سرقت رقصة البرع اليمانية الأضواء.. التقى الآنسي بالمرشدي والقمندان.. شدا أيوب بلحنه عالياً “لمن كل هذي القناديل تغني لمن”.. فأجاب ناشئونا بجدارة: لأجل اليمن.. قصة المركز الأخير.. من المستفيد منها؟ لن أكون مبالغا إن قلت لكم أن ناشئي منتخبنا الوطني لألعاب القوى يستحقون أكثر مما جاء في هذه المقدمة الفرائحية.. ولو كان الأمر لي لأكملت سطوري سجعا فرحا وطربا بما حققه هؤلاء الأبطال.. وشاهدته على أرض الواقع.. لكني في البدء سأقطع خيوط الشك مبكرا التي نسجها البعض حول هؤلاء النجوم لقتل الفرحة التي ارتسمت في محياهم بعد الإعجاز وتحقيق الإنجاز.. وخلاصة ما جاء فيه حول ترتيب اليمن فرقيا في البطولة وحصولنا على المركز قبل الأخير!! وحقيقة القول فإنني استغربت لما ورد على لسان البعض من الزملاء وعلى وجه التحديد ما ورد على لسان المخضرمين منهم، ومرد ذلك الاستغراب بان منتخبنا شارك في هذه البطولة فردياً.. ولم يشارك فرقيا. شاركنا في 6 منافسات للشباب من 24 مسابقة!! وكما نعرف بان أم الألعاب عبارة عن تسع مسابقات يتخللها ما يقارب الأربع والعشرين منافسة.. وبالتالي فإن ما يحكمها في المنافسات القارية هو الأرقام التي يسجلها اللاعبون في كل منافسة.. والميدالية المحققة على مستوى كل سباق.. ثم إنه من غير المعقول أن يغيب عن البعض أن بلادنا شاركت في ست منافسات فيما يخص الشباب وأحرزت خمس ميداليات توزعت على خمسة سباقات وأخفقنا في منافسة واحدة.. وعلى الجانب الآخر فقد خطفت فتيات اتحاد المرأة ميداليتين من أربع منافسات شاركن فيها وهي حصيلة أكثر من ممتازة بالنظر الى أنها المشاركة الأولى لهن في البطولة. البعثة اليمنية الأقل عددا بواقع 15 لاعباً!! وبالمقارنة الرقمية فقد كان عدد لاعبي منتخبنا الوطني 15 لاعبا ولاعبة وهي البعثة الأقل عددا في البطولة وحصادهم سبع ميداليات برونزية.. فيما وصل عدد المشاركين للمنتخبات الأخرى مثل قطروالبحرينوالعراق والأردن إلى ستين لاعبا ولاعبة شاركوا في منافسات مختلفة غابت عنها بلادنا مثل رمي الجلة ورمي المطرقة الحديدية ورمي القرص والقفز بالزانة وسباق الماراثون لنكتفي بالمشاركة في المنافسات التي تم الإعداد لها مسبقا مثل سباقات المسافات القصيرة، والمتوسطة، والموانع، والمركب، والوثب.. وبالتالي فإن الترتيب الفرقي لمنتخبنا حسب الزملاء معادلة غير موزونة، وفيها من الظلم الكثير لهؤلاء النجوم الذين سبقوا أنفسهم وحققوا أكثر مما كان متوقعا منهم. مكاسب حقيقية من البطولة • بالنظر إلى الأعمار الصغيرة للاعبينا فهذا يعد مكسبا حقيقيا للعبة خاصة إذا ما علمنا أن جميع اللاعبين دون استثناء لم يسبق لهم المشاركة في بطولة دولية قبل العام 2012. • حقيقة يجب أن يعلمها الجميع بأن 7 برونزيات هي الأولى في تاريخ مشاركاتنا في البطولة توزعت على سبعة لاعبين كما أسلفت وهذا نجاح آخر. • فوز البطلة اليمنية حنين وكيل ببرونزية سباق 2000 متر موانع أمام بطلة آسيا لنفس الفئة السورية فاطمة ريا المتوجة مؤخرا بذهبية أولمبياد آسيا للشباب في جمهورية الصين كان من أكبر مفاجآت البطولة ومن هنا فإنه يمكننا الحديث عن مشروع بطلة قادمة في فضاء الرياضة اليمنية عموما ورياضة المرأة على وجه الخصوص. • أبطال منتخبنا الوطني محمد السكرمي وعلي درغام وصدام حسين كان لهم شرف كسر السيطرة البحرينيةالقطرية لمنافسات سباق 1500 و3000 متر وسباق 2000 متر موانع، حيث كان الاقتراب من هذه المنافسات ضرب من الخيال والمراكز الأولى لهذه الفئة محجوزة سلفا باسم الأفارقة الذين يملأون منتخبات قطروالبحرين ولكم أن تعلموا بأن السكرمي ودرغام وصدام أجبروا كل من في الملعب من جماهير يمنية وعربية ولاعبي المنتخبات الأخرى للهتاف بصوت واحد “حيوا اليماني حيوه” بعد تجاوزهم لمنافسيهم الأفارقة واقترابهم الكبير من تحقيق الفوز بفارق ضئيل أمام أصحاب المركز الأول والثاني دونا عن بقية لاعبي المنتخبات العربية الأخرى. • الاستياء الكبير الذي صاحب البطولة من قبل جميع الوفود المشاركة إزاء التجنيس حفز لاعبينا عكسيا وزرع فيهم التحدي والمنافسة فكانوا أهلا لذلك رغم أن المنافسات في بعض السباقات كانت تبدو مستحيلة نظرا لانعدام مبدأ التكافؤ. • البطلة ليلي الأشموري شاركت في أحد أصعب السباقات لأم الألعاب وهوسباق 400 متر حواجز وتمكنت من تحقيق برونزية وسط منافسة شرسة من لاعبات المنتخبات الأخرى ومحطمة رقمها المحلي بفارق كبير وهو مكسب آخر لمنتخبنا الوطني. • تحقيق برونزية الثماني عبر النجم نسيم منصر للمرة الأولى في هذه المنافسة إضافة الى برونزية الرمي بالرمح للاعب علي باعويضان الذي سجل رقما قياسيا جديدا بمسافة قدرها 59 مترا مع أن اللاعبين كانا قريبين جدا من تحقيق الذهبية أو الفضية على الأقل حتى آخر المنافسات إلا أن فارق السن للاعبي العراق الذين تجاوزوا السن المحددة كان نقطة فارقة في تلك المنافسات. • في سباق 800 متر حرم الأفارقة اللاعب الصاعد بقوة جلال الخبجي من الظفر ببرونزية أخرى لمنتخبنا ليحل رابعا بفارق ضئيل جدا ومازال القادم يحمل الآمال لهذا النجم. • أهم تلك المكاسب على الإطلاق هو أن كل ما تحقق كان بكوادر وطنية خالصة ممثلة بالمدربين رضوان شاني وسمير اليفاعي وسعيد الأضرعي وهم نجوم سابقون للعبة وقد تمكنوا من تحقيق ما عجز عنه المدرب الأمريكي الذي كان يتقاضى ثلاثة آلاف دولار دون نتائج تذكر وهم يستحقون منا كل عبارات الثناء والتقدير والقادم معهم سيكون أجمل. • أخيرا كنت أود الكتابة بطريقة أخرى عن هذا الإنجاز بعيدا عن الإسهاب والإطناب الذي رافق السطور، لكن تداعيات ما روج له البعض حول الإنجاز الذي حققه اللاعبون وكاد يصيب هؤلاء النجوم في مقتل، هو ما دفعني للكتابة التي ربما تصل حد الملل، والمطلوب منا كإعلام رياضي مساندة وتشجيع كل ما يحققه أبطالنا في مختلف المنافسات خصوصا من مازالوا في بداية المشوار.