مؤخراً برزت الى العلن تلك المقولة التي تتهم (فبراير وساحات فبراير ) بانها الحضن الذي فتح ذراعيه للحوثيين وبأن فبراير كانت هي بداية الطريق للحركة الحوثية للانقلاب والقضاء على الدولة. وهذا الاتهام قديم يجري تحديثه بين الفينة والاخرى لأغراض تخدم الطرف الثاني للانقلاب وهو (جناح المؤتمر المنقلِب على الشرعية. بقيادة المخلوع صالح ). ويستهدف هذا الطرح في المحصلة النهائية الفصل بين ثورة فبراير واهدافها العظيمة وبين تحركات المقاومين في كل جبهات الوطن ضد الإنقلاب كما ان تحميل فبراير جزء من المسئولية يشتت تركيز الرؤية واللوم عن دور المخلوع صالح (عدو فبراير ) و التي تحمله المسئولية الكاملة عن إطلاق الجنون الحوثي الى العلن فيصبح بعد التسليم بهذا الطرح يصبح المخلوع واحد من مجموعة من الشركاء الذين ساهموا في تمهيد الطريق للحركة الحوثية وهؤلاء الشركاء هم مكونات ثورة فبراير وهم بقية الاحزاب والتكتلات وجماهير الشعب التي خرجت في فبراير تطالب برحيل (علي صالح )! ومن اجل فهم اعمق لصدق هذه المقولة وموضوعيتها دعونا نقرأ الماضي القريب ولحسن الحظ فان هذا الماضي كنا جميعا الكاتب والقارئ من جملة شهوده ومعايشيه. لنعرف هل بالفعل ساهمت ثورة فبراير في اخراج الجنون الحوثي الى الفضاء العام ؟ وهل يمكن الفصل بين هذه الثورة العظيمة ومكتسبات ثورتي سبتمبر واكتوبر ؟ وهل يمكن الفصل بين تحركات فبراير الثورية وتحركات المقاومة المسلحة على التراب الوطني ؟ يردد الناقمين على فبراير القول بان ساحات فبراير احتضنت الحوثيين وهم كانوا متمردين وكانت لهم خيامهم المشهورة في الساحات. وهذا الطرح فيه مغالطه وتعمد اخفاء لكثير من الحقائق وحجب تفاصيل الصوره والتمسك بحقيقه واحده ولون وحيد في اللوحة المترامية الاطراف! واحده من الحقائق ان الحوثيون اشتركوا في ساحات فبراير. لن نجادل في هذا الأمر.. لكن الحقائق التي ترافق هذه الحقيقة والتي تشكل معنا الصورة الكاملة للوحه ان الحوثيين دخلوا ساحات فبراير بشروط ثورة فبراير المعلنة.. واهدافها الوطنية الواضحة ورؤيتها وأدواتها للتغيير وتشخيصها العميق والنزيه لعلل الواقع اليمني الموبوء وبرؤيتها للحل الوطني وكذلك بتقديم نفسها انها امتداد لنضالات رجال الامة اليمنية الذين يحفظهم الضمير الوطني. خرج الحوثيون من حروب صعده بتسويات مريبة صنعها معهم نظام علي صالح وكشفتها شهادات الشهود والوثائق ومازالت تكشف الايام خباياها واسرارها ودوافع هذه الحرب التي لم تكن سوى واحده من وسائل علي صالح في تدعيم اركان مملكته بخلفيتها المناطقية والمذهبية والأسرية ..وحين جاء الحوثيون الى الساحات لم يدخلوا ببندق واحد! وكان هذا شرط فبراير الاول لانخراط الحوثي في الحراك الثوري! وكانت كل تحركات فبراير سلميه تنبذ العنف وتشهد جمعة الكرامة واحداث جولة النصر (كنتاكي )واحداث شارع الزراعة ومجلس الوزراء ان هذا شرطٌ آخر التزم به كل من شارك في الحراك الثوري المنطلق من ساحات فبراير الثورية والتزمت به الائتلافات الثورية التابعة للحراك الحوثي داخل الساحة. كان كل خطاب فبراير الاعلامي في تفاصيله الكثيرة وعبر ادواته المتنوعة يعزز انتماء هذا الحراك الثوري لثورة سبتمبر واكتوبر ولنضالات الصف الوطني ضد مشاريع التخلف واولها الفكرة الأمامية وتمسكت ثورة فبراير بأهدافها التي سمَّت كثير من جمعها مترجمة لهذه الاهداف. فمن جمعة الدولة المدنية الى جمعة الوفاء لثورة سبتمبر والاحتفالات التي كانت تقام بحشود جماهيرية كبيره في ذكرى الثورتين الام سبتمبر واكتوبر. واذا كان الحوثيون قد خاتلوا الساحات واضمروا النوايا الآثمة لهذه الامه فان اللائمة لا ينبغي ان تُلقى الى ساحات فبراير التي الجمت شهوة العنف الصارخ في صدور ابناء الحركة الحوثية وحاولت تدريب هذه الجماعة المتمسكة بالسلاح (كحل وحيد ) ولفت أنظارها الى حلول اخرى للمطالبة بالحقوق وثقافة جديده اهداها فبراير الى الحركة الحوثية وهو (الايمان بالسلمية ونبذ العنف في المعارضة واخذ الحقوق ) واستمرت ثورة فبراير بجناحها السياسي في التأكيد على الحلول الاقل كلفه والحاقنة للدماء حتى صار مصطلح (حقن الدماء )مستهلكا ومبتذلاً وممجوجا من ابناء فبراير المتحمسين للحلول العسكرية والذين خالطتهم الريبة في علي صالح ودولته العميقة و جدوى التسوية السياسية معه والتي رعتها دول الاقليم والتي تمثلت في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية.. توافق طرفي التسوية على اختيار رئيس توافقي ينتمي للحزب الحاكم وحكومة احتل المؤتمر الشعبي العام تحت رئاسة صالح نصف مقاعدها في خطوه اسست لثقافة القبول وطي صفحة الماضي والتعايش المشترك من اجل الوطن. ورغم مرارة هذا الخيار إلا أن الجميع مضى وراء هذا الخيار التوافقي رغبة في النظر نحو آفاق المستقبل وتحاور اليمنيون في مؤتمر الحوار الوطني كأحد مخرجات ثورة فبراير العظيمة وضلت ثورة فبراير تساعد الحوثيين على التخلي عن ثقافة العنف والسلاح وفتحت جلسات الحوار اذرعها للحوثيين ومثلتهم بنسبه كبيره لا تتناسب وجماهيريتهم واصوات مؤيديهم. وان تساءل قارئ ما جدوى هذا السرد التاريخي الذي نعرفه جميعاً؟ قلنا: بان هذا السرد التاريخي وقراءة تحركاته بموضوعيه تكشف لنا ان فبراير وساحاتها حاولت تهيئة الحوثي للانخراط في الحياه السياسية اليمنية كفاعل سلمي يمارس مهمته في التسويق لاهدافه ومشاريعه المدنية في العلن وحاول صوت فبراير الواضح ان يهز اركان العقلية الحوثية المؤسسة على العنف والحرب وحب الانتقام وفتحت ساحات فبراير منفذاً لأعضاء الحركة الحوثية للتعبير عن انفسهم ومظلوميتهم واتاحت لهم الفرصة للاندماج داخل فئات المجموع الوطني وازالت حالة العزلة والتوجس والريبة التي خرجت بها هذه الحركة من ستة حروب هل بقي لفبراير لوم بعد هذا التعاطي السامي واليد الممدودة بالخير وهذا التغاضي غير الساذج بل بدوافع وطنيه عن كل الشكوك والتصنيفات التي كانت ملصقه بالحركة الحوثية قبل انخراطه في الساحات. باختصار كانت فبراير هي الأم التي منحت الحركة الحوثية الفرصة وهيئت لها هذه المخالطة لمكونات فبراير المتنوع والوطني بهدف المراجعة الصادقة والتقييم الأمين لنفسها وكل ما يتعلق بها غير ان الحركة الحوثية انقلبت على هذا اليد الممدودة وبكبرياء وطفوليه تمسكت بأوهامها العنصرية (قبل الوطنية ) ولما كان حضن فبراير الثورة الأم. لا يناسب تكوينها وثقافتها ورؤيتها في الحياه. شهدت اليمن ارتماءً آخر للحوثيين في حضن آخر وصنعوا مع حليفهم علي صالح (عدو الأمس )حراكاً سموه (ثورة أخرى )و ساهم هذا الحِلف في دخول اليمن في أشد سنوات الضياع والتيه والكارثة ولهذا سرد آخر في مقالانا القادم.