يبدو للمتابع ولقارئ الأحداث في اليمن أن النظام يحاول أن يستجمع قواه وأن يعمل بسياسة الأمر الواقع دون النظر للفعل الثوري أو القوى السياسية على الساحة اليمنية أو المبادرات، فهو من الوهلة الأولى كان يراهن على عامل الوقت فيما هو يلملم أشلائه المتناثرة كي يعيد ترتيب الأوراق بالنسبة له وخلط أوراق المعارضة والثوار في ميادين الحرية والتي لا تود أن تنجر لمربع العنف والاقتتال الذي تريده السلطة. سقط الرهان على الوقت والمبادرات التي شكلت غطاءً ومتنفساً للسلطة لإعادة صياغة واقع جديد يرفع من سقف شروط التفاوض لم يكن لدى السلطة والتي لم يكن لديها أي نية في أن تسلم السلطة كما كانت تدعي وتروج له ومن يشك في هذا الأمر بنسبة 1% فهو واهم بعد سقوط رهان المبادرات عمدت إلى رهان القوة وضرب مثلث قوة الثورة كما تصور لها، معتقدة أنها بإنهاء هذه الأضلاع ستكون قد أضعفت الثورة وبالتالي تستطيع أن تنقض عليهم بسهولة ويسر. ويتمثل مثلث أضلاع الثورة "ثوار تعز وقبيلة حاشد التي على رأسها أسرة الأحمر والفرقة الأولى مدرع" . في الضلع الأول عمدت قوات الحرس الجمهوري مدعومة بكافة الأسلحة إلى فض الاعتصامات في الساحة، وحرق كافة الخيام بمن فيها، وحرق بعض المعتصمين المعاقين حتى تفحمت جثثهم في منظر مفزع ومريع، معتقدة بهذا العمل أنها ستثني أصحاب تعز الشرفاء عن مواصلة نضالهم السلمي الذي بدؤه، وماهي إلا أيام حتى عادت كل القوى الشريفة إلى الساحات، وتجمعت القبائل متعهدة بحمايتهم من يد بطش السلطة وآلتها المدمرة التي لم تتورع أن تطلق عليهم قذائف المدافع وغيرها من الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمتوسطة. وفي ذات الوقت عمدت للضلع الثاني وهي قبيلة حاشد، فبدأت الحرب عليها دون سابق إنذار مستخدمة كل إمكانات الدولة ومقدراتها في ضرب منطقة لا تتجاوز كيلو متر مربع، في مشهد أرعب السكان وأخاف سكان العاصمة، فغادر صنعاء معظم السكان لشدة القصف الذي لم يستثني أحدا ضانة أنها تستطيع أن تدمر هذا الضلع وتكسر إرادته، فكان الفشل هو حليفها. ومع كل السفه واستعراض القوة التي هي أصلاً قوة الشعب، خرج أولاد الشيخ عبد الله الأحمر وهم أكثر قوة بالتفاف معظم قبائل اليمن حولهم، فعمدت السلطات لمحاصرتهم من خلال إغلاق منافذ العاصمة خوفاً من توافد القبائل المساندة والمؤيدة كعقاب لآل الأحمر لمواقفهم الشجاعة المساندة للثورة الشعبية. وأخيراً وبينما كانت تدير السلطة معركتها الخاسرة مع أولاد عبد لله الأحمر وجهت قبلة فوهة مدافعها وصواريخها نحو الفرقة أولى مدرع الضلع الثالث لقوة الثورة كما تعتقد السلطة، سعياً منها إلى جرها إلى مربع العنف وتمييع الثورة وتحويل الأنظار عن المطالب الحقة للشعب. وبرغم كل تلك الاستفزازات إلا إن الفرقة لم ترد، وظلت ملتزمة بمبدأ سلمية الثورة، إيماناً منها بعدم مجاراة النظام في هذا المنزلق الذي يدخل البلد في دوامة العنف دون مراعاة لمصلحة الشعب، فخسرت الرهان، وباءت بغضب من الله والشعب الذي لم ترهبه كل تلك الأعمال. وينما كانت السلطة تدير تلك الحرب على أضلاع مثلث الثورة كانت لا تنسى أن تضرب بعض منازل من كانوا مؤيدين للثورة، حتى قناة سهيل كانت هدفاً سعت السلطة إلى إسكاته، فكان الفشل هو ديدنهم ومن لم يستطع بناء دولة لا يستطع أن يكسر إرادة أمة نفضت عن كاهلها درن الخنوع والذلة ويأبى الله إلا أن يتم نوره.