فجأة تحول صالح وأقاربه إلى كتاب ومحللين سياسيين، صالح يحدثنا عن الحوار في صحيفة الثورة، وطارق يحدثنا عن "الجريمة والعقاب".. لم يتبق سوى أن ننتظر الرئيس ليظهر في قناة "الجزيرة" بديلا للجندي ليقول لنا إن الملك عبدالله يمارس الرياضة بشكل اعتيادي مثلا. كأنه كان ينقصنا فقط ظهور طارق محمد عبدالله صالح ليعظنا إن من فجروا جامع النهدين هم مجرمين... ياااااه والمعلومة المهمة. عائلة تجيد الإذلال لشعب لا يذل.. بعض الشعب يفقد الذاكرة أحيانا، فيخرجون ليطلقوا الألعاب النارية لظهور الرئيس بينما لا يجدون النور والماء في منازلهم.. لا بأس، الفقدان المؤقت للذاكرة لا يعني الموت. كان شعار حملة الراحل فيصل بن شملان لانتخابات الرئاسة 2006 "رئيس من أجل اليمن.. لا يمن من أجل الرئيس".. هذا الشعار كان كافيا ليفهم به صالح ما كان الناس يريدون. لم يكن يشأ أن يفهم، واستمر في لملمة وطن كأرضية يذرعها طولا وعرضا.. وهاهي نتائج "يمن من أجل الرئيس" تأتي أكلها بالكمال والتمام. "يمن جديد.. مستقبل أفضل" هل تذكرون هذا الشعار جيدا... إنه شعار الرئيس في انتخابات 2006م. منذ ذلك العام وكل شيء يتجه انحدارا ولم نحقق سوى مزيد من الخراب، ولا زالت الرحى تطحن شعبا أكل الفقر من روحه وشرب حتى وصل حد الموت. لم يفهم الرئيس عبارة فيصل بن شملان بصورة ديمقراطية في 2006م، لكن الناس أرادوا أن يوصلوها للرئيس بهذه الطريقة في الشارع، ففوجيء أنهم فعلا يريدون ذلك فأحدث ما أحدث في الساحات من قتل وخراب وإنهاك اقتصادي، ليقول لهم إن اليمن من أجل الرئيس وليس العكس.. هذه المرة بالقوة، وبحرمانهم من الحياة بصور متعددة، أولاها القتل، وآخرها التجويع وحرمان الناس من مقومات الحياة. هكذا يفهم صالح إدارة البلدان، وكما ينقل عنه القول "أنا الدستور والقانون".. لذلك هو يشعر أنه من حقه الدستوري قطع الكهرباء والوقود على الناس وتدمير البلد اقتصاديا. كل شيء لأجل الرئيس في اليمن، من سلطة ومعارضة وثروات وتراب وسماء.. حتى الثورة كان يريدها الرئيس لأجله، يريد الناس أن يخرجوا ليطالبوا برحيلهم هم كي تتسع بقية البقية من البلد له ولأولاده. عقلية هدم، وتملك. كونوا معي أو موتوا فقرا وقهرا.. كونوا معي أو لن تروا النور.. كونوا معي أو سأجعلكم مجرد مطوبرين في محطات البنزين.. كونوا معي أو سأجعلكم تتشردون في أصقاع الأرض تبحثون عن اللقمة. يقولون في فن السياسة إن السياسي يجب أن يغامر لا أن يقامر، لكن صالح قلب المعادلة وأصبح يقامر ببلد كامل وب 24 مليون بشر.. لم يقتنع بالمغامرة في أن يشرك الناس معه في إدارة شؤونهم، فأزاح الشخوص والأحزاب والقوى كلها وقامر بأولاده وأقاربه الذين يذيقون الناس صنوف العذاب الآن. يقامر صالح بكل شيء، ولا يغامر بأن يغير عقليته لعقلية بناءة.. لا يستطيع.. إنه رجل يتألق في الأزمات كما قال عبدالرحمن الجفري ذات يوم، لأن عقليته فقط مخططة لإدارة الأزمات التي يصنعها وليس لإدارة البناء.