رحم الله أياماً كان الشعراء يمارسون فيها النفاق أمام الحكام مقابل فتات من الدراهم أو الكلمات ، ينصت الحاكم إليهم وكلا يديه تمران طلوعاً ونزولاً على بطنه المنتفخ ، يشعر بزهو كبير وسعادة غامرة .. فهاهو منافق آخر يمارس النفاق لتمجيده وتمجيد ما يصنع . span lang="AR-YE" style="font-size:12.0pt;font-family:" simplified="" arabic";mso-ascii-font-family:="" "times="" new="" roman";mso-fareast-font-family:"times="" roman";mso-hansi-font-family:="" roman";mso-bidi-language:ar-ye"="" اليوم صورة قديمة تتكرر .. هامان فرعون يظهر من جديد ورجال السياسة يمارسون النفاق ، بيد أنهم يجنون الكثير والكثير وتأثيرهم كبير وكبير فالفرق شاسع بين نفاق الشاعر ونفاق السياسي ، فالسياسي عندما ينافق يمثل تجسيدًا رهيباً للشر والظلم بكل صورهما ، كما أن نفاق السياسي هو الطريق السهل غير الممتنع للانحراف الأخلاقي والسلوكي للحكومة والحاكم ، وكلما كان الالتحام كبيراً بين فرعون وهامان كان إنتاجهما للفساد أكبر كماً وكيفا . وكلما طال عهد النفاق السياسي وأكثر طرفاه – فرعون وهامان – من ممارسته زاد انتشاره وتجذره وتحكمه على مقدرات البلد وإمكاناته ، وقد يصعب استئصاله إلا بثورة عارمة تقتلعه و طرفيه . النفاق السياسي مرض خطير وداء عضال يترعرع ويشب في ظل حكم فردي مستبد ، تتحول البلاد بسببه إلى سوق نخاسة كبير تضم أنواعاً شتى من صور المنافقين ، صوراً كثيرة لهامان تعكس مدى رغبة فرعون الطاغية في فرض سيطرته وطغيانه على البلاد (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) فكلما أمعن في طغيانه وغيه وأكثر من فساده ، استنسخ العديد من صور هامان ، فهامان المستشار وهامان الوزير وهامان الوكيل وهامان القائد العسكري وهامان عضو البرلمان وهامان شيخ القبيلة وهامان شيخ الإفتاء ... ما يحتاجه فرعون من هامان هو تبرير ممارساته الفرعونية الخاطئة والدفاع عنها ومباركتها باستخدام بعض الوسائل الدنيئة والأساليب الرخيصة مثل 1- الكذب في كل حال وفي كل زمان . 2- تجنيد الأقلام المأجورة . 3- حشد الانتهازيين . 4- نشر الميكافيلية . 5- الانبطاح بكل صوره . 6- السكوت عن قول الحق 7- شراء الذمم ، ثم نجد المنافقين السياسيين يتسابقون لإظهار نفاقهم تارة بالتودد والتمسح والتبرك بشخص الحاكم ، وأخرى بتقبيل الأيادي وأخرى بإعلانهم التنازل عن مبادئهم وقيمهم ، ولسان حالهم يقول كما قال الشاعر أحمد مطر : أيها الناس اتقوا نار جهنم ، لا تسيئوا الظن بالوالي ، فسوء الظن في الشرع محرم ، هكذا يستطيع الحاكم تنفيذ ما يريد ، وبهذا ينشر الثقافة النفاقية على مستوى أوساط عديدة من مكونات شعبه ، ولهذا نجده وبعناية ودقة فائقتين يختار منافقيه ، كل حسب ما يمتلك من مواهب وقدرات وصفات نفاقية تمكنه من احتلال المناصب الرفيعة في الحكومة ، فهو يضع الرجل المناسب في المكان المناسب ولسان حاله يقول لهم محدداً بذلك معيار الاختيار : نافق أكثر وبجدارة أعلى تحصل على المنصب والجاه ، لذا نرى بين فترة وأخرى صعود أناس فجأة إلى مناصب حساسة ولا ندري كيف جاءوا ولا ما هي مؤهلاتهم ، والأخطر أولئك الذين مرت عليهم سنوات وسنوات وهم على نفاقهم دون أن يحركوا ساكنا ، لم نرهم يتقنون غير هز الرأس والابتسامة لمن علمهم النفاق ، هم بذلك يجسدون إحدى أخطر صور النفاق السياسي وهي السكوت على الباطل وعن قول الحق ، قال الله تعالى مبيناً إلى أي مدى وصل جبروت