«لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا» هي آخر ما نطقها الشهيد محمد حزام البعداني أثناء ما كان يودع زوجته وأولاده وهو خارج من منزله كما جرت العادة، متوجهاً إلى ساحة التغيير بصنعاء للمشاركة في مسيرة الورود. واستعد قبلها الشهيد بالاغتسال وارتدى أفضل ما لديه، كما لو أنه عريس في زفافه. وكانت الإرادة الإلهية قد كتبت في يوم الأحد 16 أكتوبر أن يغادر البعداني هذه الحياة ويستريح من تعبها. لم تتلق المسيرة حينئذ رداً يليق بمعانيها التي اندثرت بالحب والسلام، كانت الرصاصات تعانق المسيرة، وإحدى هذه الرصاصات عانقت فؤاد المهندس محمد البعداني. حالما انتشر خبر استشهاده، خفقت القلوب، ارتفعت نبضاتها، تسارعت الخطى، وانجذبت الضمائر، وأخذت الاستفسارات تتطاير. يقول أحد زملائه: لا أمل في عودته.. لقد صادرته الأقدار. «ماذا يعني ذلك.. هل فارقتنا ابتسامة المهندس .. عطف الأستاذ .. بهجته؟» يردف أحد زملائه: ما ذنبه .. ماذا فعل ليقتل.. لتسيح الأحزان والألم .. ييتم أبناءه وبنات ه .. تفقد زوجته رفيق حياتها. كان في مقدمة المسيرة، اصطفته الرصاص من بين مئات الآلاف، كانت الرصاص تخترقه من بندقية قناص هو الآن يقبض ثمن بخس مقابل قتل البعداني. ولد الشهيد المهندس محمد حزام محمد عبده البعداني في مديرية بعدان محافظة إب، وكان يبلغ من العمر ما يقارب (48) عاماً، وله 3 أولاد و4 بنات. كانت حياته مليئة بالخير، والنماء لمن حوله فيما اتصف بالقيادة وفضله الذي يعترف به الكثير.درس في الهند دبلوم هندسة كمبيوتر برمجة، وكان قد بدأ حياته المحفوفة بالشقاء في ال17 من عمره. وشغل كمدير للمؤسسة الاتصالية سابقاً، لينتقل بعدها كمستشار للمؤسسة ذاتها، وكان الشهيد لديه هوايات الخط والرسم والقراءة. نشط المهندس محمد حزام البعداني في الجانب السياسي وأصبح أحد القيادات الميدانية الهامة في التجمع اليمني للإصلاح بأمانة العاصمة، وتميز بعمله الرائد تنظيمياً وسياسياً. في ذاكرة زوجته أم حمزة كان الشهيد محبوباً في تعامله مع أصدقائه، وإخوانه وحتى هي، كان قدوة للجميع ومرجعاً للكل. وقالت ل«المصدر أونلاين» بأن شبهه في الهيئة للقيادي في حركة حماس خالد مشعل، جعل منه مناط للتماثل في القيادة والشجاعة والإقدام. وظل أبناء حيه وأصدقاؤه وكل من يعرفه ينعته باسم «خالد مشعل»، وصار هذا الاسم ملازماً له، حتى إن بعضهم نسى اسمه الحقيقي. «قبل استشهاده بثلاثة أيام زار الشهيد أرحامه وكل أقاربه، وأوصى بالتراحم بيننا، كما لو أنه أحس بقرب استشهاده». تضيف زوجته. وكانت الابتسامة تلازمه إذ لم يفارقه المرح والبشرى، واعتاد على مراعاة آهات المحتاجين ومساعدتهم، فيما تكفل بحل مشاكل الناس، وكان يقوم بالوصل بين التجار والمحتاجين، واستدام على حسن المعاملة مع الجميع. وواصلت زوجته السرد ودمعها يتدفق بغزارة من عينيها ربى أولاده بكل حب وحنان، وتعامل معهم بمعيار الحوار ولا غيره. وأضافت: كان يحثنا على النضال والتثقيف حيث لديه مكتبة مليئة بالكتب، كان يحض أبناءه وبناته على القراءة والمطالعة. وفي نضاله خلال الثورة نصب الشهيد في ساحة التغيير بصنعاء عدداً من الخيام منها خيمة ائتلاف المهندسين، وخيمة أمناء الثورة اليمنية، وعمل من خلالها الشهيد على توعية الناس، وداوم على حشد جهود زملائه المهندسين في الثورة. وعن مكان أسرة الشهيد في الثورة تقول زوجته : «نحمد الله ونشكره على كل حال، وبالطبع سنواصل مشوار النضال الذي بدأه زوجي حتى تكون بلادنا حرة، ولنحقق حلم زوجي الشهيد وحلم كل شهيد أزهقت روحه من أجل الثورة».
وتابعت: سنستمر في ثورتنا حتى النصر، وأتمنى أن يحاكم رئيس هذا النظام وأولاده ويعدموا في ساحة التغيير وكل من سانده على قتل اليمنيين. وكانت نقابة المهندسين اليمنيين بصنعاء قد نعتت استشهاد عضو الجمعية العمومية لنقابة المهندسين اليمنيين المهندس محمد البعداني. وقالت نقابة المهندسين في بيان لها إن استهداف الكوادر اليمنية المنتسبة لها لن يمر مرور الكرام، متوعدة صالح وعصابته بالملاحقة القانونية أمام المحاكم الدولية والمحلية. ودعت النقابة مجلس الأمن والأمم المتحدة إلى حرمان صالح من أي ضمانات تحول دون محاكمته على جرائمه. يقول زميل له وعيناه تودع جثة الشهيد البعداني: «ستفتقدك زاويتك التي تركتها خاوية في مسجد ذي النورين».