* اولا: في معنى القبيلة والموقف الماربي الأبي: --------------------------- - اذا كانت القبيلة تتخذ من الدم رابطة لها ، كما تعني في علم الإجتماع السياسي بأنها ما قبل دولتيه فإن "القبيلة " في مفهوم الباحث هنا يمنيا ماربيا على وجه الخصوص والدقة اقرب إلى المدنية سياسيا واجتماعيا ؛ ليس لكونها تختلف عن مفاهيم القبيلة اجتماعيا -فحسب- بل وأن القبيلة في مارب تحديدا كانت ولاتزال قائمة على العمق والمرتكز الحضاري لليمن عموما ، فمواقفها وسلوكها من الأحداث السياسية والإجتماعية العاصفة في اليمن تخرجها من بوتقة العلاقات القرابية والنسق القبلي القائم على الدم والنسب والمصاهرة ؛ خروجا ذاتيا وإراديا، بحثا عن تذويت هذه الذات القبلية إلى الأعم والأشمل "الوطني" ! - ناهيك عن ما تحمله القبيلة الماربية وتتلاقح فيه من مفاهيم النجدة والشهامة، الوفاء والصدق، الإخاء وحرمة الشيئ؛ الذي يدخل فيه الوطن والدولة وما تشتمل عليه من مفاهيم وتقوم وترتكز عليه من علاقات ومصالح وتنطوي من حقوق مجتمعية ، أي هي قيمية وليست رابطة قائمة على الدم والنسب، وبهذا فهي تسترعي الخروج من ذلك المفهوم المرتبط بالتخلف والحمولة الأيدلوجية السلبية لذلك المفهوم . - وليس أدل على ذلك من القول" هذا ماهو قبيلي" ! ؛ والذي اضحى كمثل ، ويعني ذلك القول أي ليس له نخوة ، ولا يتمتع بقيم الكرم والشجاعة والشهامة والوفاء، كما تأتي بمعنى "سوقي" أي مبتذل، وغير حر وتنعدم فيه مقتضيات الحرية . - فالقبيلة في مارب مواقفا وسلوكا اقرب إلى الفعل الحر والمسئول والوطني ؛ بل تشكله وتهندس قضاياه، وليست منصرفة عن الهم الوطني او متنكرة له؛ فأضحت حاجز الصد عندما تلاشت الدولة وانكسر ظهر نظامها السياسي وجيش اليمن الوطني. - فسخرت القبيلة اموالها وعبئت مواردها المادية والبشرية والمعنوية لمنازلة الحوثية والتصدي لها ، فشكلت بذلك الفعل وتلكم المواقف الوطنية والسياسية جيشا وطنيا ينقصه التسليح والتدريب والتأهيل العلمي ، كما انها بذلك الموقف مكملة للجيش ومرتكزا له كنواة ممأسسة للدولة كفعل ، وللحرية كإرادة وتمثل واختيار. - علاوة على ذلك فإن الموقف والسلوك القبلي الماربي يعي ويدرك أن سقوط الدولة ونظامها الجمهوري كثابت وطني معناه اسقاط للمجتمع الأهلي/المحلي ، وبنيته القبلية الموغلة في ارثها الحضاري والمدني ؛فالإنسان" مدني بطبعه" كما يقول ابن خلدون. - ولذا فدور القبيلة في مارب هو تقوية الدولة والإستمساك بحبلها ، والعمل على استعادتها، وشد عضد المؤسسة العسكرية والأمنية لا المخاطرة بها ومناجزتها ، خصوصا وأن هذا الإدراك الأهلي والمجتمعي لأبناء مارب يشير إلى خطورة الحوثية ، كما يعي جيدا معنى اسقاط الدولة ونظامها الجمهوري على المستوى الوطني ككل؛ فالدولة ونظامها الجمهوري بمثابة الذات الحرة لذلك المجتمع الماربي بقواه الإجتماعية والسياسية والإقتصادية برمتها. - إذ أن مخاطر التفتيت والتجزئ لليمن العظيم على المحك؛ ولذا كان موقفها في صلب كل فعل عظيم ووطني، ومن صميم إراداتهم بوجود الدولة ، كاقتناع كامل وعملي مندفع بدفق الإرادة المتحررة التي تعتمرها كأساس وتوجه ، وتعريف هووي وانتماء يمني محض. - فكانت وقفة مارب نواة لاستعادة الفعل واكتساب الفاعلية سياسيا واجتماعيا ووطنيا وحضاريا، كما انه يشكل نواة لولادة نظام وطني جديد ، وفقا لإرادة كل ابناء اليمن وتوجه الدولة ومدار افقها الوطني ، وخيارات اليمنيين الشعبية ، ولا تمثل بأي حال قفزا على أي من ذلك مجتمعة. - فأصبحت مارب وفقا لكل ذلك مرتكزا في اساس تشكيل اليمن الجديد وخارطته وتضاريسه السياسية وشكل نظام الحكم المبتغى فيه، اذ أنها بذلك الموقف والسلوك المتجسد بالضد من الحوثية تنصهر وتندمج وتتوائم مع بقية المحافظات والمجتمعات الأهلية فيها ، فتشكلت بذلك إرادة وكفاح وطني لمنازلة الحوثية ، ورافعة لمشروع اليمن التحرري المعاد صياغته بإرادة كل ابنائه. - فشكلت مارب وفعلها الوطني العظيم مركز قوة وحضور بعد تهميش وتشويه متعمد ومشين ، فسكلوجية الفخر والقهر المجتمعي لأبناء مارب هي من وحدت القوى السياسية والإجتماعية فيها وصنعت خياراتها ضمن خيارات اليمن المستقل والموحد والحر، اذ كان لقيم التضامن القبلية وعلاقاته القارة في النسيج الإجتماعي ، والإحساس بالخطر المشترك والداهم، والمنبعث من أرومة الإخاء ، والمتحدر من وراثة كل قيم وفضيلة ، ودواعي النخوة والإعتزاز ، والخوف من الذل والمهانة الدور الأبرز في توحيد الصف واتساقه مع المعاني الكبرى والأفعال الجليلة والوطنية وليس العكس. - وبهذا فمارب ترتفع بمواقفها تلك، وترفع من شأن السياسة واعلاء الشأن العام فوق المصالح الضيقة والحسابات الفئوية والمفلسة ؛ اجتماعيا وسياسيا وثقافيا واقتصاديا، وتضفي عليها هالة من القيم المعتبرة والمتحررة من كل نزوع عشائري ضيق او سياسي مرذول، بمعنى أنها تعيد رسم خارطة القيم والفعل الوطني ، وثوابت اليمن المركزية على نحو افضل واعتداد كفؤ وتنظيم أشمل وأسلم لليمن دولة ومجتمعا. - وفوق هذا وذاك فقد أعادت مارب بحضورها السياسي وخطها الوطني وفعلها المقاوم مسألتي الوزن والتوزان المجتمعي في اليمن برمته؛ فأسست لعلاقات أكثر حميمية واتصال بالوطن وثوابته من جمهورية ووحدة ، فهي تحتضن اليمن الدولة والمجتمع الذي يشكلها اليوم هو بمثابة يمن مصغر وكبير في نفس الوقت، وخير هذا اليمن يختص باليمنيين كافة ، فوزن مارب اليوم وتوازنها المجتمعي يجعلها بمثابة المدخل لليمن الجديد اليوم.
* ثانيا : ماذا تقول خارطة مارب الإجتماعية والسياسية وثروتها الطبيعية !؟ ------------------------------------------- - إن خارطة مارب الإجتماعية والسياسية تبعا لما تكتنزه من علاقات بحكم القرب والمصاهرة والعادات والتقاليد الموحدة ، ومخيالها الجمعي الذي يأبى الضيم ؛ قد جعلها مرتكزا لإعادة تشكيل القوة في اليمن ووسائل حيازتها المشروعة ؛ فبقدر ما انها تنهل من معينها القيمي والضافي ، متطلعة إلى الحفاظ على الثوابت الوطنية ومكتسبات الفاعلية والفعل الجمهوري العادل ، نجدها تؤثر في بقية المحافظات ذات البنى المشابهة لها، وبحكم العلاقات الإجتماعية منها مثل" صنعاء والجوف وشبوة والبيضاء وحضرموت وماتلاها" أي مشرق اليمن وجنوبه ، وسطه وشماله ، إن امنيا او عسكريا ، سياسيا واجتماعيا ، وطنيا وحضاريا ايضا، هذا الموقع يشكل مدخلا لإعادة اللحمة الوطنية والإجتماعية ، ناهيك عن الفعل الوطني والسياسي . - فمثلما مثلت مارب حاجز صد ورأس حربة امام المشروع اللاوطني الحوثي والمدمر لليمن، نجدها تقف وبشهامة اليمني واعتداده بنفسه ووطنه، امام تحركات الإنتقالي الإنفصالي ومن إليه؛ فأضحت ذخرا وطنيا ومفخرة يمنية ، إذ أنها تشد من عضد الوحدة الوطنية واليمن الواحد والموحد، مبشرة بالدولة اليمنية الجديدة القائمة على العدالة والمتخذة من الحرية اساس لها ووطنا وتوجها. - خصوصا وان ما تتميز به مارب إلى جانب ما ذكر اعلاه احتواؤها على ثروات بترولية وغازية تعزز الثقة بالدولة وتقيم بنيان المجتمع ، بل وتحيل إلى ذلك وترسمه افقا ووطنا، ناهيك عن تعزيزها لقدرة الدولة وسيادتها ووحدتها وامنها واستقرارها، فخط الغاز المنهمر من حقول صافر وما جاورها والذي يصب في البحر العربي عبر محافظة شبوه"بير علي" ، وبمسافة تربو على 200 كليومتر تعزز الوحدة الوطنية وخيار الوطن الواحد كثابت وطني وسياسي ، وبالتالي فهي تمثل عامل اضعاف للحوثية والإنتقالي ومن إليهما. - أي أن مارب اصبحت بحكم المستولد للحل اليمني الوطني ، والمثقل بأزماته المركبة والمفتوحة ، وعلى متخذ القرار السياسي اليمني والمؤثرين فيه وصناعه استثمار ذلك ومأسسته سياسيا وامنيا ، اجتماعيا واقتصاديا، فمارب استراتيجيا تقف باليمن حيث يجب أن يكون ، كما تخدم المشروع الوطني وثوابت اليمن المركزية اليوم وعلى مر العصور. - ومثلما اضحت مارب حضورا دولتيا وفعلا وطنيا مستقلا وحرا وموحدا، ومظهرا للفخر والإعتزاز المجتمعي والسياسي ؛ فحري بنا اليوم كقادة واحزاب ورأي عام أن نجعل افق مارب هو أفق كل محافظاتاليمن ، فهي التي تقف على عتبة استعادة الدولة بم يشتمل عليه ذلك من حق احتكار العنف ورفض كل ميليشيا وفصيل مسلح ، كما انها تمثل النجاح الذي ينشده اليمنيين ويتطلع اليه كل ابنائه ، كمستقبل وتنمية وسلام وأمن واستقرار، فنموذج مارب وكائنيته اتى ليعمم ويشمل كل بقاع اليمن، لا ليحاصر ويتهم ويشوه اعلاميا وسياسيا..ففيه نجاح اليمن وخروجها من ازمتي الإنقلاب وأفق الوطن المجترح، ماربيا يدعو للفخر والتمأسس وطنيا ككل.