لو أمطرت السماء حرية لحمل بعض العبيد المظلات ! ما من شك في أن أفلاطون قال هذه الخلاصة التي مثلها هذا القول نتيجة معاناة عاشها، و واقع كابده. العبودية ليست مرتبطة بلون، لكن جاهلية الإنسان الأبيض في زمن مضى راح يتكبر بلونه، و يطغى به على غيره، ففرض العبودية على ذوي البشرة السوداء قهرا و قسرا ، و عمق هذا القهر و رسخت العبودية ثقافة الغرب، حتى بلغت ذروتها بتلك الهمجية التي كانت تستبيح الإنسان الأفريقي من خلال غزو همجي وحشي لبلدان أفريقيا لاختطاف الآلاف من البشر رجالا و نساء و أطفال و المتاجرة بهم لتسخيرهم كعبيد لخدمة السيد الأبيض. هذه الجريمة الهمجية الوحشية معروفة تاريخيا، و ماتزال تمثل وصمة عار - غير قابلة للنسيان - للحضارة الغربية . و لهذا نجد الغرب - اليوم - الأكثر تباكيا على الحالات الإنسانية؛ سعيا منه للتخلص من العار الذي لحق به من تلك الجريمة التاريخية السوداء، و إمعانا منه في التخلص منها يسعى جاهدا ليلصقها بغيره ، حيث يبالغ جدا جدا فب تضخيم و تهويل هفوات و أخطاء الآخرين.
لا يلحق سود أفريقيا أي عيب أو عار لما حلّ بهم، فقد تعرضوا لأسوأ معاملة همجية في تاريخ البشرية، حيث فرضت عليهم العبودية بالحديد و النار . لكن الرثاء كل الرثاء، و الإشفاق كل الإشفاق، و العيب و العار لمن يسعى مهرولا بقدميه إلى حظيرة العبودية، فارا من فضاء الحرية !
كم كان ذلك المصري حرا عندما رفض أن يقبل ما تعرض له من إهانة ممن وصف نفسه بابن الأكرمين، فشد الرحال من مصر إلى المدينةالمنورة حيث الخليفة العادل عمر بن الخطاب ؛ ليشكو له ظلم ابن الأكرمين، فيستدعي الخليفة واليه على مصر - عمروبن العاص- ليأخذ للمصري حقه من ابن الأكرمين صفعة بثفعة، و سوطا بسوط، بل ويقول للمصري عليك بصلعة عمرو، فيقول المصري : قد أخذت حقي ممن ضربني. يومها قال عمر مخاطبا عمرو ، و معززا مدماك الحرية : متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ! و كان المجتمع حرا أيضا، فقد قال الحاضرون : و الله لقد قام المصري بأخذ حقه و نحن نشتهي ذلك . عبودية سود أفريقيا للغرب كان قسرا و قهرا من الغرب، فلأي سبب يفر بعض البيض من مواقف الحرية ؛ و لأي سبب يُهرعون مهرولين إلى حظيرة الذل و العبودية.
العبودية ليست مرتبطة بلون ، حتى و إن دل الواقع - اليوم - إلى أن عبودية الأبيض أسوأ و أحط . الحرية مواقف، و العبودية تبعية ، الحرية اعتداد و اعتزاز ، و العبودية ذل و انقياد، فتبا للدرهم و الدولار كم استعبد من مناصب و كم أذل من ناس، و كم مرّغ من أنوف، يتوارون عند الشدة، و يفرطون بالمواقف حين الحاجة . لا أحد ينتظر موقفا ممن يفضل الحياة في حظيرة الذل على فضاء الحرية، فذاك قد ألفت نفسه حياة الذل، و يستحيل أن يصدع بالحق أو يقف موقف الحرية :
و مكلّف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار
الحرية مواقف الشرفاء و الأوفياء لدينهم و لكرامتهم و لأوطانهم و لمبادئهم. ظل لعرب يرددون أن قضية فلسطين هي قضيتهم الأولى، و تلك فريضة و حقيقة، و جاء اليوم الذي باتت تتسابق فيه أنظمة، و كيانات للتمسح بعتبات الكيان الصهيوني و تتملقه، و تستجدي منه الدعم و التأييد، في وقت يعلن الكيان الصهيوني عن إجراءات بضم اجزاء من الضفة الغربية، و يستيقظ ضمير أكثر من ألف نائب برلماني أوربي؛ فيما يفر العبيد من فضاء الحرية إلى حظيرة الذل و الارتهان ! مهما كانت سلبية عبيد حظيرة الذل ؛ فإنها تستفز عنصر التحدي لدى الأحرار، و تعزز مواقف رواد فضاء الحرية ؛ ذلك الفضاء الواسع و الأوسع ، و الذي لا يَرِده إلا الأحرار بشتى مشاربهم، و أطيافهم السياسية و النضالية، فإذا هم صفا واحد، يجمعهم واجب التمسك بالحق، و فضاء الحرية.