يدّعونَ زورا أنهم ينتمون لقوى الحداثة والتنوير.. وهم ينضحون تخلفا وظلاما.. ويتقمصون كل نقائص الإنسانية.. وينصبون ألسنتهم السالقة منصات إطلاق ضد هوية الأمة.. وقيم الأمة.. ووجود الأمة.. فأين الحداثة والتنوير منهم وقد أعادوا بغباء ما قاله وفعله الهالكون من كهنة الشر على مدى تاريخ الإنسانية الطويل؟! ويدّعون أنهم يمثلون حرية الرأي والاعتقاد.. فإذا ما أبدى عالم من علماء الإسلام رأيا تنادوا لتسفيهه وتحميله مالا يحتمل من الدلالات والمعاني، وتواصوا على وصمه بالعنف والإرهاب.. فأين حرية الرأي من هؤلاء؟! لقد أتاحت منصات التواصل الاجتماعي لهذه العاهات أن تنسكب بقعا سوداء.. تلطّخ هنا وتشوه هناك، وتصاب بالغثيان وأنت تتصفح منشورات أحدهم حين تدرك كما هائلا من الكراهية ضد الإسلام ومفرداته وقواه الفاعلة.. والعجيب في الأمر أنه ليس فلتة لسان من هذا أو كبوة قلم من ذاك، ولكنه نهج منظّم، ومرض طافح، وحقد ضارب جذوره في نفوس وعقول شراذم منتكسة انطلقت في نشاطها المشبوه من انتقاد قوى الإسلام وجماعاته الحية، ثم في مرحلة تالية انتقدوا مصادر السنة النبوية، وصبوا جام غضبهم على البخاري ومسلم.. وهاهم يصلون بانتقاداتهم إلى ساحة القرآن الكريم.. وهذه صفحاتهم الملطخة بالهمز واللمز شاهدة عليهم.. فماذا تنتظر من ناقد حاقد غير الشطط الفكري، والنزق الموقفي؟ وغير تلك البقع السواء اللزجة التي تجد نفسها بالتلطيخ والتشويه ليس إلا.. ومع حلول العيد الثامن والخمسين لثورة 26 سبتمبر الظافرة انبرى بعض هؤلاء المأزومين المهزومين للنيل منها في أجل تجلياتها وأبهى مشارقها، حين راحوا يلمزون بعبارات فجة ووقحة بأيقونة الثورة المجاهد الشهيد محمد محمود الزبيري، واهمين أنهم بأقلامهم المرتعشة ودسهم الرخيص وعباراتهم القميئة قادرون على زعزعة الطود الشامخ والجبل الباذخ.
نقموا عليه دعوته لقيام حزب إسلامي.. وتلك غصتهم الفكرية المزمنة.. ولأنهم أميون في تاريخ الثورة؛ فقد فاتهم أن دعوة الزبيري هذه جاءت محاولة منه لإنقاذ الصف الجمهوري، بعد أن ظهرت فيه جملة من التصدعات، وبعد أن ظهر وسط هذا الصف من يريد الانحراف بعجلة الثورة، وتحويلها إلى وسيلة للظلم والاستيلاء على الأموال والعقارات بغير وجه حق، وقد كتب الزبيري آنذاك سينيته الشهيرة التي منها: هذا هو السيف والميدان والفرسُ واليوم من أمسه الرجعي ينبجسُ روحُ الإمامة تسري في دمائكمُ وإن تغيّرتِ الأشكال والأسسُ وأنتمُ طبعةٌ للظلمِ ثانيةٌ تداركتْ كلّ ما قد أهملوا ونسوا
وعابوا عليه قصائده في مدح الإمام أحمد حين كان وليا للعهد، والمعروفة ب(الوثنيات)، وكأنهم هم الذين سموها بهذا الاسم الذي يحمل الكثير من دلالات الندم والمراجعة لا هو.. متناسين أن هذه القصائد تمثل مرحلة ضئيلة من مراحل الزبيري الشعرية، تلتها مرحلة النصح والتلميح، ثم مرحلة المواجهة الصريحة، والأخيرة أطولها أمدا وأغزر إنتاجا. ومن هؤلاء من اعتبر الزبيري مستهينا بالشعب يرثيه تارة ويحتقره أخرى، متغافلين أن القصيدة وليدة لحظة انفعالية والشاعر كغيره من بني البشر يحزن ويغضب ويصيبه الإحباط والانكسار، فتأتي قصائده معبرة عن ذلك، كما أن ماقاله الزبيري من عبارات ظاهرها القسوة على الشعب إنما جاءت لاستثارة نخوته، واستنهاض عزيمته، واستفزاز عوامل القوة الكامنة فيه، وهو أسلوب درج عليه جهابذة الشعراء، فهذا معروف الرصافي يقول لشعبه مستنهضا: ناموا ولا تستيقظوا مافاز إلا النوّمُ وهذا شاعر تونس الخضراء أبو القاسم الشابي يتمنى نفسه في لحظة غضب حطابا ليأتي على الشعب من جذوره: أيها الشعب ليتني كنت حطا با فأهوي على الجذوع بفأسي أما عبقريهم فقد اكتشف مثلبة عظيمة في شعر الزبيري، وحق له أن يحصل من الجهات الممولة لهذه الحملة التحريضية المشبوهة على براءة اكتشاف. اكتشف هذا المتعبقر أن الزبيري قال هذا البيت وهو في باكستان: يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمش الضحى بل صنعناه بإيدينا وكأن الزبيري ذهب إلى باكستان يومئذ لقضاء عطلته الصيفية، أو لمشاهدة عرض مسرحي، وكأني بهذا المكتشف الخارق يرى أن القصائد الوطنية هي تلك التي كتبت في صحن المسجد الكبير بصنعاء أو في باب موسى بتعز أو في غيرها من المعالم اليمنية، وما سوى ذلك فادّعاء كاذب وافتآت منبوذ. وبعد: فهذه السطور ليست دفاعا عن الزبيري، فمقام الرجل أسمى من أن يناله كويتب متعثر، أو قلم مأجور، وكأني بالزبيري الثائر الشاعر يبتسم في وجه هؤلاء الأشقياء النكرات المنغمسين في حملتهم المسعورة، مرددا ما قاله الشابي لأشقياء آخرين سبقوهم: وأقول للجمع الذين تجشّموا هدمي وودّوا لو يخرُّ بنائي إنّ المعاول لا تهدّ مناكبي والنارُ لا تأتي على أعضائي فارموا إلى ظلّي الحشائشَ والعبوا يامعشر الأطفال تحت سمائي أما أنا فأجيبكم من فوقكم والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي: مَنْ جاشَ بالوحي المقدّسِ قلبُه لا يحتفل بحجارةِ الفُلَتاءِ