كم هو كبير على النفس أن تتهاوى شموس العلم واحدة إثر أخرى في رحيل محزون صامت في بلد مزدحم بالموت، فلم تكد جامعة صنعاء تفيق من صدمة رحيل الدكتور عبدالرحمن العمراني حتى جاءها النبأ المزلزل برحيل علم آخر من أعلام الأدب والبلاغة، وكأن هؤلاء الأعلام رأوا في الموت خلاصا من حياة فقدت معنى الحياة، ومن عيش فقد كرامة العيش، ومن أيام مثخنة بالهول، طافحة بالوجع. رحل الدكتور أحمد الزمر وهو في وهج عطائه، بعد مرض عضال أسلمه للموت غريبا في بلده وبين زملائه ومحبيه. يحق للبلاغة أن تنتحب، وللأدب أن يعلن الحداد، ولتلاميذه أن يتفيئوا ظلال الفقد باكين أستاذهم الذي رحل بصمت بعد أن عاش حياة مفعمة بالعطاء، مزدانة بالمعرفة، ممتلئة بجلال العلم وجميل الشيم والأخلاق، عنوانها التواضع الجم، والأبوة الحانية، والفكر المستنير، وقوامها التبتل في محراب الضاد بيانا وجمالا. ولد الدكتور أحمد قاسم علي الزمر في قرية الحَمْري إحدى قرى شرعب، عام 1952، وفيها تلقى تعليمه الأولي، ثم هاجر إلى السعودية، فدرس هناك حتى حصل على درجة الماجستير في البلاغة والنقد من كلية اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، ثم ابتعث إلى مصر حيث حصل على درجة الدكتوراه في ذات التخصص من جامعة عين شمس، ليعود بعدها إلى جامعة صنعاء أستاذا محاضرا في عدد من الكليات. أصدر الدكتور الزمر خلال مسيرته العلمية عددا من الكتب أهمها كتاب الشعر اليمني المعاصر بين الأصالة والتجديد، وكتاب ظواهر أسلوبية في الشعر اليمني الحديث، وهذا الأخير يعد من أهم المؤلفات التي حاولت رصد مسيرة الشعر اليمني الراهن من زاوية أسلوبية، مثبتا فيه ريادة الصوت الشعري في اليمن، وقدرته على الجمع بين خصائص الإبداع في الموروث الشعري العربي ككل، وبين الوثبات الأسلوبية التي حققتها القصيدة العربية في راهنها المعاصر، وقد صدر هذا الكتاب في أكثر من طبعة كان آخرها عام 2004 عن وزارة الثقافة. ولاشك أن الدكتور الزمر معروف لدى طلاب المرحلة الثانوية، حيث قام بتأليف مناهج الأدب والنصوص والبلاغة لصفوف هذه المرحلة. رحم الله الدكتور الزمر.