تفرض التهديدات الوجودية في اليمن على الأحزاب والقوى السياسية تحديات جمة،خصوصا وأن الأحزاب اليمنية لم ترتق بعملها وطريقة تفكيرها واجراءتها إلى مستوى الحدث والأزمة اليمنية الوجودية وعمقها ونطاق اتساعها وجغرافويتها،ليس لأن حجم وكم تلكم التهديدات الوجودية في اليمن تمس بصورة مباشرة وجود الأحزاب تلك،بل وأن حقيقة الأزمة تمتد إلى الأحزاب ذاتها؛فشرعية وجودها ومشروعية افعالها مرتبطة وبعلاقة وثيقة بوجود الدولة واستعادتها ابتداء،فشرعية الحزب ومشروعية فعله مرتبطة بالدولة والنظام السياسي الجمهورية ومحددة بثوابت اليمن ومصالحه. فالإنقسام المرئي سياسيا وجغرافيا واقتصاديا واجتماعيا،وغير المرئي-أو الذي لايأخذ حقه- الثقافي أعني المعني به تلك الأحزاب،اذ عليها أن تتمثل جسورا لضرب ذلك الإنقسام، لا إلى زيادة واستدعائه خدمة لأجندات مشبوهة،وممارسات غير سوية،ولا يكون ذلك الا من خلال التغلب على فئوية الأحزاب تلك،وبم يعكس الهم الوطني كبوصلة عمل ومفتاح اثير لاستعادة مكانتها ودورها في الحياة السياسية والإجتماعية والتنمية والنمو السياسي والثقافي ككل،أي عليها أن تقف وبصلابة ومتانة أيدلوجية وتحشيد وتعبئة عامة وتجنيد سياسي لخلخلة تلكم الإختلالات الناشئة من جوف وصلب ذلكم الإنقسام الذي اذكته ولاتزال ارهاب الحوثية ونيرانها المستعرة في طول وعرض اليمن،وصولا إلى أن تلكم الأحزاب معنية ابتداء بإزالة هذه الشقوق والفجوات السحيقة التي تتلظى وتتغذى منها الحوثية ومن إليها من جماعات العنف وميلاشياته اللعينة. إن أيدلوجية الأحزاب وفي هذه اللحظة المفصلية والتاريخية عليها أن تتمثل أيدلوجية الدولة،وأن تتخفف من أيدلوجياتها الخاصة التي تكرس التذرير السياسي وتنشره كرماد في أعين كل من يناهض هذا القهر والإنقسام والتشرذم،حتى اصبحت رهينة بيده،ولا هم لها سوى التأثير في مسارات الأحداث وكيف تصب في صالح الفئات التي تمثلها تلكم التجمعات الحزبية،أي تحولت من فاعل وقوة تأسيس إلى منفعل ومتأثر بم تجترحه تلكم الحركات والقوى الميلاشوية؛فبدلا من تحولها إلى خلايا عمل وتثقيف وتحشيد وتعبئة شاملة وكاملة لاسترداد الدولة ومكانتها وثقة المجتمع بها،ومد حبال الوصل بين مكوناتها كقوى سياسية ممثلة رسميا،اذا هي تنطوي وتنكفئ على الذات وتتحول إلى خلايا لضرب الثقة واستدعاء الإنقسام،بل وخلقه،وصولا إلى أن اضحت فئوية لمزيد من تمزيق الهوية وتشتيت الجهود،وضرب كل اواصر الحميمية بينها والشعب ومهماتها كأحزاب في مثل هكذا ظروف استثنائية وتحديات مهولة،فعقلية الحزب لابد أن تتغير وفقا لمتغيرات الأحداث وصيرورتها،لا التوقف والوقوف على تخوم الأطلال ونرجسية الأنا المنفعلة التي تتحكم بها. فالأحزاب هنا ليست غاية في ذاتها،بل وسيلة وروافع تحرر وطني،لسان الشعب وحاملة لوائه وجسر تمتين وبؤرة ثقة بين الشعب ورئاسة الدولة وجهازها الحكومي،تربي كوادرها المخلصين لاجتياز هذه المحنة الوطنية،وتعمل بكفاءة وجسارة لامداد يد الشعب الطولى"الجيش والأمن" بالكوادر المتفانية والمعطاءة في لحظات داهمة كهذه،وعلى أن يكون ولائها الأول والأخير للوطن،وتحكمه القوانين الصارمة،ويتمتع بالمهنية الصادقة من أجل تلكم المهمات الجسيمة والخطيرة. فلا خطورة من أن تتمثل الأحزاب تلك كوادرا ليسوا اهلا لثوابت الوطن ومصالح اليمن العليا والمجتمعية،ولا اهلا لإخلاص هذا الشعب وحميميته ازاء الأحزاب تلك. إن اولى المهمات الثقيلة الملقاة على عاتق تلك الأحزاب يكمن في استشعارها وادراكها لمكامن الأخطار والتهديدات الوجودية المباشرة والمحتملة لليمن واليمنيين جميعا،اذ أن استشعارها لتلكم الأخطار المحدقة تجعلها ترفع من منسوبية الخطر لدى اعضائها وكوادرها،وتجفيف كل منابع الإنقسام الذي سببته الحوثية واخواتها العنيفة والميلاشوية ،او تلك الإنقسامات التي تتسبب بها بعض الأحزاب واصبحت تتحكم فيها عقلية الفئوية وتخرجها عن طور المعنى والمبنى للحزب،متصيدة للأخطاء وجاعلة من ذاتها حكما عليها،تاركة مهمتها ومعنى وجودها،ومتخذة من السلبية أرومة تتغذى بها وخدن متاع مخادعة ووهمية وإلى اتباع سياسة الإفشال اقرب؛حيث اصبحت عبئ استراتيجي ووطني وقوة معطلة للفعل وللمشروعية وللشرعية بقواها المختلفة . إن سياسة بعض الأحزاب في اليمن قد اضرت بقواعد النظام السياسي وبالجمهورية كمبدأ،وبالثوابت الوطنية التي تدعي تمثلها،وبمسرح الجغرافية التي تتمتع بها،وبالمؤسسية التي تدعي تمثيلها وانها منها،كما اضرت وكانت حصان طروادة لميليشيات وجماعات احتلال ومرتعا لوسائلهم الخفية والمتبعة كالتطييف والتمذهب والإحتماء بالجغرافيا،وتكريس السلبية والإنفعال بدلا من الفاعلية والتأثير والإيجابية،وآن عليها أن تغادر مربع الإفتئات الذي تحاول منه وفيه الحصول على مكانة ما،لكنها في الحقيقة وكما اسقطت الشعب اليمني من حسابتها،ورهانها،فقد اسقطها الشعب من هيكله ونظامه وفؤاده بسبب تلكم السياسة البراجماتية التي لا تعني سوى السلبية في هذه الأزمة الوجودية والتاريخية والوطنية التي تعانيها اليمن. كما اضرت تلكم السياسات الحزبية والمواقف والسلوكيات الخاطئة بالأحزاب نفسها،وحولتها إلى ميوعة ولدونة سياسية لا طعم ولا شم ولا رائحة ولا لون تفصح عن حقيقتها،والأخطر أن تعتمر تلكم الأحزاب سلوكيات ومواقف ليست بالضد من المصلحة الوطنية وثوابت اليمن العليا _فحسب-بل وعلى حساب الوزن والتوازن الوطني والسياسي والتاريخي لليمن،والذي هي بدونه ومن غيره وخارج بيئته لا شيئ البتة.فعقلية الثأرية والروح المشبعة بأيدلوجية الأحزاب تلك لا بد أن تغادرها وإلى غير رجعة،مالم فإنها مدانة في عين الشعب وقواه ومثقفي اليمن..والتاريخ لن يرحم احدا،خصوصا وأن تلكم الأيدلوجية قد اعمت بصيرة كثير من المتحزبين عن رؤية الحقيقة،وما تلوكه ألسنة بعضهم مجرد وهم يصطلي بناره ذلك الحزب،املا في التخفيف من أزمته التي اضحت وثيقة الصلة بعدم ثقة الشعب فيه،وبحثا عن حالة الإنسداد التي أوقع نفسه فيها،والأوهام المعشعشة في اذهان مقتفيه.