[email protected] مازال قانون طلب الحصانة - للرئيس علي عبد الله صالح ومن حكموا معه - يثير جدلاً واسعاً, لأنه يبدو متناقضاً مع مبدأ العدالة والشفافية, ومهما كانت أهداف الذين اقترحوه, فإن القانون يؤكد الاعتراف بالأخطاء, ويطلب الصفح عن جرائر الماضي, وقد قبلت به المعارضة اليمنية - ضمن المبادرة الخليجية - دفعاً للمخاطر, ولإيقاف نزيف الدم اليمني, ولتجنيب البلاد الانزلاق إلى الحرب الأهلية, وحرصا على أمن المواطن, واستقرار اليمن, في مقابل تحقيق مطلب الثورة الشبابية الشعبية السلمية في التغيير, ورحيل النظام السابق والتوجه نحو بناء اليمن الجديد: يمن الحرية والكرامة والعدل والمساواة ودولة المؤسسات ... والمفترض أن تكون القوانين حلاً للمشكلات لا سبباً في تفاقمها, وكان هذا ممكناً لو خرج هذا القانون بصياغة معقولة وغير مستفزّة, غير أن أجواء التوتر والتربص وضعف الثقة, جعل طالبي الحصانة - للرئيس ومن عمل معه - يصرون على هذا الإخراج الفجّ وإلاّ ... لكن ما يجب أن يعلمه الجميع أن الحصانة هنا تعني عدم المساءلة في الحق العام الذي تم التفريط فيه بقصد أو غير قصد, أو التصرفات والقرارات الخاطئة أثناء فترة حكم المطالبين بالحصانة, ولكن هذا لا يعني بأي حال التنازل عن الحقوق الشخصية للغير(دماء أو أموال أو ممتلكات أو أراضي أوعقارات), ومن يزعم ذلك فإنه يفتئت على الآخرين ما ليس له, ويكفي أن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, لم يشمل ذلك الغفران حقوق الناس الخاصة, ولهذا خاطب (ص) المسلمين في مرض موته وقال :"...آلا فمن كنت جلدت له ظهراً, فهذا ظهري فليستقد منه, ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه ..." فقام رجل وقال: لي عندك يا رسول الله ثلاثة دراهم أمرتني أن أعطيها مسكيناً ولم تعدها لي, فأمر الفضل بن العباس فأعطاه إياها !! ولاشك أن المصير الذي يواجهه الرئيسين التونسي والمصري قد أحدث رعباً عند جميع الزعماء العرب, وأخذوا يبحثون لأنفسهم وزملائهم عن ملاذ آمن يقيهم المتابعة والملاحقة القضائية عن الأخطاء التي ارتكبوها بحق شعوبهم, وما علموا أن الذي يحصّنهم ويجنبهم سؤ المصير يكمن في أن يتنازلوا لشعوبهم, ويطلبوا منها أن تغفر لهم تلك الأخطاء, ولن يجدوا من هذه الشعوب إلا التسامح والعفو ونسيان الماضي , وتلك هي الحصانة الحقيقية التي ستعطيهم الأمن والاطمئنان بعد تركهم السلطة سواء عاشوا في أوطانهم أو خارجها .. أما الشهداء والجرحى والمعاقين والذين تعرضوا للاختطاف والاعتقال والتعذيب, فلابد من إنصافهم ورعاية وتعويض أسر الشهداء , وكان بالإمكان أن يتضمن القانون كل ذلك, لكن التوفيق قد جانب من قدم المشروع بهذه الصيغة, غير أن الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية قد جعلت هذا ضمن أوليات الحكومة بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة, فأولئك الأبطال ذكوراً وإناثاً قد صنعوا لأمتهم مجداً عظيماً , ويكفيهم ذلك شرفاً, ولم يكونوا يبحثون عن ثأر أو انتقام, ولا يتطلعون لمغانم شخصية, سوى أن يعيش شعبهم حراً كريماً, والوفاء لهم أن نعمل بجدّ لتحقيق الأهداف التي ضحوا بأنفسهم من أجلها, وأن نعمق معاني الحب والوئام والتعايش فيما بيننا, وستظل ذكراهم العطرة صفحات من نور تقرأها الأجيال, وأجرهم الجزيل عند الله العزيز المقتدر .. ما توصل إليه اليمنيون ليس مرضياً لكل الأطراف , لكنه يجنب الشعب المزيد من التضحيات والمآسي, ويحقق مطلب التغيير,والانتقال إلى يمن جديد تسوده العدالة والمساواة, وسنرى في نهاية الطريق أن الجميع سيبتسمون.