يمر شعبنا اليمني بمرحلة خطيرة في تاريخه, حيث يمكن لأبنائه - بمختلف توجهاتهم وأطيافهم – أن يرسموا اليوم ملامح المستقبل الذي يُؤمل أن يكون مشرقاً زاهراً وآمناً, يتجاوز أخطاء الماضي القريب والبعيد, ويغسل أدران الضعف والفرقة, وينهي مساوئ التمايز والتخلف, ويمضي نحو البناء, بتكاتف أبنائه, وتعاون كل القوى الفاعلة فيه, بعيداً عن العنف والقوة والأثرة, وإنما من خلال حوار وطني يراعي المصالح العليا للوطن, بدون فرض أو وصاية أو تعالي من أي جهة. وطريق الحوار ليس مفروشاً بالورود, فمشكلات الوطن تراكمت حتى أمست معضلات, والمظالم تعددت وكثرت حتى صارت ممارسات مألوفة, والفساد طال الأرض والإنسان, وأضحى نظاماً له مناصروه والمدافعون عنه !! عبر عدة عقود لم تُجْد أساليب النصح والإصلاح للحاكم, فتأتي الثورات لتصحح المسار, وقد جاءت ثورة الشباب الشعبية السلمية في فبراير 2011م نتيجة طبيعية لانسداد كل الطرق التي حاولت القوى السياسية – دون جدوى - أن تسلكها لتقويم اعوجاج النظام السياسي وإصلاح الاختلالات في بنيانه. لقد كان عام 2011 م استثنائياً ومفصلياً وصعباً, أظهر فيه الشعب اليمني صبراً وتضحية وإصراراً - من الشباب والكبار والرجال والنساء - علي السير نحو التغيير الشامل. وبقدر ما كان المشهد صادماً ومخيفاً, فقد بدا رائعاً ومؤثراً؛ فقوافل الشهداء تتوالى هنا وهناك, والجرحى يخضبون الأرض بدمائهم في الساحات والشوارع والميادين العامة , والشباب يواجهون الرصاص بصدورهم العارية, مطلبهم واضح : الحرية والكرامة والعدل والمساواة والتخلص من الاستبداد والظلم والنظام العائلي ... كانت الخيارات محدودة والعقلاء يبحثون عن أقرب الطرق التي تحقن الدماء, فجاءت المبادرة الخليجية - بعد مذبحة جمعة الكرامة - حلاً لم يحقق جميع ما يريده كل طرف, لكنها مثلت مخرجاً معقولاً يضمن التغيير مع الخروج الآمن لقادة النظام السابق, والإبقاء على حق المؤتمر الشعبي في أن يكون شريكاً في العملية السياسية, وليساعد في الدفع بمسيرة الوفاق الوطني وبناء اليمن الجديد ... وبعد عام من التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية, نلحظ أطرافاً متعددة لا تريد التغيير, ولم يَرُق لها أن ترى البلاد تخرج من أزماتها, بعضهم يشعل الحرائق, ويفتعل الأزمات, وآخرون يحدثون الاختلالات الأمنية, أويقطعون الطرقات, أويدمّرون الممتلكات العامة, ومنهم من يعمل لتعطيل أعمال المؤسسات, ويسعى لنشر الفوضى والبلبلة وإشاعة القلق والاضطراب, والبعض الآخر يستميت حتى يعيق تنفيذ ما تم الاتفاق والتوقيع عليه, وكل ذلك لدوافع ومصالح خاصة تحول دون رؤية يمن ينعم بالأمن والاستقرار, وشعب متحابّ يتفرغ أبناؤه للبناء والإعمار !! لاشك أن ترك الحبل على الغارب سيؤدي إلى إشعال الفتن وحدوث الفوضى والاضطراب, وإيقاف مسيرة الوفاق, وتثبيط خطوات الحوار الوطني, وذلك يتطلب التداعي لإخماد الحرائق ومحاصرة النيران في أي جهة تشتعل فيها, لنتمكن من تجاوز أخطاء الماضي, ووضع الحلول لقضايا الوطن المختلفة, والاتفاق على نظام سياسي يضمن العدالة والمساواة للحميع, ويحافظ على الحريات والحقوق لكل أبناء اليمن بدون استثناء ... إخماد الحرائق ومحاصرة النيران مسؤولية كل قادر على ذلك: بالنصح والتوجيه, بالخطبة والمقال, باحتواء المشكلات وإصلاح ذات البين, وكل هذا وحده لايغني, فلابد من قيام السلطة بواجبها, ابتداءً بالأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية وانتهاءً بأدنى مسؤول لديه سلطة واسعة أومحدودة, " وإن الله ليَزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ". لا يكفي أن يتدخل الرجل الحكيم جمال بن عمر, ولا تغني جهود الدول الراعية للمبادرة ما لم يؤخذ على يد العابثين, وتتخذ إجراءات رادعة ضد مشعلي الحرائق الذين يجب أن لا يُسمح لهم بإفساد الحياة العامة, أو العبث بأرواح اليمنيين والتلاعب بمشاعرهم, يجب أن يُساعَد هؤلاء على التخلص من شرور أنفسهم الأمارة بالسؤ, ولعلهم يجدون طعم السعادة مستقبلاً حين يرون وطنهم آمناً مستقراً مزدهراً, يمناً يتسع لهم ولغيرهم من كافة أبناء الشعب اليمني, وبعيداً عن الاستحواذ أو الإقصاء أو الكراهية والانتقام ... [email protected]