[email protected] أسقطت الثورة اليمنية السلمية أحلام التأبيد والتوريث، وأعادت للشعب حقه في اختيار من يحكمه، كشفت المراوغات والخداع الذي استنزف الجهود والأوقات في محاولات لإصلاح الأوضاع ولكن بدون جدوى!! لم يخرج اليمنيون من قبل بمثل هذه الأعداد الهائلة، وفي كل المناطق، ولم يسبق أن استمر صبرهم بمثل هذا الإصرار، ولم يتضح وعيهم بما يريدون كما هو عليه الحال في هذه الثورة التي حددت هدفها بإسقاط النظام العائلي واستعادة الكرامة والحرية، والمطالبة بالعدالة والمساواة.. منذ أن تم الإعلان عن قلع عداد الرئاسة قبل تسعة أشهر قامت الدنيا ولم تقعد، وما حدث كان كافيا ليعترف نظام الرئيس علي عبدالله صالح بالأمر الواقع، ويعلم أن الزمان قد دار دورته، وأن شهر العسل الطويل قد انتهى، وأن الفرصة الواسعة التي أتيحت له ليست شيكا مفتوحا على بياض!! لقد كان الشعب كريما حين أحسن الظن بالنظام والقائمين عليه، عاملهم بطيبة، ووقف معهم في ظروف عصيبة، لكنهم قابلوا الإحسان بالإساءة، والصبر بالاستكبار، والتعاون بالاستئثار، والتسامح بالظلم والاستبداد، والإيثار والتضحية بالأثرة والأنانية، تعاملوا مع النصح بالتجاهل، والتحذير بالسخرية، والاحترام بالاستضعاف والتنكيل!! طالت مدة بقائهم في الحكم، فتوهموا أن الوطن والشعب قطعة أرض تملكوها، وفتحوا شهيتهم ليورّثوها للأبناء والأحفاد، أولئك الذين وجدوا أنفسهم ملوكا، ولدوا وملاعق الذهب في أفواههم، ولم يتصوروا أن يكونوا يوما مثل غيرهم من أبناء الشعب اليمني لهم حقوق وعليهم واجبات!! إن لكل بداية نهاية، ودوام الحال من المحال، ولا مفر من الاعتراف بوصول رحلة النظام القائم إلى نهايتها، وقد دفعت الثورة الشعبية الشبابية السلمية ثمنا باهضا حتى الآن، وهم يعلمون أكثر من غيرهم كم في ذمتهم من نفوس وأرواح ودماء، وكم في سجونهم العامة والخاصة من شباب يعذبون وينكل بهم، يعلمون- وغيرهم يعلم- كم هي الأموال التي نهبت وهربت خارج الوطن، ويدركون حجم الدمار الهائل الذي أحدثوه في بنيان المجتمع والدولة ماديا وبشريا؟! إن الدماء الحارة التي سفكوها لا يمكن أن تتلاشى أو تصبح مياها باردة، ودفتر الحساب ما زال مفتوحا، ويمكنهم أن يعجلوا بإغلاقه والخروج بأقل الخسائر، ولهم عبرة فيما يحدث حولهم.. لقد خسر النظام الشعب اليمني، تبرأ منه خيرة أحرار اليمن: مدنين وعسكريين، سياسيين ومثقفين، وجهاء وعلماء، قبائل وأحزابا، وحتى كتائب الجيش الذي تم إعداده لحمايتهم صار ينتظر ساعة الخلاص منهم، وهاهم يستبدلونه بتجنيد الأطفال ليملأوا الفراغ الذي تركه الضباط والجنود الأحرار، وأصبحوا يحشدون المسلحين من خارج المدن ويستأجرون لهم القاعات والعمارات والدكاكين ليقوموا بإرهاب السكان الآمنين، لأنهم يدركون أن المواطن المتعاطف معهم لا يمكن أن يعتدي على جيرانه أو يهتك عرض إخوانه!! الثورة الشعبية السلمية بأهدافها ووسائلها وشعاراتها وثقافتها حاصرت النظام والمنتفعين منه، فحاولت وسائل الإعلام الرسمية الواقعة تحت سيطرتهم أن تحاكي وسائل إعلام الثورة لكنها أفلست، تحاول التقليد فيأتي باهتا، ضعيفا، واهنا، مهزوما، حتى الشعارات والهتافات التي يرددونها مسروقة من الثورة، ولم يتمكن أتباعهم من المجيء بجديد يميزهم، ولا عتب عليهم فالنائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة!! بعد هذه الأحداث كان الناس ينتظرون من الرئيس أن يعلن تنحيه عن السلطة وتسليمها لنائبه حسب ما طلبه هو في المبادرة الخليجية، لكنه فاجأنا بأنه يحاول أن يعيدنا إلى نقطة الصفر وأن يدخلنا في دوامة جديدة من الحوارات خلاصتها استمرار بقاء النظام بأخطائه التي قادت البلاد إلى حافة الهاوية، وعجزه عن حل مشكلات الوطن، بإصراره على تأبيد الحكم وتوريثه للأبناء، وهو الأمر المرفوض من كل فئات الشعب. باختصار النظام يريد استمرار الماضي، والشعب يريد مستقبلا جديدا يستعيد فيه حريته وكرامته، ومن الخير أن يختار النظام الخروج بأقل الخسائر، والتجربة الماضية تكفي، الأفراد والأسر يأتون ويذهبون، والشعب هو الذي يبقى، وسيقدر من يقدره ويحترم إرادته.