وردتني رسالة من صديق يعمل في التدريس، عاتبني فيها شديداً بسبب ما أسماه (التجاهل الموجع) لمعاناة الشريحة الأكبر من الموظفين النازحين عموما والعاملين في مهنة التدريس بشكل خاص، وذلك في مقالي الذي نشرته على هذا الموقع قبل أسبوع تقريبا بعنوان (يتامى النزوح). يذكر صاحبي أن ما يزيد عن سبعين في المئة من موظفي الجهات غير الإيرادية وغالبيتهم من المدرسين نزحوا إلى مناطق الشرعية (لم يوضح هل هذه النسبة مبنية على إحصائية دقيقة أم أنها مجرد تخمين) مضيفا: وبتوجيهات عليا تم استيعاب بعضهم في مالية عدن ضمن عدد من الدفع، ثم توقف هذا الاستيعاب وأصبح غاية دونها الغايات. وبالحديث عن المدرسين النازحين يشير صاحب الرسالة إلى أنواع ثلاثة من الظلم تعرضوا له، وما يزالون يصلون أواره حتى الآن، فالغالبية العظمى منهم لا يزالون خارج الاستيعاب على الرغم من الخسارات الفادحة التي استهلكتها المعاملات ذهابا وإيابا. وهذ هو الظلم الأول. أما المستوعبون ضمن الدفع الثلاث فهم لا يزالون ضمن خانة (النزوح) ولم يتم استيعابهم كموظفين رسميين رغم أنهم يحملون أرقاما مالية، ورغم أن هناك نقصا في المدارس يمكن سده بهم كمدرسين ثابتين. إن بقاء هؤلاء في خانة (النزوح) ليمثل لهؤلاء المنكوبين حلا مؤقتا لا حلا نهائيا لموظف من حقه أن يعيش الاستقرار الوظيفي آمنا في سربه معافى في مهنته، ومن جهة أخرى فإن استمرار تصنيفهم كنازحين يعد فرزا وظيفيا ظالما، وقد ظهرت آثاره الكارثية في استبعادهم من زيادة ال30% التي حصل عليها الموظفون في عموم مناطق الشرعية، كما أن كشوفات العلاوات السنوية التي أطلقتها الحكومة تعد الآن بعيدا عنهم وكأنهم غير معنيين بها.. وفي كل ذلك ظلم أخر من الحكومة لهؤلاء البؤساء المقهورين. أما الظلم الثالث فقد تولت كبره المدارس الأهلية التي تحولت إلى مسالخ متوحشة للكرامة الإنسانية، فحين هرب إليها هؤلاء برسالتهم المقدسة استقبلتهم بالفأس والساطور، فليس ثمة رقابة تمنعها من ممارسة الحد الأعلى من استخدام هؤلاء اليتامى واستغلالهم، وليس ثمة ضمائر يسترشد بها القائمون على إدارة هذه المدارس في تعاملهم مع هؤلاء المشردين، فقد أصبح الربح هو الموجه الأول والضمير الأقوى. أما نقابة المعلمين فهي قبيلة المنتسبين فقط، ولا يعنيها أمر هؤلاء المنفيين البتة، بل إن حضورها مع منتسبيها أصبح محصورا بالإعلام عن مواعيد صرف المرتبات وبإصدار بيانات باهتة في بعض القضايا ذات العلاقة. وفي ساحة ذلك فليس غريبا أن نسمع عن مدرس يتقاضى خمسين ألف ريال شهريا يكفيه لشراء كيس دقيق وكيلو طماطم وكيلو بطاط وعلبة كبريت أما السكر والرز فهي مشاريع ذات خطط خمسية قادمة. هذه المدارس تُعمل سكينها في اتجاهين: اتجاه يسلخ المدرس بانتقاص مفرط لحقوقه المادية، واتجاه يسلخ الطالب برسوم ذات أرقام فلكية دون مقابل علمي وتربوي يذكر، وأنى لمدرسة ترضى بجوع مدرسيها أن تكون فنار إشعاع ومنارة علم.. فالويل لها من سخط الله.