كان الرئيس المخلوع "علي صالح" مولعاً بمزاولة لعبته المفضلة في ترويع الداخل وإخافة الخارج بفزاعة الارهاب حيناً وبالقنبلة الموقوتة حيناً آخر, وبالحرب الأهلية تارة وبالصوملة تارة أخرى, وقد ثابر لإقلاق الغرب وإثارة مخاوفه من خلال الترويج لمايسمى الإمارات الإسلامية للقاعدة, ومشروع الحراك الإنفصالي في الجنوب, ولعب كذلك على وتر الإمامة وتطلعات الإماميين الجدد. المهم أن الرجل لم يألوا جهداً ولم يدّخر وسيلة إلاّ ولعب بها وأشهرها في وجه مناوئيه ومعارضي حكمه, بما فيهم المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي الذين سئموا آلاعيبه وملّوا ابتزازه. ونجح الرجل بالفعل في أن يوصل بلده إلى شفا الهاوية, ليساوم من ثَم على استقراره ويقايض به. لكن وكما يقال إذا زاد الشيء عن حدّه إنقلب ضده. فكما سعى لإقناع الخارج- عبر افتعال الأزمات- بأنه عامل توازن واستقرار لأمن اليمن ومحيطه الإقليمي بل والعالمي أيضاً, فقد غدت تلك الأزمات أشبه بقنابل موقوته فتيلها بيده! ولمنعها من الإشتعال كان لابد من إبعاده عن الفتيل, إذ صار الرجل مشكلة بحد ذاته, سببت الصداع لحلفائه, وغدا مصدر تهديد لاستقرار اليمن والمنطقة بما يعرض المصالح الإقليمية والدولية لمخاطر محتملة. لذا قرر أصحاب تلك المصالح تنحيته جانباً وأخذه بعيداً حرصاً على مصالحهم, وحتى يتمكن اليمنيون من نزع فتيل أزماته تلك, ويشرعوا في إعادة تأهيل بلدهم المحطم بفعل تلك الأزمات. تلك هي حكاية صالح باختصار, وقد تدخل المجتمع الدولي بصورة مباشرة ليضع بنفسه حداً لتلك الحكاية المهزلة. وفي حين أضحى صالح خارج الحدود كضرورة وطنية لضمان أمن واستقرار البلد, وإفساح المجال لإتمام عملية نقل السلطة عبر الانتخابات الرئاسية المبكرة, إلاّ أن المؤتمر الشعبي العام, ومن خلال نائب رئيس دائرته الإعلامية عبد الحفيظ النهاري, عاد يتهدد ويتوعد باستحضار صالح من رحلته العلاجية قبيل موعد الانتخابات للإستعانة به كما قال في الدفع بالعملية السياسية من منطلق القاعدة الجماهيرية التي يحظى بها صالح حد قوله!! وذلك في حال تقاعس المشترك عن ماأسماه"التفاعل الإيجابي"مع الانتخابات!!! وزيادة في تأكيد الأمر وصبغه بالجدية إنبرى كذلك رئيس الدائرة السياسية للمؤتمر عبدالله أحمد غانم ليعرب عن اعتقاده بأن الرئيس صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام سيعود من الولاياتالمتحدة التي يزورها للعلاج إلى صنعاء قبل موعد الانتخابات! مشيراً إلى أن استمرار مظاهر الفوضى الموجودة في العديد من المحافظات يهدّد بإفشال المبادرة الخليجية والفترة الانتقالية وربما يهدّد حتى إجراء انتخابات الرئاسة المبكرّة المقرّرة في ال 21 من فبراير القادم. المثير للسخرية والشفقة معاً, أن صالح المطلوب للعدالة, الهارب بورقة ضمان أسمها الحصانة, وتعهدات الأطراف الدولية بعدم ملاحقته كمجرم متهم بأبشع الجرائم والانتهاكات بحق شعبه, يجري التلويح به مجدداً من قبل حزبه كفزّاعة لإرهاب اليمنيين وإخافتهم! بالطبع هو يحتفظ بتاريخ حافل بالإجرام, وبسجل ملطخ بدماء الآلاف من اليمنيين منذ توليه وإلى تفجر الثورة الشعبية, وبالتأكيد يصلح من وجهة نظر المؤتمر لتميزه بتلك المؤهلات الإجرامية أن يستقوي به كمجرم عريق محترف لترويع اليمنيين وترويضهم! وإلاّ ما معنى أن يتهددنا المؤتمر باستحضاره من رحلته العلاجية قبل الانتخابات؟ كما أن التهديد بحد ذاته ليس من قبيل المزايدة السياسية وحسب, بل ويُضمر شراً تجاه الانتخابات المقبلة, فاتهام المشترك بالتقاعس عما أسموه " التفاعل الإيجابي" مع الانتخابات, هو محاولة لصرف الأنظار عن مخطط تقويض العملية الانتخابية وإفشالها, وتهيئة الساحة لتقبل الأمر وإلصاق التهمة بالمشترك. في هذا السياق يجيء التصعيد الأمني عبر القاعدة (المفترضة), ومحاولة خلق أجواء متوترة شبيهه بتلك التي سبقت انتخابات عام 93 وعصفت بالكثير من قيادات الحزب الاشتراكي اليمني, وربما تأتي محاولة اغتيال وزير الإعلام الجديد علي العمراني ضمن مخطط التصعيد, وتأزيم الوضع ليتساوق وتصريحات قادة المؤتمر. والواقع أن المؤتمر يتغابى عن جملة حقائق مهمة من بينها: أن الانتخابات الرئاسية هي مصلحة حقيقية للشعب وللمعارضة معاً, وليس من مصلحة هؤلاء الأخيرين التقاعس عنها, إذ المستفيد الوحيد من عدم إنجازها هو صالح وحزبه, وبالتالي لا وجه للقول بأن المشترك متقاعس. الأمر الآخر, لم يكن للمؤتمر في أي وقت سلطة تنظيمية أو سياسية أو حتى أخلاقية على رئيسه, وصالح, لم يأبه يوماً لحزبه ولا لقراراته, فقد ظل الحزب طوال تأريخه مطيّة له لتمرير رغباته, بدليل أنهم أعلنوا قبل فترة وجيزة من سفره أنهم اتخذوا قراراً ببقائه في الداخل نظراً لحساسية الوضع ولما تقتضيه مصلحة المؤتمر في الوقت الراهن, ولكي يقود الحملة الانتخابية لهادي! ثم ما لبث أن غادر البلاد ملقياً قرارات الحزب وراء ظهره, فيما صمت المؤتمر ولم ينبس ببنت شفه, فمصلحة الحزب تقتضي سفر الرئيس ما دامت هذه رغبته! ويعلم قادة المؤتمر قبل غيرهم أن خروج صالح من البلد تم تحت وطاة ضغوط خارجية, لتهيئة الأجواء في الإسراع بنقل السلطة, وهو ما صرح به صالح نفسه قبل سفره, ما يعني أنه كان بمثابة عقبة حقيقية أمام الانتخابات, وبالتالي فرعاة المبادرة لن يسمحوا له بالعودة قبل إتمام عملية نقل السلطة عبر الانتخابات, وتهديد المؤتمر باستحضاره قبل الانتخابات نكتة سمجة تبعث على الرثاء, فمتى كان لهؤلاء سلطة على "صالح" حتى يكون لهم سلطة على المجتمع الدولي!؟ والأهم من كل ذلك, حتى لو افترضنا أن "علي صالح" عاد بالفعل قبيل الانتخابات الرئاسية, ما الذي ستغير عودته؟ هل ستتوقف الثورة الشعبية, ويعود الثوار إلى منازلهم؟هل سيخرج الشعب اليمني لاستقباله معلناً ولائه له وبراءته من الثورة؟ ألم تتفجر الثورة بوجوده؟ ألم يكن صالح يفخر دوماً بأن جيل الوحدة وعى على الحياة ولم يعرف سواه؟ وقد كان محقاً في ما قاله, إلاّ أن المفاجأة كانت في أن هذا الجيل نفسه- جيل الوحدة- هو من انتفض عليه وأسقطه! وحين زعم بأن الغالبية الصامتة تؤيده, خرجت تلك الفئة عن صمتها وفجرت ثورتها ضد نظام حكمه من داخل مؤسسات الدولة فيما بات يعرف اليوم بثورة المؤسسات. وبالتالي ما الذي يخيف اليمنيين من صالح؟ ولماذا يحاول المؤتمر إخافتنا بعودته أو كما قال استحضاره من رحلته العلاجية؟ لو كان الرجل واثقاً بنفسه وبمن حوله لما خرج أصلاً, ولواجه مصيره بشجاعة كما الرئيس مبارك, ولما أبدا حرصه الشديد على الحصانة, ولما اصطحب معه أفراد أسرته! إنه خروج لا عودة بعده وإن ظل المؤتمر يواسي نفسه بترويج مثل تلك الترهات عن استحضاره قبيل الانتخابات لإنجاحها, ولكن بإحباط صعود عبد ربه كرئيس جديد لليمن, ليبقى وحزبه أزمات مستعصية على اليمنيين, لكن المؤكد أن هذا زمان غير زمان صالح وحزبه, ويعلم المؤتمر ذلك لكنه يحاول فدعوه يحاول..