ثمانية أعوامٍ من التغييبِ والإخفاءِ والاختطاف القسري للسياسي الأستاذ محمد قحطان، ثمانية أعوامٍ ولا زال الكهنوت الحوثي يُبقِي على قحطان في مُعتقله ويرفض المساومة والتفاوض بشأن إطلاق سراحه أو حتى الكشف عن مصيره ووضعه داخل المُعتقل، والمليشيات إذ ترفض ذلك فإنها تُفْصِح للجميع عن مستوى دناءتها ومدى بُعدِها عن الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية. الجميع يعرف سيرة الأستاذ محمد قحطان حقَّ المعرفة، خصومه قبل رفاقه، لا يستطيع أحد أن يُدِين الرجل بارتكابه جريمة يستحق عليها السجن، حتى الكهنوت نفسه الذي يسجنه منذ ثماني سنوات، عاجز إلى الآن عن إلصاق أي تُهمةٍ في حقِّ قحطان وتصديقها الشعب، لتطل علينا اليوم الذكرى الثامنة لاعتقال قحطان دون تُهمةٍ واضحةٍ أو حتى محاكمة قانونية، فلماذا قحطان وعلامَ السجن إذن؟ أنت إصلاحي، تكفي هذه العبارة عند المليشيات الحوثية ليتم بسببها استهدافك واعتقالك وتعذيبك لأعوامٍ طوال، إصلاحي فقط، الأمر في أساسه ليس أكثر من هذه الحقيقة البدهية، جريمتك أنك إصلاحي، ولا أكبر في قانون الكهنوت الحوثي من هكذا جريمة إلا أن تكون قياديًا في حزب الإصلاح، فالجرم جسيم وخطير، وهو الحال مع قحطان. تشد المليشيات الحوثية اليوم قبضتها على قحطان كلّما تذَكَّرَتْ أنه قيادي في حزب الإصلاح، الحزب القريب من الدولة المدنية، وكان يومًا في الصف الأول للثورة الشبابية، والأكبر من هذا أنه هو الحزب الذي وقف مع السلطة الشرعية للبلد منذ الوهلة الأولى للانقلاب الحوثي عليها في العام 2014، وقف الجميع حينذاك ما بين حالة صمتٍ أو مباركةٍ وترحيبٍ واستقبالٍ بالأحضان لفلول المليشيات الحوثية وهي تقتحم العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، وحده الإصلاح -قاعدة وقيادة- عضَّ على الوطن بنواجذه ورفض البيع وقال (لا)، وهي كلمة عظيمة في موقف وطني عظيم، كلمة دفع الإصلاح ثمنها باهظًا ولا زال إلى الآن، قائمة طويلة لأسماء لامعة من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين والمهجرين وغيرهم. تُبقي المليشيات الحوثية على قحطان في قبضتها وهي ترى في عينيه حزب الإصلاح الذي يضجُّ مضجعها ويحاربها في كل سهلٍ وصحراءٍ وجبلٍ ووادٍ على طول الامتداد الوطني. يرسم قحطان في معتقله اليوم واحدةً من أنصعِ لوحات مقاومة حزب الإصلاح للمليشيات الحوثية منذ بداية انقلابها على السلطةِ الشرعيةِ وحتى اللحظةِ، ولطالما مثَّل قحطان على طول خط مسيرته السياسية نموذجًا حقيقيًا وواضحًا للإصلاح، نموذج الدولة المدنية القائمة على مبدأ الديمقراطية والحرية والمساواة والتعددية السياسية، الأمر الذي خلق للرجل خصومًا كثر في الساحة السياسية منذ وقتٍ مبكِّر لبروز اسم قحطان، ومن المؤسف أن الخصومات السياسية في بلدنا غالبًا ما تكون بعيدة عن شرف العمل السياسي وأدبياته، بحيث يتحول التدافع والخصام السياسي في لحظة هزيمة إلى استهداف مباشر لشخص الخصم والإضرار به وقمعه من خلال استغلال قوة السلطة. يعرف الكهنوت الثقل السياسي الذي يمثله محمد قحطان، ويدرك جيدًا أن اعتقاله لقحطان هو اعتقال للعملية السياسية برمتها في اليمن، لذا نرى الكهنوت يبدو متحفظًا على الرجل كما لو أنه متحفظ على سلاح نووي يهدد وجوده وسلطته القائمة على خرافة الولاية والاصطفاء الإلهي، والأمر كذلك بالفعل، فالأفكار والرؤى الوطنية التي كان يقدمها الأستاذ محمد قحطان ممثلًا بها حزب الإصلاح كانت أفكارًا تقضي تمامًا على خرافات الكهنوت ودجله. إن كان هنالك من مفخرة حقيقية للإصلاح اليوم فهي أن قاداته كانوا هم أول ضحايا هذا الانقلاب وهم الآن أول المقاومين له، مفخرة الإصلاح هي الضريبة الكبيرة التي دفعها الحزب ولا يزال يدفعها بسبب موقفه الوطني الكبير. اليوم، وفي الذكرى الثامنة لاعتقال قحطان وتغييبه القسري، على اسم قحطان أن يكون ضرورة أولويةً في أي خطابٍ أو مفاوضاتٍ مع المليشيات الحوثية، وعلى جميع المكونات والأطراف في السلطة الشرعية أن يعرفوا أن خذلان الرجل في جولات المفاوضات السابقة واللاحقة هو خذلان لقضية وطنٍ ومقاومةٍ ونقطة سوداء في جبين الوسط السياسي بأكمله. محمد قحطان.. بعد ثمانية أعوامٍ من اختطافك، فشلت المليشيات الحوثية في تغييبك عن أذهان الشعب، الكل يتذكر مناقبك وأفكارك ومواقفك الوطنية ولَكَأنَّك لم تغِب يومًا، لا زلت ملهم الجميع في غيابك، تمامًا كما كنت عليه في حضورك. الحرية لك يا ثائرنا الكبير، كل عامٍ وأنت أيقونة الحرية والثورة والمقاومة والنضال وأحلام الدولة المدنية.