الطريق إلى مؤتمر الحوار الوطني المرتقب,ينبغي تعبيدها أولا وردم الفجوات وتسوية "المطبات",إذا ما جاز لنا التعبير قبل السير إليه,وهي متطلبات يراها كثيرون ضرورية لكي تؤتي مخرجات الحوار القادم أكلها وفوائدها. وتتجه الأنظار إلى ما سيخرج إليه المتحاورون والمتشاورون على مائدة الحوار,لاسيما وأن الآمال المعقودة على نتائج اللقاءات لوضع حد لمشاكل البلاد الرئيسية والمختلفة على حد سواء. ورغم انه لم يحدد موعدا لالتقاء فرقاء السياسة,وجمع كلمتهم على طاولة واحدة,إلا أن موعد عقد مؤتمر الحوار بات قريبا على الأرجح وربما يكون في غضون أيام قلائل. قائمة طويلة من القضايا تتصدر أجندة المؤتمر,في طليعتها القضية الجنوبية وقضية صعدة,والدستور الجديد للبلاد بما في ذلك نوع النظام القادم وشكله وما إذا كان برلمانيا أو رئاسيا أو مختلطا,ناهيك عن القضايا الاقتصادية والأمنية وملفات أخرى لا تقل سخونة. وقبل الوصول إلى الموعد المنتظر,يتعين على القادمون إلى مضمار الحوار تهيئة الأجواء والظروف المناسبة التي توفر فرصة سانحة لضمان الخروج بمقررات ناجحة وملبية لتطلعات الشارع. ولعل عدم البدء بهيكلة الجيش والأمن وتحريره من عائلة الرئيس المخلوع رغم انتخاب رئيس جديد للبلاد,يظل التحدي الأبرز الذي يقوض ليس فشل الحوار كما يعتقد البعض,وإنما حتى ينسف المرحلة الانتقالية برمتها كما حدث بعد الوحدة. ويستند أهل هذا الرأي وهم كثيرون على مبررات منطقية وحجج مقنعة,تتساءل في مضمونها عن جدوى الذهاب إلى مؤتمر الحوار في حين الجيش النظامي منقسما ويخضع لقيادات اغلبها من أقارب الرئيس المخلوع. بالإضافة إلى ذلك,سنجد مثلا أن الحرس الجمهوري والأمن المركزي وهما تشكيلتان أمنيتان قويتان ما تزال خيوط إداراتهما بيد نجل المخلوع احمد بينما يقود يحيى ابن شقيقه الأمن المركزي,بخلاف الأمن القومي الذي يديره نجل شقيق المخلوع عمار. وإزاء وضع كهذا الجيش ما يزال خارج سيطرة الرئيس والحكومة,فكيف يتساءل أصحاب هذا الرأي عن فرص نجاح تطبيق مقررات الحوار الوليدة. كانت أحزاب اللقاء المشترك,تقدمت في لقاء جمع قياداتها مع الرئيس عبدربه منصور هادي بجملة أفكار ومقترحات تساعد على تنفيذ الآلية التنفيذية وضمان العملية السياسية بكاملها. وسلم عبدالوهاب الانسي الرئيس الدوري للمشترك في ذات اللقاء مع الدكتور ياسين سعيد نعمان رئيس الجمهورية سلة مقترحات بينها إبعاد الرئيس المخلوع عن قيادة المؤتمر باعتبار بقائه يعتبر انقلابا على قانون الحصانة ونكوصا على الآلية التنفيذية وتهديدا للأمن والاستقرار في البلاد,فضلا عن إزالة " أسباب التوتر",الأمني والعمل على إنهاء حالة الانقسام في صفوف الجيش وإقالة بعض القيادات العسكرية والأمنية وتوحيد الجيش تحت قيادتي الدفاع والداخلية,وتحقيق الأمن والاستقرار في المحافظات وخاصة المحافظات الملتهبة امنيا واختلالا للأوضاع,وهذه الثلاث القضايا هي التي شدد عليها الناطق الرسمي للمشترك مع عدم إغفال المقترحات الأخرى قبل الدخول في الحوار الوطني. وأكد الدكتور عبده غالب العديني في تصريح ل" الصحوة نت",تسليم المشترك لهذه الأفكار لرئيس الجمهورية بحضور نائب رئيس حزب المؤتمر الدكتور عبدالكريم الإرياني ورئيس الحكومة محمد سالم باسندوة,مشيرا إلى أن الرئيس أبدى تفهما لما طرح عليه. وقال العديني انه لا يمكن تحديد موعد للحوار الوطني قبل بدء المشاورات بين أطراف المنظومة السياسية وعلى رأسها الرئيس ورئيس الحكومة المعنيين بالبدء بإطلاق إشارة التشاور,بالإضافة إلى تحديد القضايا التي ستكون على جدول أعمال المؤتمر. وأوضح العديني أن المشترك يرى أن هذه الأفكار أو النقاط الأساسية سوف تساعد الرئيس ورئيس الحكومة لإنجاح عملية التغيير وتنفيذ المبادرة الخليجية بحسب آليتها التنفيذية,ناهيك عن أنها تساعد في تهيئة المناخ وتوفير الأجواء المناسبة التي يتطلبها الحوار الوطني القادم. وتشمل المقترحات "إخراج القوات المسلحة من العاصمة وإعفاء بعض القيادات العسكرية والأمنية بهدف توحيد القوات المسلحة، ودمج القوات المسلحة تحت قيادة وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية تحت قيادة وزارة الداخلية، وتشكيل حرس رئاسي بإشراف الرئيس هادي، على أن يكون منتسبوه من كافة المحافظات". كما تشمل أيضا وفقا لما نقلت " البيان" عن قيادي رفيع في المشترك" تعيين قيادات موثوق بها وجادة على رأس قوات مكافحة الإرهاب، والبدء بتطبيق قانون تدوير المناصب للقيادات الإدارية على صعيد الأجهزة المدنية والاقتصادية، واستكمال بناء قيادات هذه الأجهزة بالتوافق، وإصلاح الوضع الإداري والأمني في المحافظات، وعلى وجه السرعة في بعض المحافظات الأساسية". ومن بين الأفكار المقدمة,تشكيل لجنة لإصلاح الوضع الدبلوماسي في ضوء الوفاق الوطني، بعد أن تبين استمرار مسؤولين وسفراء بالعمل تحت توجيهات الرئيس المخلوع، وأن يتولى الرئيس هادي مهمة التواصل المسبق مع كافة القوى السياسية تمهيداً لمؤتمر الحوار الوطني، وأن يعقب ذلك التشاور الواسع حول كيفية بدء الحوار الوطني,فضلا عن إعادة تشكيل مكتب رئاسة الجمهورية والأمانة العامة للرئاسة، بما يعكس روح التوافق الوطني، وأن تعزز اللجنة العسكرية بعناصر تمكنها من أداء مهامها على النحو المطلوب، والدفع باستكمال إصدار قانون العدالة الانتقالية. واقترحت جميلة علي رجاء, الوزيرة المفوضة في وزارة الخارجية,على رئيس الجمهورية تشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار, والبدء بعملية الهيكلة للجيش والأمن والحوار أيضاً بشكل متزامن. وتحدثت في تصريح ل" الجمهورية", عن أن اجتماعات برلين التشاورية التي جمعت مختلف الأطراف السياسية - وكانت أحد المشاركين فيها - كان لقاء استكشافياً لمناقشة إمكانية إجراء الحوار السياسي الذي أكدته المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة. وأكدت أن أبرز القضايا التي سيناقشها الحوار الوطني الشامل هي القضية الجنوبية التي تعتبر من أبرز القضايا الشائكة. وأشارت جميلة رجاء إلى أن لقاء برلين اقترح بعض الأطر المرجعية للحوار وقسّمها إلى أطر دولية وإقليمية ومحلية, وأكد أهمية تهيئة الأجواء للحوار ومنها الأوضاع الأمنية المنفلتة ومعالجة بؤر المواجهات المسلحة؛ وهي مهام اللجنة العسكرية التي تعثرت في بعضها بالمرحلة الأولى فرحّلتها إلى المرحلة الثانية. وحدد الدكتور عبدالقوي الشميري,أمين عام نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين,خمس نقاط أساسية قبل الدخول في الحوار الوطني القادم,تتصدرها اتخاذ الرئيس هادي لقرارات حاسمه تسرع دمج الجيش وتوحيده قبل عملية هيكلته وإقالة المتسببين في انقسامه,وإنصاف شهداء وجرحى الثورة السلمية. واعتبر الشميري في تصريح ل" الصحوة نت",القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس عشية الذكرى الأولى لمجزرة جمعة الكرامة في ال18 مارس الجاري والذي نص على اعتبار جميع الضحايا شهداء الواجب واعتماد راتب جندي لكل شهيد,وهو ما اعتبره الشميري غير كافيا ولا يعدوا عن كونه بداية اعتراف لكنه ليس إنصافا كما يراه. ورأى الشميري أن الخطوة الثالثة التي يتعين على الرئيس اتخاذ قرارا بشأنها,عودة أسعار المشتقات النفطية إلى ما كانت عليه قبل أن يرفعها الرئيس المخلوع ضمن حزمة العقوبات الجماعية التي فرضها على الشعب,وهو ما يتطلب عدم استمرار هذا العقاب ومن أجل أن يلمس الناس تغييرا في حياتهم. وأشار إلى ضرورة إعادة المفصولين من وظائفهم في الجنوب وحجز الأراضي التي جرى نهبها تطمينا للمواطنين هناك بان عهدا الإنصاف قد حان. وخلص الشميري إلى التنبيه إلى نازحي حرب صعده وضرورة توطينهم وإعادتهم إلى مناطقهم بالتشاور مع دولة قطر الشقيقة التي يمكن أن تساعد في عملية إعادة الإعمار لما خلفته الحرب. ويرى شباب الثورة من جانبهم,أن الرئيس مطالب باتخاذ قرار بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بسبب مشاركتهم في الثورة السلمية أو الحراك الجنوبي ويشمل ذلك جميع المعتقلين بسبب آراءهم ومواقفهم السياسية. ويقترح الشباب قبل الوصول إلى مؤتمر الحوار الوطني,إقالة أقارب الرئيس المخلوع من قيادات المؤسسات العسكرية والأمنية,فضلا عن دمج وإعادة هيكلة وانتشار القوات المسلحة والأجهزة الأمنية على أسس وطنية بما يضمن حياديتها عن العملية السياسية وعدم تأثيرها على مؤتمر الحوار الوطني. وخلص اجتماع للجنة التحضيرية المصغرة للحوار الوطني,عقد في أواخر فبراير الماضي بصنعاء,بحضور المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر,إلى ضرورة الإسراع بإعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية وتشكيل لجنة تفسير نصوص المبادرة بحسب الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية. وأكد المشاركون على أهمية أن يشمل الحوار الوطني كافة القوى والفعاليات السياسية والشبابية والحراك السلمي وأطراف النزاع في صعده. وفي مقال له,اعتبر الكاتب مصطفى راجح,الذهاب إلى مؤتمر حوار وطني دون هيكلة الجيش والأمن وتنفيذ بنود الحوار السابق الواردة في المبادرة وآليتها الوصفة الأسرع لإفشال الحوار قبل أن يبدأ. وقال الكاتب إن الاستعجال في القفز إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل دون إزاحة الإرادة العائلية من فوق كاهل الجيش أولاً وتنفيذ استحقاقات نقل السلطة اللاحقة لن يكون مجدياً وسوف يخلق مناخاً غير مشجع بل ومحبط للحوار ويجعل منه محطة لتثبيت الانفلات والغموض القائم والقابل لكل الاحتمالات. وأضاف: " فليس من المعقول الذهاب لحوار وطني تحت رحمة البقايا المختطفة للجيش والأمن المؤسسة السيادية التي تعتبر أحد أهم مرتكزات بقاء الدولة وقدرتها على إدارة البلد والحفاظ على أمنه واستقراره وكيانه الموحد,وليس من المقبول لدى أطراف عديدة الذهاب إلى حوار وطني طالما بقيت التسوية السياسية والمبادرة الخليجية وآليتها والرئيس الجديد وحكومة الوفاق الوطني ومؤتمر الحوار الوطني والبلد عموماً تحت رحمة العائلة المسيطرة على المؤسسة العسكرية والأمنية". وذكر الكاتب الرئيس هادي جلوسه بأنه جاء إلى كرسي الرئاسة نتيجة لمشاركة شعبية كاسحة هي العنوان الأمثل للإجماع الوطني ، ومسنوداً بتوافق وإجماع القوى السياسية والخارج الإقليمي والدولي,منوها إلى انه إذا كانت مثل هكذا معطيات غير كافية بالنسبة له لاتخاذ زمام المبادرة وإصدار القرارات المناسبة للتعجيل بهيكلة الجيش وإدارة البلد بشكل كامل غير قابل للانتقاص من سلطته السيادية ، فكيف للشعب وجميع أطراف الحوار أن تثق بمؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته القادمة أن تذهب إلى التنفيذ الفعلي إذا عقد مؤتمر الحوار في ظل استمرار اختطاف أجزاء رئيسية من المؤسسة العسكرية والأمنية بيد الرئيس المخلوع وعائلته كما تساءل الكاتب.