قدم المحامي المعروف محمد ناجي علاو رؤية شخصية تتناول ما يراها محددات دستورية لبناء الدولة اليمنية الحديثة تنطلق من خليفته القانونية واختصاصه في المجال الدستوري الذي أمضى فيه طويلا. وتشمل الرؤية التي نشرها في صحيفة " الأهالي"، في عددها الثلاثاء, جوانب مختلفة تتعلق بالجوانب التشريعية وأخرى تحتاج إلى إقرارها قانونيا من قبل مجلس النواب الجهة التشريعية في البلاد.
وتتناول الرؤية طبيعة نظام الحكم القادم في اليمن وشكله, موردة نوعين من نظم الحكم المتعارف عليها عالميا وهي النظام الفيدرالي والنظام البرلماني مع بيان مزايا وسلبيات كل نظام من وجهة نظر الكاتب.
كما تتناول قضايا الحريات العامة واستقلال القضاء والإعلام وتدوير المناصب الوظيفية وغيرها.
ويعتقد علاو وهو المنسق العام للهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات(هود) أن تقرير نظام الحكم الفيدرالي (اللامركزية الديمقراطية), يأتي بعد إقرار هذا المبدأ في مؤتمر وطني جامع لا يستثني أحدا من القوى السياسية والاجتماعية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.
ويشير إلى أن هناك شبه إجماع على اختيار النظام البرلماني كنظام سياسي لحكم اليمن الجديد والسائد في هذا النظام أن النظام التشريعي يقوم على أن الغرفة الأولى "البرلمان" يقوم فيه التمثيل على أساس التمثيل السكاني من خلال دوائر انتخابية متساوية من حيث عدد الناخبين وللبرلمان كل صلاحيات التشريع والرقابة وإقرار الميزانية وسحب الثقة.
غير أن الكاتب يستدرك بالقول :" بينما تختلف الحالة اليمنية من حيث الشكوى من قبل سكان المحافظات الجنوبية والشرقية الذين يعيشون في مساحة جغرافية كبيرة قليلة السكان بالمقارنة مع المحافظات الغربية والشمالية كثيفة السكان، وقيام دولة الوحدة بإرادة الشطرين والشكوى من اختلال التمثيل في البرلمان على أساس التقسيم السكاني ولهم كل الحق في هذه الشكوى".
وفي باب الحقوق الأساسية والحريات العامة, ينتقد علاو بشدة ما جرت الصياغات لنصوص الدساتير العربية في الباب الأول منها والتي تقرر فيها الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين والتي تنتهي فيها نص المادة بعبارة "وفقا للقانون", مشيرا إلى انه نتيجة لهذا القيد للنص الدستوري أن القوانين تقيد هذه الحقوق وتعطلها ويتحول النص القانوني إلى نص يعلو على النص الدستوري باعتبار أن تفسير إعمال هذا الحق الدستوري موكل إلى السلطة التشريعية التي لها الحرية المطلقة في صياغته على هوى الحزب أو السلطة الحاكمة، مستشهدا بما تقرره (المادة (42) من دستور الجمهورية اليمنية : لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حدود القانون.).
واقترح علاو رفعا للقيود عن الحقوق الأساسية والحريات العامة, أن لا تذيل نصوص المواد في الباب الأول المقرر للحقوق الأساسية للمواطنين بلفظ وفقا للقانون, وأن يرد نص واحد في آخر هذا الباب يقرر أن القوانين المنظمة لممارسة الحقوق الأساسية والحريات العامة يجب أن لا تصدر معطلة لحق أو منتقصة منه وإنما تصدر القوانين لكفالة وممارسة هذه الحقوق وحسن تنظيمها, فضلا عن أن تقرر هذه المادة أن أي قانون يصدر معطلا أو مقيدا أو منتقصا لهذه الحقوق يعتبر القضاء في حل من تطبيقه والحكم بعدم ملائمة القانون للنص الدستوري بحيث لا يحتاج الأمر لأن يطعن المتقاضي أو المحتج به عليه بعدم الدستورية بل يكتفي بالدفع بعدم الملائمة فإذا رأت المحكمة وانتهت إلى أن النص القانوني غير متوافق مع النص الدستوري قررت أنها غير ملزمة بتطبيق النص القانوني غير الموائم للنص الدستوري، وللطرف المتمسك بدستورية النص القانوني الحق بالطعن إلى المحكمة الأعلى درجة.
وتطرق علاو في ورقته التي دعا فيها أهل الاختصاص والمعنيون أن يتناولوها بالنقد أو الإضافة أو التطوير, إلى حق الناس في التغيير السلمي للسلطة, قائلا ثورات الربيع العربي كشفت عن مدى الخلل القائم في فهم حق الناس في التغيير وذلك بما مارسته السلطات من قمع وقتل وتدمير وإبادة وجرائم ضد الإنسانية للشعوب المطالبة بالتغيير.
وأرجع هذا الخلل إلى أن الدساتير القائمة حصنت هذه السلطة في مواجهة المطالبين بالتغيير السلمي بترسانة من نصوص دستورية وقوانين مقيدة للحريات ومكبلة لحرية التعبير وحق الاختلاف السلمي والخروج للتعبير عن الرأي والموقف السياسي، فكانت هذه النصوص ذريعة للحكام المتسلطين على شعوبهم الذين أغراهم هذا التسلط بتحويل الجمهوريات المفترض أنها قامت على أنقاض الحكم الوراثي إلى جمهوريات وراثية "سوريا نموذجا" والباقي كانت تسير في ذات الاتجاه.
واقترح في هذا السياق, أن تكون ضمن المبادئ الأساسية لأي دستور يمني أو عربي نصوص صريحة وواضحة تؤكد على حق الناس في التغيير السلمي للسلطة بوسائل التغيير السلمية كالمظاهرات والمسيرات والإضراب والاعتصام والعصيان المدني وكل وسائل التعبير المكتوبة والمقروءة والمرئية ووسائل النشر من كتاب وقصة ورواية وخطابة ومنشور أو غيرها, كحق أصيل للشعوب يحضر على أي سلطة تنفيذية كانت أو تشريعية أو قضائية تعطيل هذا الحق أو الانتفاص منه وأن ينص على عدم شرعية أي إجراء في هذا الصدد بالنص على أن أي جهة تقدم على الانتقاص منه أو تعطيله كليا أو جزئيا يعزل فاعله من منصبه بحكم الدستور ويحرم من العمل السياسي لفترة ينظمها قانون العقوبات ويعتبر هذا العمل جريمة جسيمه لا تسقط بالتقادم.
وشدد علاو في المقابل على حظر الاستيلاء على السلطة بالقوة المسلحة سواء بانقلاب عسكري أو بأعمال عنف مسلح وكل من يستولي على السلطة بهذه الوسيلة فلا شرعية له ويحق للناس مقاومته وعدم الانصياع لسلطته ويعتبر عمله جريمة جسيمة في حكم الخيانة الوطنية لا تسقط بالتقادم. ودعا علاو إلى إعمال مبدأ " السلطة تقابلها المسؤلية", وذلك بعدما تعطلت الرقابة على شاغلي الوظائف العامة بحكم تمتعهم بالحصانات (ويقصد بالوظيفة العامة هنا حسب تعريف قانون العقوبات اليمني رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة والسلطة التشريعية والقضائية وكل من يشمله الكادر العام للدولة).
بالإضافة إلى ذلك, اقترح كذلك اعتماد مبادئ "الحكم الرشيد" و"قواعد الشفافية والمساءلة"، على شاغلي الوظيفة العامة, عن طريق إلغاء نصوص الحصانات في الدستور والقوانين ويشمل ذلك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والنواب والقضاة, وأن تقتصر الحصانة على أعضاء المجالس النيابية في إطار الحديث والمعلومات والبيانات التي يدلون بها تحت قبة البرلمان.
واعتبر بقاء هذه الحصانات في الواقع العملي والقانوني إلغاء لمبدأ المساءلة والرقابة على أعمال السلطات النيابية والتنفيذية والقضائية والوظيفة العامة لما تضعه هذه الحصانات من قيود تعطلها وتعيق إجراءات التحقيق.
وفيما يتعلق باستقلال القضاء, أوضح أن المقصود بأن لا يكون تابعا ولا متأثرا بالسلطتين التنفيذية أو التشريعية ومؤدى هذا أن لا تملك السلطة التنفيذية حق التعيين أو العزل لقيادات وأعضاء السلطة القضائية.
وتقترح رؤية علاو على أن ينص الدستور على: يُنتخَب مجلس القضاء الأعلى رئاسةً وأعضاء من قبل القضاة. إلغاء سلطة وزارة العدل على القضاء تفتيشا وندبا وإدارة مالية. يرشح مجلس القضاء أحد أقدم أعضاء النيابة لمنصب النائب العام ويعرض الترشيح على البرلمان للتزكية بعد عقد جلسات استماع لسماع سيرته المهنية والتأكد من عدم وجود شائبة تؤثر على اختياره في هذا الموقع الهام، ويتاح المجال للجمهور والإعلام ووسائل الاتصال في جلسة الاستماع وتطبيق ذلك أيضا على رئيس المحكمة العليا ونائبه والمحامي العام على أن تكون ولاية كل واحد منهم لفترة واحدة فقط تحدد بكذا سنة. ذلك أن القضاء هو حصن حماية الحقوق والحريات والحكم بين السلطات وبعضها البعض وبينها وبين الناس ولذلك يجب أن يتحصن باستقلالية حقيقية تنظمها النصوص الدستورية بشكل تفصيلي على النحو الذي أوردنا.
وفي ذات السياق, اقترح علاو الفصل بين الخزينة العامة والوظيفة العامة والحزب أو الائتلاف الحاكم, كما اقترح علاو أن يقدم الموظف العام عند تعيينه في وظيفة ما أو ترشيحه لها إقرارا بذمته المالية ولأقاربه حتى الدرجة الرابعة على أن تعلن هذه البيانات في مواقع مفتوحة ونشرات يطلع عليها العامة وتجدد سنويا بإضافة ما يطرأ عيها من تغيير وظهور أي قرابات جديدة ويكون من حق أي مواطن الإبلاغ عن أي شبهة تضخم لثروة الموظف العام خلافا لما هو معلن ومنشور.
وفيما يتعلق بالجيش والأمن, دعت الرؤية إلى أن يكون قوام الجيش والأمن في 50% منه بالتساوي بين الأقاليم ضباطا وأفرادا والباقي عن طريق المسابقة الوظيفية, وأن تحدد فترة قيادة الألوية العسكرية وفقا للأقدمية وتحدد بفترة واحدة, فضلا عن أن يحظر عليها التدخل ولو بطلب من قياداتها لقمع الحريات وانتهاك الحقوق ولها حق رفض تنفيذ تلك الأوامر وعدم طاعتها, وتنحصر مهام الجيش في الدفاع عن الوطن أو مواجهة العنف المسلح الداخلي بطلب من المؤسسات الشرعية، بمعنى أنه يحضر عليه بأي حال من الأحوال التدخل في حق الناس في التغيير السلمي للسلطة السياسية، وينطبق مبدأ عدم التدخل القمعي على الأجهزة الأمنية أيضا, وكذا أن يحظر على الأقارب حتى الدرجة الرابعة لشاغلي الوظائف العليا في السلطة كرئيس الجمهورية أو أعضاء مجلس رئاسة الدولة أو رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب تولي قيادة الألوية العسكرية والأمنية حتى ولو كانوا مستحقين قانونا لشغل هذا المنصب وهذا الحظر خلال فترة ولايتهم.
وأوصت الرؤية بإنشاء مفوضيات المجتمع المدني, لضمان تعزيز الحقوق والحريات وحمايتها من تغول السلطة التنفيذية يجب أن تتضمن أحكام الدستور إنشاء عدد من المفوضيات التي تكون ضامنة وكافله حماية الحقوق الأساسية للمواطنين والمقيمين ومن أهم ما دعت إلية إنشاء" مفوضية أو مجلس حقوق الإنسان, ومفوضية أو مجلس حقوق المرأة والطفل, ومفوضية أو مجلس حماية الموظف العام, وكذا المراجع العام أو جهاز المحاسبة, واللجنة العليا للانتخابات, ومفوضية الأوقاف وحماية حقوق الأيتام والقصر وذوي الاحتياجات الخاصة, ومفوضية الحق في الحصول على المعلومات وحرية النشر والتعبير, ومفوضية الشفافية والنزاهة والذمة المالية, ومفوضية القطاع الخاص والنقابات والمنظمات العمالية".
وتكمن أهمية هذه الآليات في أنها تكون هيئات ضامنة لهذه الحقوق كسلطة شعبية موازية وتكون مستقلة وينتخب أعضاء مجلس إدارتها من قبل البرلمان على أن لا يزيد هيئة المفوضين المتفرغة لإدارة أي منها عن ثلاثة أشخاص وبقية أعضاء مجلس المفوضية منتخبين غير متفرغين ولا يزيد عددهم عن أربعة أشخاص على أن لا تزيد مدة عمل الأعضاء المتفرغين عن ست سنوات يتم التجديد النصفي لهم بالاستمرار أو انتخاب غيرهم في منتصف المدة ولمرة واحدة فقط وتقدم هذه المفوضيات تقاريرها النصف سنوية والسنوية إلى المجلسين النيابيين وعلى أن تكون من صلاحياتها التحقيق والمساءلة وعقد جلسات الاستماع وتقديم المساعدة القانونية للضحايا.
وطالبت الرؤية في مقترح يعد الأول من نوعه بإنشاء مفوضية حماية الموظف العام, تكون مهمتها حماية هؤلاء الموظفين من تغول الإدارة بحيث يلجأ إليها لتقوم ببحث الحالة وحماية الموظف من تغول رئاسته بل ومسائلة ومقاضاة المسئول الأعلى في حال مخالفته للقانون وإجبار مرؤوسيه على ذلك.
وعزت الرؤية ذلك على أن الجهاز الإداري للدولة في سلطاتها المختلفة عار عن أي حماية ضد تغول القيادات الإدارية العليا على أداء هؤلاء الموظفين مما يجعلهم يخالفون القانون القائمين على إنفاذه و تتعطل حقوق الناس وتخضع لأمزجة القيادات الإدارية في المرفق أو المصلحة أو الوزارة أو جهاز الشرطة أو القضاء.. إلخ.
وفي موضوع متصل, اقترحت الرؤية فيما يتعلق بالإعلام ووسائل النشر بأن يحظر على الحكومة والأحزاب امتلاك أو إدارة وسائل النشر والإعلام، وأن تكون الملكية لأشخاص مثلها مثل الشركات التجارية تسجل لدى وزارة التجارة على أن تلغى عقوبة الحبس الخاصة بالصحفيين وتقتصر العقوبات بما ينص عليه قانون عقوبات عام يتفق ومبادئ الدستور المأمول يعامل الصحفي كغيره ولا يخصص بعقوبة خاصة.
كما شددت على ضرورة أن يتضمن الدستور نصوصا صريحة على الحق في الوصول إلى المعلومات ونشرها وحق النقد لأعمال الموظف العام ولا يقيد هذا الحق إلا بما يعتبر سبا صريحا أو طعنا في الأعراض أو اعتداء على الحياة الخاصة، ولا تحصن أعمال الإدارة عن النقد بأي حال في مختلف هياكل الدولة, كما اقترحت إلغاء وزارة الإعلام.