لم تُخْفِ إيران غرورها، و تبجحها المجاهر حين تم الغدر بالعاصمة صنعاء في 21من شهر أيلول الأسود من العام 2014 فراح أشقاها يعلن بعنجهية : ها هي العاصمة العربية الرابعة تسقط في أيدينا. كان هذا التصريح المقتضب، و المتعجرف يعطي رسائل و معان كثيرة. فمن تلك الرسائل و المعاني ؛ أن إيران، لا تمثّل مسماها : الجمهورية الإسلامية، إذ أن من أبسط حقوق هذا الزعم ألا يصدر عنها مثل هذا التصريح، فالهوية الإسلامية يفترض أنها هوية جامعة لا تسمح بالتطاول من شقيق على شقيقه ؛ حتى مع علم الجميع بالأعمال العدائية التي مارستها ولاتزال تمارسها إيران على اليمن ؛ لكن الملالي تسكنهم أحقاد تاريخية قديمة من العرب؛ منذ أن أسقطوا إمبراطورية فارس، و لأن إيران كانت قد أخذت في التمدد على حساب العرب في بيروت، و بغداد، و دمشق حينها فقد أسكرها نشوة الغرور، فذهبت إلى ذلك التصريح الذي لم تراع فيه حتى مشاعر مليشياتها من أبناء تلك العواصم الذين اتخذتهم سُخْريا.
و الأبعد من ذلك؛ أنه كان تصريحا يحمل في طياته تهديدا لكل العواصم العربية، و أن هناك بقية تتبع ..!! فهذه الرابعة، بمعنى أنها تتربص بخامسة، و سادسة..الخ. كان هناك ما يجعل إيران تذهب ذلك المدى البعيد في الغرور ، فما كان يبدو على السطح هو أن ثمة تفاهم ما جرى بين طهران و واشنطن، منذ أن أتاحت الأخيرة الفرصة للملالي أن يتغلغل نفوذهم في العراق ؛ و لكي تبقى إيران تمثل دور الفزّاعة في المنطقة، حتى و إن استثمر دورها غيرها؛ فيكفيها من الإدارة الأمريكية الفُتاة، و الرضا لتصرفاتها التي يجب ألا تتجاوز المنطقة المحددة. و كان هذا أحد أسباب انتفاشة الغرور ،أما السبب الآخر ، فإن إيران حظيت بجيران؛ هم في الأصل محل استهدافها، و مع ذلك فقد ساعدوها على تحقيق بعض أغراضها بفرقتهم و اختلافهم ، و سياسة المناكفات البائسة. حين فاخر الملالي بسقوط العاصمة العربية الرابعة في أيديهم ، شعر المواطن العربي أن ذلك تحديا صارخا يوجب يقظة الأمة، و وضع حد لهذا المشروع الخبيث. ربما كان لسان حال بعض العواصم العربية : برأس أخي، و لا برأسي ! و هو بالمناسبة حال قصير الأمد ، فما وقع برأس أخيك، سيكون رأسك المستهدف التالي؛ لولا متغيرات الطوفان التي عصفت بكل المخططات المشبوهة، و كل أجندات العالم. لم تطل انتفاشة الأكاسرة في طهران؛ برغم صفقات مشبوهة لأحداث دموية بارزة ، يضع فيها المراقبون السياسيون إيران كأحد أهم الأطراف المشبوهة في جملة أحداث شهدتها المنطقة، توَخّت من ورائها إيران أن يترسخ حضورها، و يحظى مشروعها بمزيد من الفرص في المنطقة، إلا أن انتصار الثورة السورية زلزل المشروع الإيراني، و زعزع أركانه، مُنزِلا به هزيمة استراتيجية مدمرة، و بأسرع مما كان متوقعا. كان المشروع الإيراني ؛ يبسط نفوذه فيما عرف بالهلال الشيعي ، و يضع قدميه على الشاطئ الشرقي للبحر للأبيض المتوسط، بل و يضع النفوذ الشيعي على بوابة تركيا ، و هو هدف تمليه الخلفية الصفوية ، و يعززه العداء التاريخي الضارب منذ أن تحالف الصفويون في إيران مع دول أوروبية لضرب الدولة العثمانية ، حيث كانت اوروبا تسعى لوقف التوسع العثماني في القارة الأوروبية، و كان الصفويون يبذلون جهودا كبيرة لإسقاط المشروع السني الذي كانت الدولة العثمانية على رأسه ؛ و لذلك تحالفوا في القرن السابع عشر الميلادي مع البرتغاليين الذين وضعوا أسطولهم البحري في خدمة الصفويين، و وثقوا علاقاتهم مع البابا، و إمبراطورية النمسا، و ملك البرتغال لمواجهة الدولة العثمانية ؛ و ذلك في وقت كانت الخلافة العثمانية تطرق أبواب فيينا عاصمة النمسا. مشكلة طهران أنها لا تريد أن تنطلق أو تعيش في إطار محيطها العربي، و الإسلامي، و إنما تضع نفسها في إطار الفلك الأوروبي ، مُجاهرة حقدها على العرب ؛ الذي لا تخفيه من مناهجها التعليمية، و كيف تصور العربي في مناهجها بأسوأ الصور، و تفاخر في مناهجها بأنها وقفت ضد العرب دفاعا عن هويتهافي مراحل عدة. و كما لم تكن إيران تحلم بأن يكون لها ذلك النفوذ الواسع، والسريع في سوريا، الذي قادها للإطلالة على البحر الأبيض المتوسط؛ كذلك لم تكن تتوقع أن تتحطم آمالها، و تخرج من سوريا بهزيمة استراتيجية ثقيلة بوقت أسرع. لم تخسر إيرانسوريا فحسْب؛ بل هزمت هزيمة استراتيجية كبيرة، هي أثقل عليها من الهزيمة التي ستأتيها من العراق.