لم يكن الثاني والعشرون من مايو 1990م رقماً عابراً في تقويم الذكريات، بل هو لحظة مفصلية في التاريخ اليمني الحديث، تجسدت فيها الإرادة الشعبية الحرة، وتلاقت عندها تطلعات الأحرار من شمال الوطن وجنوبه، وامتزجت فيها أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر في حلمٍ واحدٍ اسمه: اليمن الكبير. لقد مثّل هذا المنجز ذروة الوعي السياسي الوطني، ليس عند النخب فحسب، بل في وجدان المجتمع اليمني بأسره، لأنه لم يكن مجرد توقيع سياسي بين نظامين، بل تتويجاً لتاريخٍ طويل من النضال المشترك، ومنجزاً استراتيجياّ للأمن القومي اليمني، لا يقبل الفصل بين دحر الاستعمار من الجنوب، واجتثاث الإمامة الكهنوتية من الشمال.
وفي سياق بناء الدولة، مثّل مؤتمر الحوار الوطني الشامل محطة ثانية في مسار المشروع الوطني، حيث اجتمعت كل القوى والمكونات السياسية لتصوغ وثيقة وطنية جامعة، هي الأرقى في تاريخ العمل السياسي اليمني، وضعت الأسس العادلة لشراكة وطنية حقيقية، وعالجت بجرأة ومسؤولية كافة القضايا، وفي طليعتها القضية الجنوبية. لكن هذا المشروع الجامع لم يَرُق لقوى الاستبداد و الغلبة والاستئثار، فانقلبت عليه في 21 سبتمبر 2014م حين اجتاحت مليشيا الحوثي الكهنوتية الإرهابية العاصمة صنعاء، في محاولة إسقاط الدولة وإعادة اليمن إلى منطق السلالة والحق الإلهي. واليوم، ونحن نقف على أعتاب الذكرى الخامسة والثلاثين للوحدة، فإننا نواجه تهديدًا وجوديًا يتمثل في مشاريع تفتيت الجغرافيا الوطنية، وتمزيق القرار السيادي، وظهور قوى مسلحة تتنازع الأرض والنفوذ، خارجة عن منطق الدولة ومؤسساتها الدستورية. وهي محاولات لا تعني سوى نزع لبّ فكرة الوطن، وتفريغ الدولة من مضمونها، واستبدال النظام الجمهوري بدويلات الأمر الواقع.
إن الدولة اليمنية، بمفهومها الدستوري والسيادي، لا يمكن أن تنهض على كيانات متجاورة و متناحرة، بل على وحدة الأرض، ووحدة القرار، وشراكة السلطة، وعدالة التمثيل، في ظل نظام جمهوري مدني يتسع للجميع. وأي مساس بهذه الأسس هو مساس بجوهر الدولة نفسها، وخيانة لتضحيات أجيال كافحت من أجل يمن موحد حرّ كريم.
ولذلك، فإن اللحظة الراهنة تفرض على القوى الوطنية كافة، وعلى النخب السياسية والاجتماعية، وقفة شجاعة ومسؤولة لإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الجامع، لا بوصفه ماضياً مجيداً فقط، بل باعتباره طريق الخلاص، ومفتاح استعادة الدولة، ومقدمة لهزيمة الانقلاب الحوثي واستعادة صنعاء، عاصمة الجمهورية ومهد الدولة.
إن وحدة 22 مايو لم تكن خيار نخبة أو لحظة عاطفة، بل خيار شعبٍ قدّم من أجله أعظم التضحيات، وستظل رغم الجراح خط الدفاع الأخير عن كيان الدولة، وحصن الهوية اليمنية الجامعة، ومرجعية كل حل سياسي ممكن.
فليكن 22 مايو يوماً نعيد فيه إحياء الوعي الوطني، وتجديد الالتزام بالمشروع الجامع، واستئناف المسار السياسي على قاعدة وثيقة الحوار الوطني الشامل، التي لا تقصي أحداً ولا تستثني شريكاً.
ولتكن هذه الذكرى هي الحادي الذي يجمع الصف، ويوحّد الكلمة، ويستنهض الإرادة الوطنية لهزيمة الانقلاب، واستعادة الدولة، وبناء يمن اتحادي عادل، يتسع لكل أبنائه.