22 مايو1990 ليس حدثا عابرا، و لا تاريخا مغمورا ؛ لأنه يوم صنع فيه اليمنيون اللبنة الأهم لهدف و طموح الثورة اليمنية سبتمبر و أكتوبر. الأهداف الكبيرة لا تتبدل، و لا تتحول؛ لأن الأهداف العظيمة ثابت من الثوابت التي لا توضع على طاولة المساومات، و إنما تبقى أبدا على صهوة العزم، و حماس البناء، و جدّية العمل.
قد تتعثر الأهداف الكبيرة، و قد يشوبها القصور، و قد يطرأ عليها إساءة في التطبيق، و هذه أعراض، و أمراض تستوجب العمل لمعالجتها، وإصلاحها لتترسخ الأهداف، و تعطي أُكلها ، و تَمنح ثمارها.
الاستقلال و طرد المستعمر مثلا لأي شعب من الشعوب، يظل هدفا لا يغيب، و لا يقبل المساومة. و قد تعترض سبيل تحقيقه مشاق، و صعاب، و يتطلب تحقيقه تضحيات جسام، و قد يطول الطريق.. فهل انصرف شعب من الشعوب عن المُضِي نحو تحيق هدفه في الاستقلال و طرد المستعمر ؛ بحجة جسامة التضحية ، و عِظَم الكلفة الكبيرة؟ كلا.
لقد سقط أكثر من ثلاثين ألف شهيد في يوم واحد في الجزائر ، في تظاهرة واحدة في مقاومة الاستعمار الفرنسي، و لماذا نذهب بعيدا ؟ و الشعب الفلسطيني، يواجه الصهيونية منذ 77 عاما بلا كلل، و لا ملل حتى اللحظة التي تكتب فيها هذه السطور، و اللحظة التي تُقرأ فيه هذه الحروف . فهل تراجع الشعب الفلسطيني عن هدفه في نيل حقوقه و حريته، و استقلال وطنه بحجة الكلفة الكبيرة ، و طول الطريق ؟ أو بعذر المؤامرة الكونية؟ أو بحجة خذلان أشقائه العرب؟ أبدا لم يحدث ذلك ! بل زاد حماس الجهاد و الكفاح، و بذل التضحيات.
التعثر، و القصور ، و إساءة التطبيق ، هذه قضايا، و أمور جانبية لا يجوز، و لا يصح معها أبد أن نجعل منها أسبابا يذهب بأي أحد إلى التشنيع على الهدف ، أو السعي لتدميره ، و إنما الواجب المفروض، تصحيح الأخطاء، و معالجة أسباب التعثر، و تجاوز القصور.
فمثلا ؛ كان و لايزال هدف الشعب الفلسطيني نيل حريته و استقلال وطنه، و اسْتُدرِج بعض أطراف النضال الفلسطيني لمفاوضات؛ فإذا هم بعد نضال مرير، يفطرون على " بَصَلة "..!! فاتفاق أوسلو كان فخا استعماريا ماكرا تضافرت عليه أطراف كُثُر ، فهل يُقبل أن تنصرف ردة الفعل هنا إلى أن ينصرف الفلسطينيون لشتم الاستقلال الذي هو الهدف الأسمى؟ و لعن من سيتحدث عن الاستقلال، و سب من سيناضل من أجله ؟! كلا، و ألف كلا.
لكن انظر .. جاء رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، و أتى فتيةآمنوا بربهم ، فصححوا الوسائل، و المواقف، و تحديد الطريق، نحو الهدف الثابت و المعلن.
الأهداف الكبيرة، و العظيمة، لا خلاف حولها، و لا ينبغي تقزيمها، فضلا عن التخلي عنها، و إنما الخلاف حول الوسائل، و عوامل القصور، و أسباب التعثر و الأخطاء.
ماذا لو كانت الأمة العربية اليوم كلها على موقف واحد أبيًّ و صادق حول فلسطين؟ هل سيكون وضع العرب، و وضع فلسطين بهذا الحال؟ هل لو كان العرب في وحدة و اتحاد ستخرج قمة بغداد، و كل القمم العربية التي سبقتها بذلك الضعف و الركاكة ؟!
الوحدة قوة، و عز ، و هيبة و سلطان .. و الفُرقة ضعف و ذل ، و رخاوة و تبعية ..!! و واقع الأمة شاهد، و الهدف الأسمى واضح، و لكن.. و آه من لكن ! إن لزرع الفرقة ، و التمزق، و التقزم ، مخططون و ممولون، و أطماع رخيصة.
و حالنا في اليمن و نحن في مواجهة مشروع ظلامي بائس و متخلف و الكل يعلم ذلك إلا رخيص الموقف، أو صاحب العقلية الابتزازية تستدعي هذه الحال وحدة الصف، و توحيد الجهود و الطاقات، و طرح أطماع الصغار جانبا، والتوظيف الأبله للقضايا بعيدا،ثم المضي على موقف رجل واحد،و هدف سام ، نحو الهدف الأعلى لليمن و اليمنيين ، و هي معركة الخلاص.
أين؟ أين؟ ما كانت تردده كل العواصم العربية: شعب عربي واحد، علم عربي واحد ..!!