في الذكرى ال35 للوحدة اليمنية، التي تحل في 22 مايو، تبرز من جديد أهمية هذا المنجز الوطني كمظلة جامعة لليمنيين، ورمز لتطلعاتهم في بناء دولة مدنية عادلة. ورغم ما شاب مسيرتها من تحديات وصراعات، لا تزال الوحدة تحظى برمزية راسخة في وجدان قطاع واسع من اليمنيين، الذين يرون فيها مشروعاً قابلاً للتجديد لا للانقضاء. "الصحوة نت" استطلعت آراء عدد من الشخصيات السياسية التي شددت على ضرورة تصحيح مسار الوحدة، عبر بناء شراكة وطنية قائمة على العدالة والمواطنة المتساوية، بما يفضي إلى تأسيس دولة اتحادية تعبر عن مصالح جميع المكونات، وتوفر مدخلاً عملياً لإنهاء الانقلاب واستعادة مؤسسات الدولة.
مشروع جامع تحدث صفوان سلطان، عضو المكتب السياسي لحزب العدالة والبناء، مؤكدًا أن الوحدة اليمنية شكّلت خطوة تاريخية لتعزيز الهوية الوطنية الجامعة، وأسهمت في ربط أبناء الوطن بمشاعر الانتماء والتكامل، وفتحت آفاقًا رحبة لبناء دولة المواطنة المتساوية القائمة على العدالة والشراكة.
وحول منجز 22 مايو، أوضح سلطان في تصريح خاص ل"الصحوة نت" أن هذا الحدث لا يزال حيًا في وجدان اليمنيين، ويمثل حلمًا وطنيًا لا يسقط بالتقادم، مشيرًا إلى أن التحديات والانقسامات التي فرضها الانقلاب الحوثي لم تنل من القيمة الوطنية للوحدة، التي تظل مشروعًا جامعًا إذا ما أُعيد تصحيح مسارها على أسس عادلة.
وفي تقييمه لمسار الوحدة، شدد سلطان على أن الإشكال لم يكن في فكرة الوحدة ذاتها، بل في النهج الإقصائي الذي أُديرت به بعد تحقيقها، داعيًا إلى تصحيح هذا المسار عبر بناء دولة اتحادية مدنية عادلة، تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة، وتُعيد الثقة بين مكونات المجتمع.
وأكد سلطان أن تحقيق الشراكة السياسية الحقيقية يتطلب حوارًا وطنيًا صادقًا، وإرادة سياسية تؤمن بالتوازن والشراكة في إدارة الدولة، معتبرًا أن إنهاء الانقلاب الحوثي واستعادة مؤسسات الدولة يشكّلان شرطًا أساسيًا لبناء مستقبل مشترك يحافظ على الوحدة ويعزز الاستقرار.
وفي ختام حديثه، وجّه سلطان رسالة إلى اليمنيين، لا سيما الأجيال الجديدة، دعاهم فيها إلى الإيمان بوطنهم والاعتزاز بالانتماء له، معتبرًا أن الوحدة لا تعني الهيمنة، بل الشراكة والتكامل والعدالة، وأن الطريق نحو يمن جديد ومدني واتحادي لا يتحقق إلا عبر بناء دولة المؤسسات وإنهاء الانقلاب.
منجز وطني عظيم بدوره، أكد صالح علي المصعبي، عضو هيئة رئاسة مجلس شبوة الوطني، أن الوحدة اليمنية تمثل أعظم منجز وطني في التاريخ المعاصر، مشيرًا إلى أنها أنهت حالة الانقسام التي فرضها الاستعمار والحكم الإمامي، وأعادت اللحمة بين أبناء الشعب الواحد.
وقال المصعبي في حديث ل"الصحوة نت"، إن الوحدة "أعادت الاعتبار لليمن التاريخي، ووحّدت الأسر والقبائل التي فرقتها حدود الشطرين"، مضيفًا أن منجز 22 مايو لا يزال حيًا في وجدان اليمنيين، باعتباره المشروع الجامع الذي يعبر عن إرادتهم المشتركة.
وأكد أن ما شهدته اليمن من أزمات لا يعود إلى الوحدة نفسها، بل إلى من تولّى إدارتها، موضحًا أن المشروع الانفصالي اليوم يعيش مرحلة احتضار، بعدما فشل في تقديم أي نموذج ناجح، حتى في أبسط الخدمات.
وأشار إلى أن أبناء المحافظات الجنوبية، ومن بينهم نساء عدن وأبين ولحج، خرجوا مؤخرًا للتعبير عن رفضهم لهذا المشروع، لافتًا إلى أن محافظة شبوة، وغيرها من المناطق المحاذية للشطرين سابقًا، شهدت فوائد ملموسة من الوحدة، من طرق ومرافق خدمية وتنموية.
وشدد المصعبي على ضرورة بناء شراكة سياسية حقيقية تقوم على مبدأ "اليمن أولًا"، وعلى مشاركة جميع القوى الوطنية في إدارة الدولة وثرواتها والدفاع عنها.
وختم حديثه برسالة إلى اليمنيين، وخاصة الأجيال الجديدة، دعاهم فيها إلى التمسك بمنجز الوحدة والدفاع عن الجمهورية، ومواجهة المشروع الحوثي السلالي الذي يشكل خطرًا وجوديًا على اليمن والمنطقة.
هوية جامعة
وفي السياق ذاته، أكدت سارة قاسم هيثم الحجيلي، عضو الدائرة السياسية للمكتب التنفيذي للتجمع اليمني للإصلاح بمحافظة تعز، أن الوحدة اليمنية تمثّل تجسيدًا للحقيقة التاريخية للحضارة اليمنية الضاربة في عمق التاريخ، مشيرة إلى أن الانقسام بين الشمال والجنوب لم يكن إلا نتاجًا لحقب الاستعمار والأنظمة السلالية، وأن الأصل في اليمن هو الوحدة.
وأوضحت في حديثها ل"الصحوة نت"، أن الهوية الوطنية اليمنية لا يمكن فصلها عن الامتداد الحضاري الموحَّد لليمنيين عبر التاريخ، بدءًا من حضارات سبأ وحِمْيَر، مشددة على ضرورة تعزيز هذه الهوية في وجدان الأجيال من خلال المناهج التعليمية، والمحاضن التربوية، والأنشطة التوعوية المختلفة.
وعن دلالات منجز 22 مايو، قالت الحجيلي إن الوحدة لا تزال حيّة في قلوب اليمنيين في مختلف مناطق البلاد، مشيرة إلى تمسّك الشعب اليمني بوحدته باعتبارها "مصيرًا لا يمكن التفريط به"، وأنها تُعد الرافعة الحقيقية لمواجهة التحديات الوجودية التي تهدد الدولة اليمنية، شرط أن تُدار بطريقة رشيدة تضمن العدالة في توزيع السلطة والثروة.
وأوضحت أن الخلل الذي أعقب إعلان الوحدة لم يكن في المشروع نفسه، وإنما في طريقة إدارته، مشيرة إلى أن غياب الرؤية الاستراتيجية بعد 1990، واللجوء إلى الإقصاء والتسلط السياسي والعسكري، أدّى إلى تراكم مشكلات، أبرزها حرب صيف 1994، ما عمّق الشرخ بين مكونات الوطن الواحد.
وأضافت: "كان ينبغي ترسيخ الوحدة من خلال بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية حقيقية، وتكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة، ومعالجة آثار ما بعد الحرب وفق رؤى تنموية وجغرافية عادلة، وهو ما لم يحدث، مع الأسف".
ورأت الحجيلي أن وثيقة مؤتمر الحوار الوطني تشكّل اليوم أرضية صلبة يمكن من خلالها إعادة بناء الدولة وتحقيق الشراكة السياسية الحقيقية، باعتبارها عقدًا اجتماعيًا جديدًا توافقت عليه جميع المكونات اليمنية، لمعالجة كافة الاختلالات، بما في ذلك القضية الجنوبية، في إطار الوحدة اليمنية العادلة.
ودعت إلى التمسك بالوثيقة والعمل على تنفيذها في الواقع، ليس فقط في إطار إعادة ترسيخ الوحدة، بل لبناء يمن جديد يقوم على أسس العدالة والديمقراطية والمواطنة المتساوية والتنمية الشاملة.
واختتمت الحجيلي حديثها برسالة إلى اليمنيين، خصوصًا الأجيال الجديدة، في ذكرى إعادة تحقيق الوحدة، مؤكدة أن الخطر اليوم لا يتهدد الوحدة فحسب، بل اليمن بأكمله، في ظل انقلاب الحوثيين ومشاريع التمزيق المدعومة خارجيًا، التي تستهدف كيان الدولة وهويتها.