أعلنت المقاومة الوطنية، الأربعاء 16 يوليو، عن ضبط شحنة ضخمة من الأسلحة الإيرانية كانت في طريقها لمليشيا الحوثي عبر البحر الأحمر، في عملية نوعية تمثل منعطفًا خطيرًا في الحرب اليمنية وتكشف عن تصعيد كبير تُعد له المليشيات بدعم مباشر من طهران. وقال عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح إن بحرية المقاومة، وبدعم من شعبة الاستخبارات، تمكنت من مصادرة شحنة استراتيجية تبلغ 750 طنًا من المعدات العسكرية المتطورة، تتضمن منظومات صاروخية، وطائرات مسيرة، وأجهزة حرب إلكترونية متقدمة.
العملية التي وُثقت بمشاهد مصورة، أعادت إلى الواجهة دور إيران المستمر في تمويل وتسليح مليشيا الحوثي، في انتهاك واضح للقرارات الدولية، وتحذير جديد من خطورة التعامل مع المليشيات كطرف يمكن أن ينخرط في أي مسار للسلام.
وتعد هذه العملية واحدة من أكبر الضبطيات في تاريخ الحرب اليمنية، وتشير إلى أن مليشيا الحوثي لا تزال بعيدة عن أي عملية تفاوضية، وأنها تعزز ترسانتها استعدادًا لجولة جديدة من الحرب المحلية والإقليمي وتهديد الملاحة الدولية وخطوط التجارة العالمية.
- حمولة الحرب الكبرى:
كشفت المقاومة الوطنية أن الشحنة المصادرة تضمنت منظومات صواريخ "كروز" بحرية وجوية، وصواريخ مضادة للطائرات والسفن، وطائرات مسيّرة هجومية، إلى جانب مئات المحركات الخاصة بالطائرات دون طيار، ومنظومات توجيه دقيقة، وأجهزة تصنّت ورادارات متطورة للكشف والتعقب.
وضمت الشحنة مدفعية "بي 10"، وقاذفات قنص بعيدة المدى، وعدسات تتبع، وذخائر متنوعة، وأسلحة دقيقة التوجيه، إلى جانب أجهزة اتصالات عسكرية مشفرة، وأنظمة سيطرة إلكترونية، ومعدات تدريب، بعضها يحمل إشارات وأدلة تشغيل مكتوبة باللغة الفارسية.
وأظهرت الصور التي بثها الإعلام العسكري مولد إشارة من نوع RF Explorer RFE6GEN قابل للبرمجة، يُستخدم في اختبارات الحرب الإلكترونية، ما يكشف وجود تجهيزات يمكن استخدامها في التشويش والاستطلاع واستهداف شبكات الاتصالات.
وأكدت مصادر عسكرية ل"الصحوة نت" أن نوعية الأسلحة المضبوطة تطابق الأنظمة التي استخدمتها مليشيا الحوثي مؤخرًا في هجماتها التي أسفرت عن غرق سفينتين تجاريتين في البحر الأحمر، ومقتل ما لا يقل عن أربعة من أفراد طاقميهما، مع فقدان آخرين.
الضبطية تُعد الثانية خلال أسبوع فقط، بعد أن كانت بحرية المقاومة قد أحبطت عملية تهريب أسلحة متوسطة في المنطقة ذاتها، ما يكشف وتيرة متسارعة لمحاولات التهريب واستعدادات عسكرية متقدمة لدى المليشيا.
- بصمة الحرس الثوري:
القيادة المركزية الأميركية أكدت أن العملية تُعد أكبر مصادرة لشحنة أسلحة إيرانية في تاريخها، وأنها تمثل دليلاً صارخًا على استمرار إيران في تمويل الفوضى بالمنطقة، وتزويد الحوثيين بأسلحة تُستخدم في ضرب الاستقرار والملاحة الدولية.
وأشار الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية، إلى أن المعدات المضبوطة صُنعت في شركات مرتبطة بوزارة الدفاع الإيرانية الخاضعة للعقوبات الأميركية، ما يكشف عن دعم حكومي مباشر وليس فقط دعم شبكات تهريب مستقلة.
وذكرت "سنتكوم" أن الشحنة شملت مئات الصواريخ الموجهة، ورؤوسًا حربية، وأدلة مكتوبة باللغة الفارسية، ومعدات اتصالات ومكونات طائرات مسيرة، ضمنها أجهزة قيادة وتوجيه وأنظمة ملاحة دقيقة، مما يؤكد أنها مُعدة للاستخدام المباشر في العمليات.
وأكد البيان أن هذه المعدات تُعد انتهاكًا مباشرًا لقرارات مجلس الأمن الدولي، وأن العملية تمثل دعمًا فعليًا للجهود الرامية لحماية أمن اليمن وممراته المائية، خصوصًا البحر الأحمر وخليج عدن، المهددين بسلوك الحوثيين العدواني.
ناشطون سياسيون أكدوا أن هذه العملية تسقط مجددًا وهم "السلام مع الحوثيين"، وتعيد التأكيد على أن مليشيا الحوثي مجرد واجهة عسكرية لإيران، تُستخدم لتثبيت نفوذها الجيوسياسي وتوجيه الرسائل النارية عبر البحر الأحمر متى شاءت.
- مشروع عسكري لا سياسي:
أكد الدكتور علي الذهب، الباحث والخبير في الشؤون العسكرية، أن ضبط الشحنة الجديدة يعكس استمرار إيران في تعزيز القدرات العسكرية للحوثيين، وإمدادهم بأسلحة نوعية تُستخدم في تنفيذ عمليات تستهدف الأمن الإقليمي والمصالح الدولية، في سياق صراع النفوذ مع الغرب ودول الخليج.
وقال الذهب في تصريحات خاصة ل"الصحوة نت"، إن هذه الأسلحة تُرسل في سياقات متكررة وممنهجة، ما يعني أن إيران تتعامل مع مليشيا الحوثي كجزء من مشروع عسكري أمني، وليس كفاعل سياسي محلي، وبالتالي فإن الحديث عن تسوية سياسية شاملة في اليمن يبقى وهمًا.
وأضاف أن نوعية الأسلحة المضبوطة، ومن بينها طائرات مسيرة وصواريخ دقيقة التوجيه، تشير إلى أن المليشيا تستعد لتصعيد عسكري واسع النطاق، سواء في الداخل اليمني أو عبر استهداف المصالح الإقليمية والدولية، خاصة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وأشار إلى أن توقيت ضبط الشحنة يتزامن مع تحركات دبلوماسية دولية لبحث سبل إنهاء الصراع في اليمن، ما يعني أن إيران تستخدم التصعيد العسكري للضغط على المجتمع الدولي وفرض شروطها التفاوضية من خلال ذراعها الحوثي.
ولفت الذهب إلى أن هذه التطورات تفضح الخطاب الحوثي الذي يدّعي السعي للسلام، وتكشف أن الجماعة تفضل الاحتفاظ بالسلاح والتحرك عسكريًا بما يتوافق مع مصالح طهران، وهو ما يؤكد أن المليشيا أداة إيرانية لتنفيذ أجندة إقليمية لا وطنية.
- تحذير رسمي من التصعيد:
قال وزير الإعلام معمر الإرياني إن الشحنة الأخيرة تؤكد التورط المباشر للنظام الإيراني، الذي يستخدم مليشيا الحوثي كذراع إقليمي لتقويض الاستقرار، وتحويل اليمن إلى منصة متقدمة لإدارة العمليات التخريبية في عمق الجزيرة العربية.
وأوضح أن مليشيا الحوثي استخدمت خلال السنوات الماضية الأسلحة الإيرانية لقصف المدن اليمنية، واستهداف منشآت النفط ومحطات الطاقة في دول الجوار، ومهاجمة السفن وناقلات النفط، وكان آخرها استهداف سفينتين أدى لغرقهما ومقتل أفراد من طاقمهما.
وأكد أن هذه الضبطية تحمل أبعادًا أخطر من مجرد انتهاك القوانين، إذ تمثل نقلة استراتيجية في مستوى التصعيد، وتكشف أن اليمن أصبح قاعدة عسكرية لإيران، تهدد أمن الملاحة العالمية وسلاسل الإمداد الدولي بشكل مباشر.
ودعا الإرياني المجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي وبريطانيا، إلى تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وتشديد الرقابة على عمليات التهريب، وفرض عقوبات على الشركات والشبكات المتورطة في دعم وتسليح المليشيا.
وشدد على أن مواجهة المشروع الإيراني في اليمن لم تعد خيارًا، بل ضرورة حتمية لحماية أمن المنطقة والعالم، مؤكدًا أن الحكومة اليمنية بحاجة إلى دعم دولي حقيقي لتعزيز قدراتها البحرية والبرية لمواجهة هذا الخطر المتفاقم.
يرى مراقبون أن توقيت العملية يشير إلى إصرار إيران على استخدام اليمن كورقة ضغط في مواجهة الغرب، خصوصًا مع تصاعد الهجمات البحرية وتراجع نفوذها في الجبهات التقليدية مثل سوريا والعراق ولبنان.
وحذروا من أن استمرار التغاضي الدولي عن دور إيران في تهريب السلاح إلى مليشيا الحوثي سيمكن طهران من تحويل اليمن إلى مركز عمليات متقدمة، يستخدم ضد دول الخليج والممرات الدولية كلما أرادت إرسال رسالة عسكرية أو سياسية.
وفي هذا السياق، اعتبر الدكتور الذهب أن تدفق هذه النوعية من الأسلحة على مليشيا الحوثي، خصوصًا في ظل استهدافها المستمر لخطوط الملاحة الدولية، يُصعّد من حدة التهديدات التي تواجه أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وقد يجر تدخلات دولية أوسع في المستقبل القريب.
وقال الذهب ل"الصحوة نت"، إن التهديد الحوثي للملاحة يتجاوز الحدود اليمنية، ويضع المنطقة كلها على صفيح ساخن، خصوصًا مع دخول فاعلين دوليين على خط الأزمة، ما قد يحول اليمن إلى ساحة صراع أوسع إذا استمرت إيران في تسليح الجماعة بهذه الوتيرة.
وأجمع محللون على أن عملية الضبط الأخيرة هي إعلان واضح بأن اليمن بات الجبهة المفتوحة الجديدة لطهران، وأن مليشيا الحوثي الإرهابية تتجهز لحرب جديدة لن تقتصر تداعياتها على الداخل، بل ستمتد لتطال أمن الإقليم والعالم بأسره.