مما نُقِل إليَّ من مقولات جدي سالم الغوري رحمه الله أنه كان يقول: سيأتي زمان على الناس يقتسم فيه الجاران دجاجة واحدة. لا لانعدام الدجاج وإنما عَوَزا وفاقةً وقلة حيلة. لم يكن جدي غنيا فقد عاش ظروفا صعبة وحياة قاسية مثله مثل عامة الناس في عصره. لكن الدجاجة آنذاك كانت إذا ذبحت في النادر فلأسرة واحدة فقط. مما جعله يتنبأ بعصر قادم تصل فيه أحوال الناس إلى اقتسام الدجاجة الواحدة بين أسرتين. اليوم تيقنت من صدق ما تنبأ به جدي قبل سبعين عاما. فقد تقاسمت دجاجة واحدة لا مع جار واحد وإنما مع جارين عزيزين. تولى أحدهما مشكورا جمع قيمة الدجاجة اثني عشر ألف ريال بالتمام والكمال ثم توجه تحفظه عناية الله إلى السوق وبعد ساعة تقريبا عاد ومعه الطائر الميمون ليكمل جميله بذبحها وتقسيمها أثلاثا وهو يتصبّب عرقا. وصغارنا يتنططون حوله فرحا واستبشارا بوليمة دسمة. في كل بلاد الله يتنبأ الناس بمستقبل واعد بالخير والرفاهية إلا في هذا البلد السعيد فإنك لو قرأت ما يستشرفه الناس عن قادم الأيام لوجدت الخيبة والمرارة والخوف والهلع. ويعزز موقفهم هذا ما يعبشونه من تدهور كاسح لجميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فأنى لهم التفاؤل وكيس القمح الذي كان سعره قبل مدة خمسة وثلاثين ألف ريال أصبح سعره اليوم يزيد عن الضعف. وقس على ذلك كل المواد الأساسية من رز وزيت وسكر. والأمر من ذلك أن هذا التدهور لن يتوقف. وأن غلاء الأسعار يعيش سباقا مستمرا مع نفسه. ولا عزاء لضحاياه سواء تفاءلوا أو تشاءموا فالأمر سيان.. سيّااااان. إنه رحى قاسية إذن يديرها قساةٌ غلاظٌ يواصلون كلال ليلهم بتعب نهارهم سعيا في تجويع الناس وجلب المشقة إليهم. وإنه لمن الخطأ أن يُعزى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى هبوط قيمة الريال أمام العملات الأخرى. فهذا وإن كان سببا وجيها لكنه ليس الوحيد. فثمة غلاء يُفرض خارج منطق هذه الدائرة بدليل أن مئة ريال سعودي كانت قبل فترة وجيزة على سبيل المثال تكفي لشراء كيس دقيق 50كج. وقطمة سكرا 10كج. أما اليوم فقد أصبحت بالكاد تكفي لشراء كيس الدقيق. فأين ذهبت القطمة السكر يا بتوع المدارس يا شطّار؟؟ يعلم الله ماالذي سنتنبأ به للأجيال القادمة في ظل هذا السعار المتنامي. وعندما يصل الحال بأحفادنا الأعزاء إلى العجز عن اقتسام قيمة الدجاجة بين ثلاثة جيران أو أربعة؛ فإن نبوءة جدي إياها ستكون أمرا لا وجود له البتة على أرض الواقع. مثلها مثل الغول والعنقاء والخل الوفي.