صباح حزين لفه السكون، تكسوه غصّة الفقد، حين أعلن من إسطنبول نبأ رحيل الدكتور محمد الظاهري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، بعد معاناة طويلة مع المرض والغربة، بعيدا عن وطنه وطلابه وجامعته التي أحبها، ومات مشردا عنها كما عاش وفيا لها. رحل بهدوء كما عاش، صامتا شامخا، لا يشتكي إلا لربه، تاركا خلفه إرثا من العلم والنقاء والموقف الصلب، كان خبر رحيله فاجعة للأوساط الأكاديمية والسياسية اليمنية، التي ودعته بكلمات اختلط فيها الألم بالفخر، والدمعة بالإجلال. كلمات تنزف وفاء وحزنا افتتح رئيس دائرة الإعلام في حزب الإصلاح علي الجرادي كلمات الوداع قائلا: رحم الله الدكتور محمد الظاهري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، المبعد عن عمله من قبل مليشيات الجهل والخرافة، في 2011 خرج في المظاهرات السلمية رافعا قلمه الذي يرمز به للعلم والوعي في مواجهة الاستبداد، وهو ذات القلم الذي رفعه لاحقا في مواجهة الكهنوت. ويضيف الجرادي وهو يستعيد مواقفه الشجاعة: استهدف قناص يده التي كانت ترفع القلم وأصيب في ذراعه، ثم جاء الكهنوت وحاول تطويع قلمه حين كان رئيس نقابة هيئة التدريس، فأبى أن ينكسر أو يلين. عانى من مرض عضال وتغلب على كل الأوجاع والمعاناة بموقف جسور وقامة منتصبة لم تنحنِ سوى لخالقها. ومن بريطانيا، عبر السياسي والدبلوماسي الدكتور ياسين سعيد نعمان عن حزنه العميق: مات الدكتور محمد الظاهري.. رحل عن هذه الدنيا، وترك اسمًا استثنائيًا للاستدلال بأن للعلاقات الإنسانية وجهًا جميلًا لا تراه إلا في أمثاله. رحم الله الدكتور الظاهري، فقد كان رفيقًا جميلًا لمرحلة حلمت بأن تعيد لجمال الحياة اعتباره. النائب علي عسال يرثيه في مقال طويل قائلا: رحل الرجل الذي لم يكن مجرد أكاديمي محاضر أو منظّر في قاعات الدرس، بل كان حالة فكرية ونضالية نادرة، تماهى فيها القول بالفعل، واتحد فيها الفكر بالموقف، والعلم بالكرامة، والسياسة بالشرف. أما توكل كرمان، فودعته بنبرة تفيض بالألم قائلة: بوفاة الظاهري يفقد وطننا في لحظات صعبة واحدا من أنبل وأنزه وأشجع رجاله. عرفته رفيق درب عظيمًا على مدى عشرين عامًا، لقد جسّد الدكتور محمد الظاهري عظمة العلم وشرف الكلمة، وكان قريبًا بعلمه وأخلاقه من الناس ومن تطلعاتهم إلى الحرية والعدالة. ويصف الدكتور ناصر الطويل الراحل بأنه كان أحد أبرز الكفاءات العلمية المتميزة والشخصيات الأكاديمية الكفؤة، الذي يُعد نموذجًا نادرًا في العصامية والمبدئية، والنزاهة والمسؤولية والنقاء. أما الدكتور مجيب الحميدي فقد عبّر عن حزنه العميق قائلاً: ببالغ الحزن والأسى، تنعى الأوساط الأكاديمية والوطنية في اليمن رحيل الأستاذ الدكتور محمد الظاهري، أحد أبرز علماء اليمن ورواد الفكر الوطني. وأضاف واصفًا مسيرته:أصيب في ثورة فبراير بطلق ناري أثناء دفاعه عن قيم الحرية، واعتقل على أيدي جماعة الحوثي بسبب رفضه تسييس الجامعة ومصادرة استقلالها الأكاديمي. شارك في مؤتمر الحوار الوطني، وأسهم بفكره في رسم ملامح الدولة المدنية المنشودة، وظل حتى أيامه الأخيرة صوتًا حرًّا ومدافعًا عن كرامة الأكاديميين وحق اليمنيين في التعليم والحرية. قامة لا تنحني ويكتب الدكتور فؤاد البنا بنبرةٍ موجعة، قائلاً: السرطان الجيني تحالف مع السرطان الحوثي في إطفاء روحٍ من أعظم علماء اليمن، الدكتور محمد الظاهري، الذي عانى من المرض والسجن، وكان قد أصيب بطلقة نارية في ثورة 2011. اليمن خلال أقل من 24 ساعة يفقد اثنين من خيرة علمائه بسبب السرطان، وكلاهما من محافظة إب! وفي وداعٍ مفعم بالصدق، أكد الدكتور محمد قيزان، وكيل وزارة الإعلام:برحيله فقد اليمن واحداً من أنبل رجاله. رحم الله هذه القامة العلمية والشخصية العصامية المناضلة التي حملت هم اليمن في فكرها وقلبها، فكان مثالاً للأخلاق والصدق والتواضع. ويرى الصحفي علي الفقيه أن الظاهري كان: أخلص لعمله كأكاديمي وباحث ولم يبعده ذلك عن المجالات العملية للسياسة، وظل في قلب المشهد يطبق ما يدرسه على أرض الميدان. ويضيف الفقيه:طوال مشواره انحاز دوماً لضميره وقناعته ولما يعتقد أنها مصالح اليمن الكبير الذي يحبه ويعشقه، مترفعاً عن المآرب الشخصية وعن الاصطفافات الضيقة، يقول قناعاته بصدق دون حساب لمن يرضى أو يسخط. ويصف نبيل البكيري الراحل قائلاً: عاش رافعاً رأسه في السماء معتداً بذاته وقيمه، وبسيطاً متواضعاً زاهداً رافضاً لكل المغريات التي عرضت عليه، وهذا النوع من الجمع بين الاعتداد بالنفس والبساطة لا يجيده سوى القلة القليلة ممن وفقوا لمثل هذا السبيل والدرب، درب الشرفاء الأحرار. مضيفا:عرفته عن قرب فوجدته نوعاً نادراً من الرجال الذين يعيشون للقيم والمبادئ الكبيرة ولا تحضر ذواتهم وتفنى في سبيل تلك القيم والمبادئ والأخلاق والأهداف الوطنية النبيلة والكبيرة. ويصفه بأنه أحد أعلام اليمن الكبار المجسدين لمدرسة النضال اليمنية الأولى التي أنجبت ثلة من المناضلين الكبار عفيفي اليد واللسان، متيقظي الظمائر ومتوهجي العقول والقلوب معاً. الإعلامي صلاح الدين حمزة اعتبر الظاهري مناضلاً جسّد قيم الحرية والنضال قولاً وفعلاً، وعاش حياته مخلصًا لوطنه ومربيًا لأجيالٍ على الوعي والمسؤولية الوطنية. أما الصحفي خليل العمري فقال: عشتَ يمنيًّا حالماً بدولةٍ أفضل، بيمنٍ يشبهك: نقيًّا، نبيلاً، لا يطأطئ رأسه الممتلئ كالسنبلة، ولا يبيع صوته في سوق النخّاسين. ويعبر الباحث زايد الجابري عن وجعه: قائلا :الظاهري النجم الذي هوى، بعيدًا عن وطنه وجامعته وطلابه..لم يكن مجرد أستاذ جامعي، بل كان مناضلاً حرًا حمل هموم وطنه ودافع عن الحقوق والحريات طيلة حياته. ذاكرة لا تموت ويكتب الدكتور سعد الربية مستحضرًا بداياته: رحل الظاهري من دمت مشردًا مع والده، فكان ذلك بابًا فتح له طريق الإبداع والتميز. كان رجلًا عصاميًا نادر الصفات. أما هشام الزيادي فنعى الراحل بكلماتٍ دامعة: قاوم كثيرًا المرض والخذلان والنفي عن الوطن. جاهد وحيدًا كجدارٍ صلب حتى خارت قواه، ليرحل رحيل العظماء تاركًا إرثًا علميًا ونضاليًا كبيرًا. نبكي بحرقة رحيل أحد أبرز أعلام اليمن وعقولها في علم السياسة. ويكتب يحيى الثلايا أحد تلاميذه شهادة صادقة من عمق الرفقة: عرفته قبل أكثر من عشرين عامًا، تعاملت معه معلّمًا وأستاذًا وزميلًا. كتلة من نزاهة الضمير ونظافة اليد وصدق اللسان. ترجل اليوم بعد معاناة عقدٍ مع المرض والغربة، صامتًا جسورًا لم يشتكِ وجعًا ولا إهمالًا، وندر أمثاله في هذا الزمان. ويرى الصحفي محمد الخامري أنه كان مدرسةً في الأخلاق قبل أن يكون أستاذاً في الجامعة، ومنارة في الوعي والفكر والاعتدال، وترك أثراً لا يُمحى في نفوس طلابه ومحبيه وكل من عرفه عن قرب. ويضيف الكاتب فؤاد مسعد واصفًا مسيرته قايلا: درس العلوم السياسية في جامعات الأردن ومصر ثم درّسها في جامعة صنعاء فكان نعم الطالب ونعم المدرس. مضيفا :عرفته من سنوات طويلة بحكم أننا من مديرية واحدة، كان حاضراً في المشهد السياسي يمثل صوت العقل المستقل والمستنير، عندما كان التعصب الحزبي والسياسي سيد الموقف. ويرى مسعد أن الظاهري "لم يعتز بالارتباط القبلي وهو ابن أحد أبرز مشايخ المناطق الوسطى، بل كان يقدم نفسه واحداً من الناس العاديين رغم علمه الواسع وثقافته وسعة معرفته التي راكمها عبر السنين." ويختم الصحفي رشاد الشرعبي بكلماتٍ تختزل الوجع والحب معًا: في وداعة الله يا دكتور محمد الظاهري. لقد كنت رجلًا نقيًّا نبيلاً، عرفت نظريات السياسة ولم تمارس خبثها، أحبك كل من عرفك أو تعلم بين يديك أو رافقك في النضال.