في مقالنا السابق "حضرموت نبض اليمن..."، لا يسعنا إلا أن نتابع الخطوة ونغوص أعمق في روح هذه البقعة المباركة عن أهم محافظة في مشرق اليمن. وعن الخطر الذي يحفّ ب "نبض اليمن" ليس خطرًا عسكريًا أو سياسيًا وحسب، بل هو محاولة بائسة لاغتيال الهوية وابتلاع الذاكرة الحضارية التي امتدت لآلاف السنين. إن حضرموت ليست مجرد نقطة على خريطة النزاعات الإقليمية، بل هي مدرسة النضال التي علّمتنا كيف يكون العهد والمصير. حضرموت في عيني: شهادة الساحل والوادي والصحراء لقد تكوّنت معرفتي بحضرموت على مدى خمس سنوات من العمر، قضيتها متنقلاً بين أطرافها وأجزائها، من الساحل الصاخب إلى الوادي المعتق بأسرار التاريخ، وصولًا إلى الصحراء الممتدة التي تُخبئ في صمتها حكايات القوافل. هذه التجربة الممتدة علّمتني أن حضرموت كيان موحّد في تنوّعه، لا يمكن تجزئته تحت أي مسمى زائف: * حضرموت الساحل: حيث المكلا وشحرها الباسلة والحامي وقصيعر والمصينعة وقشن وغيرها، تحمل تاريخ التبادل والتجارة والانفتاح على العالم، لكنها تظل عصيّة على كل من أراد تحويل موانئها إلى مجرد نقاط نفوذ أجنبي. * حضرموت الوادي: حيث وادي دوعن ووادي عمد وهضبة المسيلة ووادي ساه والقطن وشبام التاريخ والتراث العالمي وسيئون وتريم، هي قلب العِلم، منارة التصوّف والفقاهة، ومنبع الهجرات التي نشرت الإسلام والعربية في الشرق والغرب، وهي تثبت أن القوة الحقيقية تكمن في الإرث الروحي والثقافي، لا في خزانات النفط. * حضرموت الصحراء: حيث رمال الربع الخالي الشاهدة، هي خزان الرجال الذين يدافعون عن الحدود ويُحكمون القبضة على الأمن القبلي، وهي تذكّر الطامع بأن الأرض اليابسة فيها رجولة تُشعلها نارًا تحت أقدام الغازي. إن من يتحدث عن تقسيم حضرموت أو فصلها عن جسد اليمن، هو جاهل بطبيعتها الاجتماعية والتاريخية، فهي نسيج واحد لا يمكن فصل عرقٍ فيه عن الآخر. مهمة الإرشاد الأخيرة: تحذير من فخ "التنمية" الزائف عندما كانت زيارتي الأخيرة لحضرموت ومحافظة المهرة المتاخمة عام 2014 م في مهمة إرشادية، كانت رياح التغيير العاصفة بدأت تهب، وكنا نرى بوضوح كيف يُمهّد الطامعون الطريق لاحتلال جديد تحت أسماء براقة. لقد علّمنا التاريخ أن المحتل لا يدخل بعباءة الحرب دائمًا، بل يأتي أحيانًا بابتسامة "المستثمر" ووعود "التنمية" وراية "الحماية" وإيهام "الطامح للسلطة والمال" بتحقيق مرامه. وهذه المرة بالذات، تُستخدم خيرات حضرموت وثرواتها – نفطها وخيراتها وموقعها الاستراتيجي – كطعم للإيقاع بالعملاء وكسر الإرادة الشعبية. لنتذكر دائمًا: من يشتري أرضك بالمال اليوم، سيشتري ذمتك ومصيرك غدًا، وسيتحول صاحب الدار إلى مجرد حارس على أبواب نفوذه. الخاتمة: الوحدة هي القوة، والرفض هو القرار إن الرسالة التي يجب أن تصل إلى كل أطراف الصراع، وإلى القوى الإقليمية الطامعة، واضحة وقاطعة: حضرموت كانت وستبقى يمنية الهوية، عربية الانتماء، عصيّة على الابتلاع والتقسيم. إن إرث محمود سالم صقران وباكثير وعظمة تريم والشحر لا يمكن أن تُبادَل بصفقات بيع موانئ أو عقود نفط مُذلّة. المطلوب اليوم ليس الشجب فحسب، بل هو اليقظة الدائمة والمقاومة الموحدة. يا أبناء حضرموت، الساحل والوادي والصحراء، اصنعوا اليوم تاريخكم الجديد بوحدتكم، واجعلوا من رفضكم للتواجد الأجنبي والمشاريع التقسيمية خط الدفاع الأول عن الشرف والوطن. لنجعل من كل شبرٍ في حضرموت شاهدًا على أن نبض اليمن لا يموت ولا يُباع!