روح الكلمة شرفها ؛ و قانونها قول الحق تبارك و تعالى : "وقولوا للناس حسنا". ثم إن الكلمة عنوان قائلها، و بطاقة تعريفية لصاحبها، فليضع المرء عنوانه للناظرين.
حين تفقد الكلمة شروطها تفقد شرفها، و حين تتفلّت من ضوابطها تصبح تهريجا، و تزداد سوءا يزري بصاحبها حين تكون افتراء ، أو كذبا ، أو تأويلا زائفا ، أو مشحونة بالبذاءة و الشتم و قبيح الألفاظ ؛ ناهيك عن أن يكون غرضها نشر كراهية، أو تأجيج فتنة و انتقام ..!!
هنا يسقط المُعَنْوَن و العنوان، فالكلمة تحمل في مضمونها حكمها على ذاتها، و شهادتها على قائلها إن خيرا فخيرا، و إن شرا فشرا، فالقراء أكثر وعيا من أن يظن صاحب الكلمة أنه يستطيع خداعهم بزخرف القول إن كانت كتابة، أو حدة و نبرة الصوت إن كان إلقاء.
هل تقبل الذهنية النقية،أو القارئ الحصيف أن يقرأ المفردات السوقية، و الشتم البذيئ بألفاظه المكشوفة ؟! هذا ما طفح به الحال للبعض على صفحات شبكة التواصل الاجتماعي، التي تستهدف هيئات،أو أشخاصا بأسمائهم بغرض التشهير و التجريح،و التحريض و الاستعداء.
ربما ظن أولئك البعض أن السب المقذع، بالمفردات السوقية ينال ممن استهدفوهم ! لكن الحقيقة أنها تسقط قدر السفيه، و تعلي من شأن الذي تم استهدافه، و قديما قال المتنبي:
و إذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل
ليس السب البذيئ وحده ما يحط من شأن السفيه ، بل يندرج معه الكذاب الأشر، و النمام المفتري.
و من هنا كانت خطورة الكلمة !
إن الكلمة المسؤولة تخمد فتنة ؛ و الكلمة المسمومة تشعل حربا ، و تضرم نار العداوة التي تأكل الأخضر ، و تحرق اليابس :
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة و تضر إذا ضريتموها فتضرم
إن للكلمة سحرها و أثرها ! إن ألقيتها طيبة أزهر وجه من تخاطب و تبلّجت قسماته، و شرحت الصدر ، و إن رجمت بها جافة غليظة عكّرت أسارير الوجه و اسودّت القسمات ، و أوغرت النفوس.
نعم، إنها يا أُخيّ، و أختاه؛ الكلمة : تجرح بغير حدّ ، و تجبر بكل ودّ !
و إن تكن الكلمة عنوان المرء ، فإنها كذلك عنوان المجتمع ! و ثقافة المجتمع الراقي تبرز في تعاطيه مع بعضه ، و مع الآخرين. و الثقافة السلوكية تحضر بقوة عند كل الظروف و متغيرات الأحوال ؛ سواء الطيبة منها أو السيئة.
إن المعدن النفيس، و الذهب النّضَار لا يتغير جوهره، أكان في التراب، أو بمنديل من حرير.
هل بمقدورنا و نحن نعيش ظروفا استثنائية، أحوج ما نكون معها إلى مجتمع متماسك متعاضد أن نتعاطى مع الأمور بحجمها، بعيدا عن ثقافة الزير سالم، أو داحس و الغبراء ؟!
إن الكلمة الخبيثة تدمي الأفئدة ، و تعبئ الكراهية، و تطعن الحقيقة ، و تلمز البراءة ، و تشوّه الفضيلة، و تشهّر بالرجولة، و تزري بالمواقف، و تمدح الباطل، و تغري بالانتقام، و تتصل بسبب إلى الزيف، و إذا هي شواظ من نار، و ضلال يسمم الأجواء.
إنها الكلمة تفعل الشيئ و ضده !
الكلمة موقف ، تُجْلي حقيقة، و تمحو ضلالة، و تدل إلى صواب، و تحذر من ضلال . فإذا كانت غير ذلك؛ عادت عماهة، و صارت أكذوبة، تزري بصاحبها، و تودي بمقصودها، و تسقط، و يسقط مصدرها.
و كل امرئ في المجتمع أينما كان موقعه، أو كان مركزه الاجتماعي مخبوء تحت لسانه، فإذا تكلم بان على حقيقته، فلننظر إلى أنفسنا تحت ألسنتنا.