من الغريب المُحيّر أن الغربَ كلما قطع شوطا في التقدم العلمي علت نبرة الإلحاد في مواقفه الرسمية أكثر فأكثر. وزاد انغماسه المادي حتى لم يعد للروح قيد أنملة في تفكيره وتصوراته وفي أنماط حياته بضجيجها المتعالي وهيمنتها المطلقة. ومضى يبدى تذمره من الأديان عموما ومن الإسلام بوجه خاص. وكل ذلك يأتي تنكرا لنتائج العلم التي توصل إليها والتي يُفترض أن تعزز لديه قيم الإيمان بالخالق العظيم. وأن تعيد للقيم الروحية كرامتها المنسية. وأن تعيد للإنسان ذاته المهدورة في أسواق المادة ودكاكين الملذات الآنية. تُقَدِّمُ مراكز البحث العلمي هناك نتائجها المبهرة في مختلف العلوم التجريبية تباعا. وليس ثمة واحدة من هذه النتائج إلا وفيها إشارات واضحة إلى وحدة الخلق والخالق. وتتساوق إلى حد مدهش مع تلك الإشارات العلمية المبثوثة في القرآن الكريم على وجه التحديد. وهذا التساوق المعجز ما كان له أن يُعلن على مسامع الملأ لولا وجود علماء مسلمين بلغوا شأوا بعيدا في المعرفتين العلمية والقرآنية. ونذروا أنفسهم للبحث والمتابعة اليقظة.
فأصبحت الحقائق القرآنية تتكشف أمام أعينهم واحدة تلو أخرى نتائج بحوث علمية محكمة صادرة من أوثق مراكز البحث في الغرب. فراحوا يعلنونها للناس من خلال المؤتمرات العلمية والحوارات الإعلامية والمؤلفات التي تصدر هناك تباعا. ومن هؤلاء العلماء أسماء لامعة في الغرب. قادتهم الموضوعية والإنصاف إلى الاعتراف بقدم السبق للقرآن الكريم في كثير من الحقائق والاكتشافات العلمية.
فأعلنوها صراحة دون مواربة وبيقين علمي قاطع بأن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وبقراءة متأنية في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) لمجموعة من علماء الغرب في تخصصات عديدة. يتضح حجم الدفق الإيماني المتنامي والمتماهي بالعلم في أروقة المنابر العلمية ومراكز البحوث الغربية رغما عن تلك المواقف الرسمية السادرة في سبل التخبط ومهاوي الضلال.
ولقد برزت كوكبة من العلماء العرب المسلمين العاملين في هذا المجال. منهم الشيخ العلامة عبدالمجيد الزنداني رحمه الله. والدكتور عبدالدائم الكحيل. ومنهم العالم الجيولوجي المصري الدكتور زغلول النجار رحمه الله الذي ودع الدنيا قبل أيام بعد أن أبلى بلاء حسنا في هذا المضمار وقدم محتوى معرفيا ضخما يجمع بين الإيمان في أبهى صوره. وبين العلم في أروع تجلياته. فأزاح بذلك الغشاوة عن عيون آلاف الناس. وبصّرهم طريق الإيمان بالعلم والمعرفة. وحطم كثيرا من توابيت الإلحاد في الداخل والخارج. والتي ظلت ردحا من الزمن تبث سمومها الإلحادية وتسوِّ بضاعتها البائرة. في جهد مستميت وسعي متواصل. بغية إقناع الإنسان الذي كرمه الله بأن أصله قرد. وأنه خالق نفسه. وليذهب العقل بعدها إلى الجحيم.
ألف الدكتور النجار قرابة خمسين كتابا. ونشر ما يقرب من مئتي بحث. وبلغات مختلفة. وحضر عشرات المؤتمرات العلمية. ومن أهم مؤلفاته: تفسير الآيات الكونية في القرآن الكريم. خلق الإنسان في القرآن الكريم. حقائق علمية في القرآن. آيات بهرت العالم. هكذا تعرفت إلى الله. هذا هو القرآن. ولد النجار في مصر عام 1933. وحصل على الدكتوراه في علوم الأرض من جامعة ويلز عام 1963. وتوفي رحمه الله قبل أيام في العاصمة الأردنية عمان.