مشكلات اليمن كثيرة ومتعددة, ويغالط نفسه من يزعم أن كل شيء على ما يرام, وكذا من يظن أن التغيير المنشود قد تحقق, ومع ذلك فإن الأوضاع - بشكل عام -تتجه نحو الانفراج, وسيذكر اليمنيون بالتقدير كل من عمل أو أسهم أو شارك في الخروج بالوطن من أتون الصراع والفوضى والاضطراب, كما أن الأجيال قد لا تتسامح مع أولئك الذين يصنعون الأزمات, أو يضعون العقبات, أو يزرعون الأشواك في طريق التغيير والبناء! ما يحدث الآن ليس سوى مرحلة انتقالية تم الاتفاق أن تقود الى أفياء الأمن والاستقرار, وذلك لن يتم إلا بالتوافق على نظام سياسي يعتمد دولة المؤسسات, ويُطَبّق فيه الدستور والقانون, وتتحقق فيه العدالة والمواطنة المتساوية, نظام يحمل في تكويناته القدرة على الاستفادة المثلى من الطاقات والامكانات, وتكون لديه المرونة لإصلاح الإعوجاج, ومعالجة الاختلالات, والحد من الفساد, نظام قادر على التجدّد والتّحسن والتّغير, بدون أزمات ولا احتقانات ولا انفجارات !! الأسبوع الماضي تم الاحتفال بإشهار حزب العدالة والبناء الذي يضم نخبة من القيادات السياسية, والكفاءات الإدارية, والشخصيات الاجتماعية, وأرباب الفكر والقلم, والشباب المتطلع للحياة الحرة الكريمة, وهو ما يجعلنا نتفاءل أن يمثّل الحزب إضافة جديدة مفيدة ومهمة في الحياة السياسية, وأن يصبح رافدا إيجابياً ومؤثراً في العمل الوطني. قبل أكثر من شهرين كان الإخوة السلفيون قد عقدوا مؤتمرهم التأسيسي وأعلنوا عن تنظيم أنفسهم في حزب سياسي أسموه (حزب الرشاد السلفي) وسررنا كثيراً بهذه الخطوة التي تأتي في إطار التعايش والتعاون على البر والتقوى, والمشاركة في بناء اليمن الجديد, لأن تحوّل القوى الفاعلة إلى تنظيمات سياسية يجعلها أكثر قدرة على الإسهام في الحياة العامة, ويمَكّن الآخرين من التوافق معها في الكثير من القضايا, والحوار في القضايا المختلف حولها, بعيدا عن الاتهامات والافتراضات وسؤ الظن . إعلان الإخوة الحوثيين – الأسبوع الماضي – قبولهم الدخول في الحوار الوطني أثناء استقبالهم لجنة التواصل, خطوة في الاتجاه الصحيح تبشر أن اليمنيين يسيرون في طريق الإنفراج الذي يمهّد لمرحلة الأمن والاستقرار والبناء, وما نزال نتطلع إلى تقدم الإخوة الحوثيين خطوات أخرى في التحول إلى كيان سياسي سلمي يجعلهم أكثر قدرة على المشاركة في العمل الوطني ببرنامج سياسي يتفقون ويختلفون مع الآخرين من خلاله. نتطلع إلى انضمام جميع القوى الأخرى إلى المائدة المستديرة للحوار الوطني, وفي المقدمة إخوتنا في الحراك الجنوبي السلمي الذين كان لهم السبق في إشعال الثورة ضد الظلم والفساد, والمطالبة بالتغيير السلمي, ومن أجل ذلك قدموا تضحيات عظيمة, كما أتمنى أن تلقي الجماعات المسلحة السلاح وتقبل بالحوار, إذ لامبرر للحرب وسفك الدماء وقتل إخوة الدين والوطن, تعالوا بمطالبكم لنتناقش حولها, وهيّا لنعمل من أجل بناء يمن آمن ومستقر تسوده الشريعة الإسلامية, ويحكمه النظام والقانون, وينتهي فيه التمايز ولايسمح فيه بالإقصاء, وحينها لن يتدخل في شؤوننا الداخلية قريب ولابعيد ... لاشك أن ركام الماضي سيظل يلقي بظلاله الداكنة على الواقع الجديد, ويجب عدم الانزعاج من ذلك والتوقف عنده, بل المهم النظر إلى إنجازات اليوم, ومن ثمّ التحرك إلى الأمام لتعميق الثقة, ومداواة الجراح ومعالجة الأخطاء, والمبادر والمتسامح هو الذي سيكسب أكثر, وسينال الذكر الحسن عند الله والناس . التغيير سنة الله في الحياة, ومن لايستجيب لمستجدات الحياة سيتجاوزه الزمن ويسبقه الواقع, ومن يعتقد أن لديه القدرة على إيقاف عجلة الحياة, أواستنساخ الماضي إنما يغالب الأقدار والسنن, ومن يعمل لإعاقة التحول السلمي للسلطة سيضر نفسه أكثر من غيره, وفي النهاية لن يتمكن من الحيلولة دون خروج اليمنيين من النفق! ولأنَّ وسائل الإعلام تلعب دوراً مهماً ومؤثراً على الرأي العام, فإن المؤمل منها أن تنتقل إلى مرحلة الانفراج وبث روح الأمل في النفوس, وأن تسهم في تهيئة أجواء الأمن والاستقرار, وذلك لايمنع أن تظل عينها مفتوحة على الأخطاء لتنقدها وتلفت الأنظار إليها, مع مراعاة أننا نمرّ بمرحلة استثنائية تحتاج إلى حشد الجهود للتأسيس ليمن يستوعب جميع أبنائه, ويستفيد من كل طاقاته, وتتعايش فيه الاتجاهات السياسية, والتيارات الفكرية, والمذاهب الفقهية, بعيداً عن التعالي أوالإقصاء أوالتخوين والتشكيك, أوالإعجاب بالرأي .. " ربَّنَا آتِنَا منْ لدُنْكَ رحمةً وهيِّءْ لنا مِنْ أمْرِنا رَشَداً " [email protected]