هذا السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبقوة على المشهد السياسي وأمام الكثير من المتابعين والمراقبين للحالة العربية.. ربما الإجابة عليه سترهق الكثير من المنصفين في التفكير والتحليل، وذلك لأن الظروف التي تعيشها هذه التجربة في الوقت الحالي والتغيرات الدراماتيكية التي تكتنفها قاسية وصعبة. فالكل يدرك أن المشهد الثوري في العديد من بلدان الربيع العربي قد أفرز قوتين تقليديتين في صراعهما الأبدي على الساحة هما: القوة الإسلامية، والقوة الليبرالية. ولكي نجيب على هذا السؤال بنوع من الهدوء والشفافية والإنصاف أستسمح القارئ الكريم في طرح بعض المعطيات والتفسيرات التي من شأنها قراءة الواقع الذي نعيشه قراءة علمية سياسية دقيقة، حتى نتمكن من استشراف المستقبل بكل تفاصيله، ومن ثم الإجابة على هذا التساؤل. أجريت الانتخابات البرلمانية والتشريعية والرئاسية في العديد من البلدان العربية التي شهدت نسيم الربيع العربي. وفاز الإسلاميون بقوة في هذه الانتخابات، وجاءت النتيجة مخيبة لآمال القوى الليبرالية. وقد أرجع الكثير من الإسلاميين هذا الفوز للأسباب التالية: - حملات التشكيك والهجوم المستمر من قبل الليبراليين وعملية التشويه المستمر ووضع العقبات والعراقيل أمام التجربة الإسلامية.. الأمر الذي أحدث ردة فعل غاضبة لدى الشارع العربي الثائر، والذي فسّر هذا الهجوم من قبل هذه القوى بالانهزامية والفشل الذريع الذي لحق بهم وخروجهم من المشهد السياسي بشكل مخزٍ للغاية، ومن ثم غياب الفكر الليبرالي وتواريه أمام المشهد الثوري العربي. - فشل الليبراليين وتجربتهم خلال العقود الماضية في حكم العديد من البلدان التي طالتها رياح التغيير، الأمر الذي جعل الكثير من المراقبين يصلون إلى قناعة أن هذا الزمن ليس زمانهم، وأن هذه الأجواء لا يستطيعون العيش فيها، خاصة وأنهم تربوا في أحضان القمع والديكتاتورية. يجب أن نعترف كمراقبين محايدين بقدرة هذا المارد الذي استطاع أن يصل إلى السلطة في وسط تنافسي محموم مع كل القوى على الساحة، وفي ظل مناخ ديمقراطي حقيقي صنعته ثورات الربيع العربي؛ فلأول مرة تخرج الشعوب وهي واثقة بأهمية خروجها وأهمية الأصوات التي سيدلون بها. نعم استطاع التيار الإسلامي الوسطي أن يلفت أنظار العالم إليه وإلى تجربته، والكل يترقب قدرة هذا التيار على إدارة المرحلة القادمة، ومن ثم إزالة الصورة النمطية المشوّهة التي لصقت بهم. المجال اليوم مفتوحاً أكثر من أي وقت مضى في تقديم هذا التيار لنفسه كبديل عن الآخر.. وفي تقديم خطاب وسطي يلامس هموم ومشاكل الجماهير، وفي تقديم نموذج ناجح خاصة في ظل هذا المناخ الذي تعيشه هذه الأحزاب، والذي لم يتوفر لها من قبل. نعم الإسلاميون يعيشون تجربة حديثة من نوعها لم يسبق لهم أن عاشوها من قبل، وبالتالي يجب أن يدركوا حجم هذه المسؤولية، وأن يعيشوا أيضاً هاجس الفشل الذي يمكن أن يلحق بهم، خاصة وأن هذه النجاحات التي تحققت لهم لم ترض الخصوم، ومن ثم فسيحاولون جاهدين إفشال هذه التجربة. يتوجب على الإسلاميين تحويل شعاراتهم إلى واقع ملموس سواء في جانب العدالة الاجتماعية، أو تحقيق التنمية، وتطبيق مفهوم التداول السلمي للسلطة، وحماية الحريات، ومعالجة مشاكل الناس اليومية، ومواجهة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة. أمام هذا الواقع الذي لا نستطيع تجاوزه.. وأمام عدم وجود قوى أخرى تمتلك نفس الزخم ونفس الرؤية التي يمتلكها التيار الإسلامي.. وأمام هذه الرغبة الجانحة للشعوب التواقة للتغيير وللحرية والعدالة.. وأمام الرغبة التي وصلت إليها القوى الغربية في ضرورة التصالح والتوافق مع القوى الإسلامية في المنطقة العربية، وتقديم الفرصة لها لتقديم تجربتها.. يجرنا كل هذا الواقع إلى ضرورة الإجابة على السؤال المطروح سابقاً: هل ستنجح التجربة الإسلامية في المرحلة القادمة؟ أعتقد أن أي منصف وقارئ للواقع سيقول: نعم ستنجح التجربة الإسلامية!! وخاصة حينما ندرك أن الشارع العربي معهم ويقف إلى جانبهم.. ستنجح التجربة؛ لأنها استطاعت أن تقدم نماذج ناجحة خلال الفترات الماضية في النقابات والجمعيات والمؤسسات الخيرية العامة منها والخاصة، والتي فشلت الكثير من الدول في إدارتها.. ستنجح التجربة الإسلامية؛ لأنها استطاعت أن تقود الشارع وتصل إلى كل أفراد الشعب وتقنعه بفشل الأنظمة التي تحكمه.. سينجح الإسلاميون في تجربتهم؛ لأنهم من أكثر التنظيمات والأحزاب التي عاشت حالات نضال مع الشعوب لأكثر من نصف قرن تعرضت من خلالها للظلم والقهر والاعتقال والاضطهاد.. وقد علمتهم هذه المحن الشيء الكثير. سينجح الإسلاميون وستنجح تجربتهم؛ لأنهم من أكثر التنظيمات والتيارات التي تمتلك قدرات وكوادر بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على تقديم نماذج ناجحة في كل الميادين. ستنجح التجربة الإسلامية؛ لأنها الوحيدة التي تمتلك رؤية ومشروعاً ورسالة تناضل من أجلها منذ عقود من الزمن. نجح الإسلاميون في تغيير الصورة الذهنية لدى الغرب عنهم وعن عدالة قضيتهم، وسموا أهدافهم على عكس الصورة التي كانت ترسم عنهم، وبالتالي فسينجحون في إقناع الغرب بهم كبديل وشريك حقيقي في إعادة الأمن والاستقرار للمنطقة. لهذه الأسباب وغيرها أرى أن هذه التجربة هي المؤهلة في المرحلة القادمة.. قد نتفق أو نختلف في وجهات النظر لكن هذا ما أقرأه حتى اللحظة. نقلا عن الجمهورية