رغم أن مخطط الانقلاب العسكري في مصر حرص على توفير بعض الديكورات المدنية لكي يعزز أكذوبة أنه ثورة مدنية وليس انقلابا عسكريا؛ إلا أن الممارسات المتتالية من قبل العسكر فشلت إلا في أن تضفي عليه كل سمات الانقلابات الأسوأ في التاريخ الإنساني.. فبعد اغتصاب السلطة، وتعطيل الدستور، وسلسلة المذابح العلنية التي جرت وقائعها على الهواء مباشرة؛ جاء دور الممارسات البوليسية للأجهزة الاستخباراتية المصرية في تلفيق الاتهامات للمعارضين، وأولها كالعادة: العمالة لدول خارجية.. أو التخابر مع جهات أجنبية؛ لأن هذا المصطلح يسمح بمحاكمة أي إنسان أو جهة بتهمة التخابر حتى لو أدلى بتصريحات لقناة تلفزيونية أو شارك في ندوة معارضا للانقلاب العسكري. ولأنها سلطة انقلابية فالقضاء الفاسد جاهز لإصدار أحكام الحبس الاحتياطي المرة تلو المرة بغض النظر عن وجود أساس قانوني لذلك؛ فضلا عن صحة الاتهامات الموجهة.. المهم حبس المعارضين، وتجريدهم من حقوقهم الإنسانية والسياسية! آخر سلسلة الإجراءات الانقلابية؛ شن حملات إعلامية شرسة لاستباحة أعراض ودماء شخصيات سياسية وعلمية وصحفية رافضة للانقلاب العسكري بالكلمة فقط.. ولأن سلطة الانقلاب المصري هي نسخة متخلفة مهترئة لمخلفات نظام عسكري عمره 60 سنة؛ فقد كان لا بد أن ترتكب فضائح من النوع الثقيل تكشف عن النوعيات المتخلفة التي تقف وراء الانقلاب وتؤيده.. فاتهام رئيس جمهورية من قبل مساعديه بأنه يتخابر مع جهة أجنبية أمر مضحك وخاصة عندما تكون هذه الجهة دولة صغيرة مثل قطر مساحتها أقل بكثير من مساحة مجموع معسكرات الجيش المصري.. أو أن تكون الجهة المتهم الرئيس بالتخابر معها هي حركة حماس، وهي تنظيم سياسي يحكم مساحة من الأرض قدرها 40 كيلو متر مربع، ومحاصرة: برا وبحرا وجوا.. وقيادات حماس نفسها لا تستطيع الخروج أو الدخول إلى غزة إلا بإذن الأمن المصري الذي يشارك في حصار غزة، ويتحكم في دخول البشر، والحيوانات، ودواء الصداع، وحفاظات البامبرز، وأدوات التجميل النسائي.. ومع كل ذلك يتهم رئيس مصر بأنه عميل يتخابر مع حماس؟ الجنون الانقلابي المصري الغبي بلغ مستويات غير معهودة فالرئيس الأمريكي أوباما اتهم بأنه عميل.. أمريكي! وشقيقه متهم بأنه أحد قادة التنظيم الدولي للإخوان! والدكتور يوسف القرضاوي والأخت توكل كرمان متهمان بالتخابر والعمالة، ورفعت دعوى قضائية بذلك ضدهما مع 19 من أكبر علماء ومفكري وأساتذة العلوم السياسية والصحفيين المصريين.. والخشية الآن أن يكون اتهام القرضاوي بالتخابر مع دولة قطر (حتى ولو كان يحمل جنسيتها، ويعيش فيها منذ الستينيات).. وتتهم توكل بالتخابر مع حزب الإصلاح اليمني.. والعمالة لليمن.. أما بقية المتهمين المصريين فالمؤكد أنهم سوف يواجهون تهمة العمالة لمحافظة.. الجيزة بوصفها من أكثر المحافظات المصرية تأييدا للإخوان وحماسة ضد الانقلاب العسكري.. وعلى المنوال نفسه فإن أكثر تهمة حظا ضد الإخوان هو اتهامهم بالعمالة.. للإمامين الشافعي وأبي حنيفة بوصفهما أجنبيين وليسا مصريين ومع ذلك فمعظم المصريين –ومنهم الإخوان بالضرورة- منتمون للمذهبين الشافعي والحنفي! الكوسة المصرية الشهيرة ظهرت في نوعية التهم الموجهة للرافضين للانقلاب؛ فقد وجهت تهم ضدهم بأنهم يعملون على قلب نظام الحكم.. وإذا لم يكن رجال الانقلاب مصابين بالزهايمر فمن السهل تذكيرهم بأنهم هم الذين انقلبوا –وليس فقط خططوا- على نظام الحكم القائم في مصر المحروسة برئاسة د. مرسي! جنون العسكر لم يوقر حتى الذين شاركوا معهم في التخطيط وتنفيذ الانقلاب العسكري؛ فالذين أفزعتهم المذابح المتتالية مثل البرادعي صاروا عملاء ومتهمين بأنهم إخوان! وقريبا سيحاكمون بتهمة خيانة الأمانة، وهي تهمة سهلة يمكن دحضها بأن يطلب البرادعي شهادة قادة الجيش والأمن المصري، وباليمني يناشدهما في المحكمة: قلدكم الله.. الانقلاب مش هو كمان خيانة للأمانة وإلا أنا غلطان؟ يا رضا.. الماما والبابا! في مصر المنكوبة بالانقلاب العسكري؛ تشن وسائل الإعلام الموالية للسلطة حملات شرسة ضد الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس بسبب رفضها للانقلاب؛ بل لأنها تعارض على خفيف حملات القمع والمجازر التي تجري في مصر منذ الانقلاب! ولأن أمريكا في قاهرة مبارك هي ماما وبابا رسميا ومنذ 30 سنة على الأقل؛ فالاتهام يبدو نوعا من العقوق السياسي بامتياز.. ويصير نكتة سياسية من دولة كانت أمريكا هي بعبع رئيسها حتى كانت أشهر عباراته الفخيمة هي: (دي أمريكا يا ابني!) التي يقولها في وجه أي دعوة لمعارضتها أو رفض سياساتها في وطننا العربي المؤيدة للصهيونية والمعادية للشعب الفلسطيني! وبسبب عقيدة برّ ماما وبابا أمريكا هذه داس نظام مبارك وأتباعه عديدا من القيم الوطنية والقومية والإسلامية، وقطعوا أواصر الرحم الأخرى وقتلوا إن كان في ذلك رضا الماما والبابا.. المهم: رضا الوالدين! وكان الحج إلى البيت الأبيض مرة في العام على الأقل فريضة مباركية، وعندما قال أوباما في ذروة الثورة الشعبية المصرية: يجب على مبارك أن يستقيل فورا وليس عند انتهاء فترته بعد ستة أشهر.. يومها رضح الولد البار لأمر مامته وباباه.. وقرر تنحيه عن السلطة مطمئنا أن برهما مقدم على الرئاسة، وأنهما يفهمان أكثر منه، ولا يفعلان إلا ما هو في مصلحته.. وسبحان الله: تأكد أن طاعة الوالدين فيها الفائدة.. فها هو نظام مبارك يعاد إنتاجه من جديد، والذي قتل المصريين حر في بيته باسم الإقامة الجبرية، وأحكام البراءة تتوالى في حقه وحق أعوانه.. والذين قادوا الثورة ضده إما مقتولين.. وإما في السجون.. وإما مطاردين تلاحقهم أعتى أجهزة الإعلام بالأكاذيب والاتهامات.. وكله بسبب: برّ الماما والبابا! من الواضح أن الذين لا يعلمون فوائد بر الماما والبابا بالغوا في شرشحة أمريكا في الإعلام المصري.. وصحيح أن أمريكا لا يضرها أن تسمح لعملائها بالتظاهر بعداوتها، وترديد أخطر الشعارات الثورية وأكثرها تطرفا في نزعتها الوطنية والقومية طالما أن ذلك لا يؤثر على مصالحها، وينفع في صرف العين عنهم.. لكن المبالغة في مسرحية (طز في أمريكا ومساعداتها) صارت مقرفة ونكتة قديمة، وتدل على عقوق الذين لا يفهمون في السياسة ولا في الطب.. وفي حالة مقارنة الموقف الأمريكي تجاه المذابح المؤكدة التي جرت في مصر تحت حكم العسكر وعلى الهواء مباشرة؛ وبين موقفها من مذبحة السلاح الكيمياوي في سوريا فسوف يكتشف المهرجون في الإعلام المصري فائدة عدم رفع الصوت فضلا عن الشتائم في وجه.. مامتهم أمريكا! الإعلام المصري هو أبو هذه السياسة الغبية التي تتهم كل خصم بأنه خائن للوطن ولو كان من أبطال الوطن وثوراته.. وتتهمه بأنه عميل للصهاينة ولو كان من الذين قاتلوا في فلسطين، وعميل لبريطانيا ولو كان ممن جاهدوا في القناة، وعميل لأمريكا ولو كان كاتب الاتهام أحد المؤيدين لأمريكا جهارا نهارا من زمن السادات.. وتتهمه بالعمالة للسعودية وحتى ولو كان شيعيا مؤيدا لإيران! وحتى الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بللا قاد ثورة المليون شهيد لم يسلم من تهمة الخيانة في إعلام سلطة الانقلاب الجزائري بقيادة هواري بو مدين.وفي اليمن اتهم في الستينيات أحد رجال ثورة سبتمبر البارزين العميد محمد الرعيني بأنه عميل لإسرائيل، وقتل بخسة وتم سحل جثته في شوارع صنعاء، وهو الذي تولى منصب نائب رئيس الجمهورية، وقاتل دفاعا عن الثورة.. وغيره كثيرون في شمال اليمن وجنوبه اتهموا بالعمالة لدول خارجية بما فيها.. باكستان عندما كانت دولة فقيرة غارقة في الفيضانات! وما زلنا نتذكر كيف اتهم الرئيس المخلوع علي صالح ثورة الشباب والشعب ضده بأنها عميلة وتدار من غرف عمليات سرية في تل أبيب وواشنطن.. لكن شخصا ما سعل بشدة عندما سمع الزعيم يتهم أمريكا بالتآمر ضده، وربما همس في أذنه: ما تركبش يا فندم.. خليك في إسرائيل بس! حتى السكرتير الصحفي إياه فقد بوصلته يوم حادثة التفجير في مسجد الرئاسة، وتغلبت عليه تربيته الشيوعية في بلغاريا وعدن واتهم أمريكا بأنها وراء الحادث.. ولا بد أن (فندم) فاهم كل حاجة قرص أذن الرفيق وهو يقول: شلوك الجن.. من فين جابوك يا مدبر؟ ما حصلتش إلا أمريكا تتهمها؟ وسبحان الله فرغم غرفة العمليات والإصرار المؤتمري على أن الربيع العربي صناعة أمريكية؛ إلا أن الزعيم سافر آمنا مطمئنا للعلاج في أمريكا وهو يقول: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى .. ربنا لمنقلبون! اتهام.. بشع! تهم الخيانة والعمالة المتداولة، وحتى تهم الفساد والفشل وتخريب البلاد الموجهة للمؤتمر الشعبي العام يمكن أن يحتملها القوم؛ لكن أن يتهموا على لسان أكاديمي متعاطف معهم بأنهم (حزب مدني) فهذا الذي مش ممكن أبدا.. ولا يجوز السكوت عليه! آخر زمن.. انهارت فيه الأخلاق والقيم حتى صار المنافقون يتهمون المؤتمر الشعبي العام بأنه حزب مدني.. وغير بعيد أن نسمع من يتهمه أيضا بأنه حزب ديمقراطي، ويؤمن بالتداول السلمي للسلطة! غير المفهوم في هذه الشتيمة؛ هو كيف خطر ببال صاحبها (عامله الله بما يستحق) أن حزبا العسكر والأمنيون من كل نوع فيه أكثر من أوامر الصرف اليومية في دوائره المالية، وأكثر من عدد السلاح الذي نهبه قادة الحزب ووردوه لقراهم ليوم عسكري لا ريب فيه.. وهو الحزب اليمني الوحيد الذي أيد جميع الأنظمة البوليسية التي أطاح بها الربيع العربي.. وبعد كل ذلك يتهم في بوليسيته وعسكريته ويقال له: يا حزب يا مدني!
حمّى على الشهادات والتعليم المغشوش الذي يجعل أصحابه يتهمون حزبا مدججا بكل أنواع السلاح الثقيل والألوية والكتائب، وناهبا لخزائن الدولة بالريال والدولار واليورو، ومالكا لأكبر وأسوأ المليشيات البلطجية.. يتهمونه بأنه حزب مدني! يا خسارة العيش والملح والكبدة والكلاوي! يا شباب اليمن! أخشى أن يكو مصير الدعوة لتمكين الشباب في اليمن مشابها لما حدث في مصر بعد الانقلاب العسكري. حيث وعد قائد الانقلاب العسكري في مصر في خطبة الانقلاب بتمكين الشباب، وكان أن أطيح بأصغر رئيس وزراء مصري، وبحكومة كان للشباب نصيب بارز فيها، وجيء بحكومة سماها المصريون: حكومة المتقاعدين الذين بلغوا أحد الأجلين.. وإن كان رئيس الوزراء للأمانة لا ينطبق عليه هذا الوصف لأنه ممن بلغ كل.. الآجال! في اليمن لدينا دعوة لتمكين الشباب مغموسة في المكر والأبلسة، والحق أنها هي ليست جديدة فقد كان الزميل المبدع أحمد الشرعبي هو مفجر هذه الدعوة زمان أيام كان بعيدا عن الأجلين، ولم يستجب له أحد حتى بلغ هو أحدهما أو كليهما، وما عادت تنفع دعوته أحدا.. واليوم يتشبث البعض بشرط الدعوة لتمكين الشباب للحصول على موافقته لأي عمل أو منصب! ولو كان صادقا لأعلن أنه لم يعد يصلح للعمل مع أبناء العقد السادس فضلا عن الشباب من مواليد السبعينيات؛ لأنه من جيل انقرض معظم أفراده لبلوغهم الأجلين، وأنه هو نفسه يستحي أن يوصف بالمتقاعد لكيلا يتهم بأنه: متصابي.. وأن العمل الوحيد المناسب له هو قراءة دريس يومي مجاني لمن يشاء على روح.. الدولة المدنية!