كم هو جميل وعظيم ورائع ذلك العطاء الكريم الذي يتسابق فيه أهل الخير أفراداً ومؤسسات وجمعيات في شهر رمضان وهنيئا للمحسنين الأجر الجزيل لأنهم يدخلون السرور على نفوس مكدودة ويرسمون البسمة على شفاة حزينة يمسحون دموع الأيتام والأرامل وقد وعدهم الله تعالى أن يخلف عليهم بخير ويكتب حسناتهم.. الفقراء موجودون طوال العام إلا أنهم يخرجون من مخابئهم في رمضان بحثا عن الصدقات يأتون من الأرياف ويتجمعون من الأحياء الفقيرة في المدن لا تخطئهم العين في الشوارع والمساجد والأسواق وفي أبواب المؤسسات والمحلات والجمعيات وما زال منهم كثيرون في بيوتهم «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا» وهذه الكثرة اللافتة من الفقراء لها حق على المجتمع ولها نصيب في المال العام إضافة إلى الزكاة التي فرضت لسد حاجة هؤلاء من دون منّ أو أذى، وهذا ما يدفعنا للتساؤل أين الزكاة التي تجمعها الدولة؟ وأين نصيب الفقراء منها؟ أم يكفي إنفاقها على مصرف العاملين عليها فقط؟ وحتى زكاة الفطر التي شرعت لأغنياء الفقراء يوم العيد تخصمها الدولة من الرواتب وتجمعها عبر عقال الحارات وأمناء المحلات والعدول في القرى لكنا لا نراها نهائيا في أيدي الفقراء لا يوم العيد ولا قبله ولا بعده. لا نفكر إخراج الدولة لجزءمن الزكاة حيث يرى الفقراء القاطرات والناقلات محملة بأكياس القمح والمواد الغذائية لكنها تتجه إلى مخازن ومنازل المتنفذين وبعض الوجهاء ثم يضرب عليها الحجاب ولا يرى منها الفقراء حتى الوجه والكفين، وفي النادر يتم صرف اليسير منها ولكن بالبطاقة الحزبية والانتخابية بطريقة ممجوجة ومقيته تدل على لؤم الطباع وعدم الشعور بالمسئولية مع التلذذ بمعاناة المحتاجين أي عمل أخرق هذا الذي نراه في حرمان الفقراء والمساكين من حقهم الذي فرض الله لهم وأي سلطة هذه التي تتخلى عن مسئولياتها وواجباتها ومن أعطاها حق تصنيف الصدقات إلى مصارف تخص الموالين لها وتمنعها ممن تعتقد أنهم يعارضونها أو لا يؤيدون سياساتها التي وسعت الفقر وزادت من معانات الناس. للدولة موارد كثيرة ومع ذلك فإنها لا تألو جهدا في التضييق على المكلفين بدفع الزكاة أن لا يسلموها إلا لها، ولأن الفقراء قد يئسوا من أن تصل عليهم عن طريق الدولة فإنهم يتجهون إلى المحسنين ليحصلوا على ما تجود به أنفسهم ألا تشعر الدولة أنها مسئولة عن مواطنيها وتوفير حاجاتهم ولقمة عيشهم الضرورية، وإذا لم تقم بهذه المهمة الأساسية فما مشروعية وجودها؟ والغريب أن نجد من ينصب نفسه حاجزاً دون وصول الصدقات إلى الفقراء والمساكين فهو لا يكتفي بحرمانهم من حقهم الذي وصل إلى يده، بل يشكك في نوايا المحسنين ولا يحض على طعام المسكين، ويشعر بالحسد والألم لأن جمعية خيرية أو محسنا هنا أو هناك تمكن من إيصال صدقة لمحتاج ولقمة إلى فم جائع... لنا أن نتساءل لماذا لا تمد الحكومة يدها للجمعيات الخيرية وتعطيها من أموال الزكاة وتعقد معها شراكة لتقديم المساعدات وصرف الزكوات ولها حينذاك أن تشدد الرقابة وتتأكد من وصول الصدقات إلى مستحقيها، ولماذا تتحسس من قيام منظمات المجتمع المدني بشيء من الواجب؟ أيها المسئولون «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» قوموا بواجبكم وشجعوا الناس على فعل الخير،» ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله» السلطة مسئولية وأمانة وليست هنجمة وحراسات مشددة وليست تعاليا فوق الناس أو سخرية بمعاناتهم وسنظل ندعو لكم حين تحسنون وعليكم حين تظلمون «اللهم من ولي من أمر عبادك شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمرهم شيئاً فرفق بهم فارفق به...»