المعبقي يكشف عن اجراءات نقل مقرات البنوك إلى عدن وكيف ستتعامل مع فروعها في مناطق سلطة صنعاء    ذمار تضيق على نسائها    الجيش الإسرائيلي: اعترضنا 95% من الصواريخ والمسيرات الإيرانية    صنعاء تعلن مبادرة فتح طريق عقبة القنذع بشبوع    عرس جماعي ل 58 عريسا وعروس في البيضاء    خيانة عظمى.. علي ناصر محمد يتباهى بمنع انضمام الجنوب لمجلس التعاون الخليجي    عمال قطاع S2 العقلة شبوة يهددون بوقف شحن النفط لكهرباء الرئيس ويحملون وزارة النفط المسئولية    من عدن إلى الضمير العالمي    تعادل إيجايي بين السهام والصحة في بطولة البراعم لأندية تعز    السيد القائد: عملياتنا مستمرة .. وحظر الملاحة مسيطر عليه بشكل تام    فعاليتان للإصلاحية المركزية ومركز الحجز الاحتياطي بإب بيوم الولاية    السيد القائد: مع كل الوحشية الإسرائيلية لا يزال في غزة صمود عظيم    ترتيبات لإنشاء محطتي كهرباء في اب بقدرة 5.5 ميجاوات    الموضوع الأهم من "وقف إطلاق النار" لترامب في الحرب بين إيران والكيان الصهيوني؟    جماعة الإخوان الوجه الحقيقي للفوضى والتطرف.. مقاولو خراب وتشييد مقابر    صنعاء .. اعلان نتيجة اختبارات الشهادة الأساسية    في ذكرى رحيل هشام باشراحيل.. حين قاوم القلم عسكرة الحياة المدنية    مناقشة تنفيذ مشروع شبكة الصرف الصحي في مدينة البيضاء    الصين تنشر قائمة ب20دولة قصفتها أمريكا خلال 80 عاما    سامسونغ Samsung تصنع أجهزة جوالات للتجسس الإسرائيلي لمنطقة الشرق الأوسط    تصريحات بلا أثر.. ومواطن يئن تحت وطأة الجوع والانهيار    شبوة أبتليت بجار السوء.. مأرب موطن القتلة والمجرمين وقاطعي الطرق    من يومياتي في أمريكا .. هنا أموت كل يوم    الارصاد يتوقع هطول امطار رعدية على مناطق واسعة من المرتفعات    كوستاريكا تقلب الطاولة على الدومينيكان    اليوم نتائج الشهادة الاساسية وهذه طريقة الحصول على النتيجة    كيف تواجه الأمة الإسلامية واقعها اليوم (2)    شكر الله سعيكم.. نريد حكومة كفاءات    انهيار متواصل للريال اليمني.. أسعار الصرف تواصل التدهور في عدن    إصابة 3 مواطنين إثر 4 صواعق رعدية بوصاب السافل    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    مباراة تاريخية للهلال أمام ريال مدريد    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    الحوثي والرهان الخاسر    اشتداد حدة التوتر بين مسلحين قبليين ومليشيا الحوثي في ذمار    مليشيا الحوثي تختطف عريساً قبل يوم واحد من زفافه    الصبر مختبر العظمة    اعتقال صحفي في محافظة حضرموت    الفريق السامعي: ما يحدث ل"إيران" ليس النهاية ومن لم يستيقظ اليوم سيتفاجأ بالسقوط    مواطنون يشكون منع النقاط الامنية ادخال الغاز إلى غرب محافظة الضالع    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    مدارج الحب    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    اغتيال الشخصية!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيباني : ذاكرة التاريخ ..
نشر في الصحوة نت يوم 26 - 12 - 2013

الأستاذ عبدالملك محمد مرشد الجندبي الشيباني؛ المؤرخ، الداعية المربي والكاتب، أحد الرواد الأوائل من أبناء الحركة الإسلامية اليمنية، عهدي به منذ أن عرفته خلوقاً، ودوداً، متواضعاً، لطيفاً، سهلاً، عصامياً، شهماً، مجاهداً، خفيف الظل صاحب طرفة ونكتة، موسوعة تاريخية، مخزناً للأمثال والحكم، ظللت أرجعُ إليه حين تلتبس عليّ حوادث وقضايا التاريخ القديم أو الحديث، فلا يبخل بالمعلومة الموثقة والتحليل الأمين، والرؤية الثاقبة.
عندما التقينا عام 1970م في دورة تدريبية للمعلمين في المدرسة الفنية بصنعاء، كان يضفي على أجواء الدراسة والسكن الدعابة والمرح، يرفع صوته بالأهازيج الشعبية التي يرددها المزارعون في مواسم البذر والحصاد، وينقلنا إلى أعماق الريف اليمني بصفائه ونقاء أهله، ويردد أقوال العجائز الفكاهية وزواملهن.
كان شاباً حراً أبياً، يكره الظلم ولا يقبل الانتقاص من الحقوق، وأثناء تلك الدورة زارنا الأستاذ أحمد جابر عفيف وزير التربية والتعليم، وألقى خطاباً تحدث فيه عن الإنجاز الذي حققه من زيارته لبعض الدول العربية، وما حصل عليه من مساعدات لنشر التعليم وتطويره في اليمن، وكان الدارسون يشكون من سؤ التغذية التي تقدم لهم وتأخر الحافز الشهري وقدره (ستون ريالاً، حوالي خمسة عشر دولاراً)، وعُرف الأستاذ أحمد جابر بالحزم والصرامة فلم يجرؤ أحد من المعلمين أن يطرح عليه الشكوى، فانبرىٰ الأخ عبد الملك يعرض معاناة المشاركين في الدورة ويطالب بتحسين أحوالهم مما أثار غضب الوزير الذي شعر أنه يحرض على الفوضىٰ والتمرد، فأمر بحبسه في سجن الرادع الذي كان مجرد ذكره يثير الرعب في النفوس، وقد تم إطلاقه بعد أيام، رحمه الله ورحم الأستاذ أحمد جابر.
بدأ عبدالملك الشيباني دراسته في عدن التي كانت قبلة للباحثين عن الرزق وطالبي العلم، وفيها التحق بالمعهد العلمي الذي كان يشرف عليه الشيخ محمد بن سالم البيحاني رحمه الله، ثم انتقل إلى تعز فأكمل فيها دراسته الثانوية، وحينها كان الصراع الفكري على أشده بين التيارات القومية واليسارية من جهة والتيار الإسلامي من جهة ثانية، وكان الأستاذ عبدالملك أحد الشباب القوميين المتحمسين ضد ما يعتبرونه فكراً رجعياً ومتخلفاً، لكن الشيباني بدأ في تغيير قناعاته بعد سماعه لمحاضرات الأستاذ عبده محمد المخلافي، تلك الشخصية الآسرة المؤثرة التي تجبر المستمع على الاقتناع والتسليم بأن من يحمل هذا الفكر الإسلامي الناصع، وذلك الحماس الوقّاد لا يمكن أن يكون عميلاً ولا رجعياً، ولا عدواً للعروبة، ولا خصماً للحرية والعدالة والمساواة.
يمم الأستاذ عبدالملك الشيباني وجهه صوب المركز الإسلامي في شارع 26 سبتمبر بتعز، المركز أسسه الأستاذ قاسم غالب أحمد أحد الثوار الأوائل، وهناك التقى فقيدنا عن قرب الأستاذ عبده المخلافي الذي كان رائداً لا يُشقّ له غبار، كما عرف الكثير من الأساتذة والعلماء، وتعرف على أقرانه من الشباب، وتفتحت له آفاق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعلم كيفية التخاطب مع الشباب بالتي هي أحسن، وأصبح أحد البارزين الذين يديرون ندوة المركز الأسبوعية التي تقام عصر كل جمعة، ووقتئذ كانت هي الحاضنة التي تقدم الزاد الفكري للشباب وترد على الشبهات المثارة ضد الإسلام ودعاته...
دخلنا معاً جامعة صنعاء عام 1973م، وكنا الدفعة الأولى بكلية التربية، وأغلبنا سبق له العمل في حقل التدريس، وكلٌ اختار التخصص الذي يرغب فيه: اللغة العربية - اللغة الإنجليزية - الفيزياء الكيمياء... أما هو فقد فضل الدراسة في قسم التاريخ، ولفت انتباهه الكم الهائل من الكيد والدسّ في كتابة التاريخ الإسلامي الذي سطره بعض الحاقدين على الإسلام وركزوا فيه على جانب الصراع السياسي والجوانب المعتمة من تاريخ أمتنا، ولم يظهروا جوانب النهضة والرقي والعلم والحضارة والعمران في العصور الإسلامية المتعاقبة، فزاد من عزمه على التعمق في قراءة التاريخ وسبر أغواره، وقد أبدع في ذلك أيما إبداع، ونفع الله به كثيراً.
أثناء دراستنا بالجامعة كنا مجموعة متجانسة، وتنَقّلْنا في عدة مساكن، وكان الأخ عبدالملك معنا محبوباً ولطيفاً ويتحمل شدتنا عليه، فقد كنا نشن الغارة على ماضغي القات، وهو من المداومين عليه، إضافة إلى شغفه بشرب الشاي بكثرة إلا إنه مع ذلك ينام نوماً عميقاً، ويؤدي واجباته ويذكر دروسه باهتمام، فلم يتخلف في سنة دراسية ولم يؤخر مادة إلى الدور الثاني، وكان هذا هو ديدن أغلب الطلاب في ذلك الزمان.
الأستاذ عبدالملك الشيباني من قلائل رواد الحركة الإسلامية الذين دوّنوا وكتبوا وقد صدر له سبعة عشر كتاباً منها: اليمن ومكانتها في القرآن والسنة، والعلم والعلماء، والظهور الإسلامي: فجرٌ دائم وشروقٌ مستمر، وشهيد القرآن، وفن الرحلات، ومسيرة الإصلاح، وكتاب تخريج أحاديث اليمن وأهله، ورجال الطبراني في الميزان، وقضايا ومناقشات تاريخية...الخ إضافة إلى مشاركته في تأليف الكتب المدرسية للمعاهد العلمية والتعليم العام ومعاهد المعلمين.
اقترحت عليه أن يكتب عموداً في صحيفة الصحوة الأسبوعية لتعم فوائده أكبر عدد من القراء، فتكرم واستجاب؛ وظل عموده (نفثات اليراع) معيناً نستقي من ينبوعه كل أسبوع ولأكثر من خمسة عشر سنة حتى وافاه الأجل المحتوم.
عرفنا الأستاذ عبدالملك الشيباني عالماً محققاً، ملبياً لنداء الواجب الدعوي في أي وقت، وفي أي منطقة، لا يمنعه سوى المرض أو السفر، طاف البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، تسمعه في حضرموت وتراه في عمران وتجده في الضالع وصنعاء والحديدة وعدن، ولا تفتقده في الرحلات والمناسبات واللقاءات العامة والخاصة، يلبي دعوات المراكز والجمعيات والطلاب في الخارج، فاتجه شرقاً وغرباً، يعلّم ويحاضر من الصين وهونج كونج إلى أوروبا وحتى أمريكا، وحُقَّ لمن عرفه أو سمع به أن يحرص على دعوته، فقد آتاه الله حكمة وموهبة في البيان والإقناع والإمتاع.
كان شديد الوطأة على كل من يسخر بالإسلام أو يشكك في شموله وكماله، أو من يستهزأ بالعلماء والدعاة إلى الله، وهنا ينثر كنانته مستخدماً الأمثال والقصص المعبرة التي تختزنها ذاكرته الحديدية، وقد تكون يمنية أو هندية أو صومالية أومن التراث الإنساني، يفتح ما يسميه (الكتاب المُشَنْتَحْ) للرد على شبهات المستهزئين والشامتين، فيفيض على مستمعيه البهجة والمتعة مع الفائدة والمعرفة، وتنزل كلماته صواعق تأتي على الباطل من قواعده.
كثيراً ما كان يعبر عن حزنه بسبب خمود ذكر علماء اليمن وكتابها وخطبائها، بينما من هم أقل منهم من الدول الأخرى مشهورون بكتبهم وكتيباتهم ودروسهم ومحاضراتهم، لعدم وجود المؤسسات الحاضنة والمشجعة لعلماء اليمن ومفكريها، وتقصير الدولة في تبني المبدعين ونشر إنتاجهم.
عمل الأستاذ عبدالملك مدرساً ومديراً لمدرسة الزبيري بتعز ثم موجهاً ورئيساً للجان تأليف كتب التاريخ والتربية الوطنية في المعاهد العلمية والتعليم العام، وفي الإطار التنظيمي كان أحد مؤسسي التجمع اليمني للإصلاح، وشغل موقع الأمين المساعد للمكتب التنفيذي بتعز، وعضواً في مجلس شورى الإصلاح، وفي المجال العام رأس تحرير صحيفة الإصلاح التي كانت تصدر من تعز في تسعينيات القرن الماضي، وعمل أميناً عاماً لرابطة (طيف) الأدبية.
عاش الشيباني حياته مجاهداً بلسانه وقلمه، وكان شغوفاً بالقراءة، لا يفارقه الكتاب في حله وترحاله؛ بل هو متعته وسلواه، أما المنابر والمحافل فقد عرفته متحدثاً لبقاً مؤثراً صاحب حجة وبيان، إلا إنه كان يفضل البقاء في الظل جندياً مجهولاً، لا يتطلع للمناصب ولا يبحث عن الصدارة وهو المستحق لها عن جدارة، عاش على الكفاف، عفيفاً طاهر اليد، ابتلي بعدة أمراض منذ أكثر من عشرين عاماً، ومع ذلك ظل صابراً محتسباً، وعلى الرغم من كثرة اجتماعي به وجلوسي معه، إلا إنه لم يذكر لي مرضه ولم يشكو من تدهور صحته، ولا تراه إلا مبتسماً بشوشاً، يفيض عليك من أخلاقه ودعابته، يبعث الأمل في النفوس، ويحث على التفاؤل ويؤكد بأن الخير والحق منتصر لا محالة، بينما كان في داخله يعتصر ألماً على حال الإسلام وتفرق المسلمين وضعفهم.
في بني شيبة الحجرية محافظة تعز عام 1952م ولد الأستاذ عبدالملك بن محمد مرشد الشيباني، وكانت وفاته في مدينة تعز يوم الأربعاء 2013/12/18م، وشيع جثمانه إلى مقبرة الأُجينات جوار مدرسة الزبيري التي درس فيها وكان مديراً لها وفي موكب جنائزي مهيب ووسط حزن عميق، تجلله دعوات كل من أحبه داخل اليمن وخارجها.
رحمك الله أيها الأخ المجاهد الكريم، فخسارتنا فيك لا تعوض، أسأل الله أن يكرم نزلك ويوسع مدخلك ويرفع قدرك، ويجزيك بالإحسان إحساناً وبالسيئات عفواً ومغفرة ورضواناً، وأن يجمعنا بك في جنات النعيم، والعزاء والمواساة والصبر لأهلك الكرام وأولادك وبناتك وجميع أحبابك، نسأل الله أن يخلفك عليهم بأحسن خلافة. " إنا لله وإنا إليه راجعون "
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.