الشائعات تسعى للإرجاف ونشر الخوف وصناعة القلق في المجتمع، وفي حال صدّقها الناس تحدث البلبلة والاضطراب وسوء الظن، وربما اشتعلت بسببها حروب ونشبت معارك بين إخوة الدين والوطن؛ تقطّع أرحامهم وتوهن قوتهم وتذهب ريحهم وتبدد مواردهم!! في الغالب تصدر الشائعة من شخص أو جهة متخفّية، وتنتقل وتنتشر كالنار في الهشيم، ولا يسأل الناس عن مصدرها إلا بعد أن تفعل فعلها في هدم الأسر وتمزيق المجتمع وإثارة الفوضى وإحداث الأزمات، وعندما يتوقف عاقل ليتأكد من مصدر الشائعة فلن يجد سوى (قالوا، وزعموا، وبلغني، وسمعت، وتحدثوا، ونشروا... )، وبئس مطية الرجل: "زعموا، و" كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع!" الأمن والخوف مرتبط بما تنقله وسائل الإعلام قديماً وحديثاً، وقد بيّن الله بأن المنافقين هم من ينشر الأخبار التي تكدّر صفو المجتمع وتبث الرعب وتبعث على القلق، قال الله تعالى: " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ "، ولم يسلم من الشائعة حتى بيت النبوة فاتهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عرضه، وعاش مع المسلمين أياماً عصيبة، حتى نزلت براءة أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - من السماء قرآناً يتلىٰ إلى يوم القيامة! تعدد وتنوع وسائل الإعلام اليوم ساعد على سرعة انتشار الشائعات، التي زاحمت الحقيقة، وصارت حاضرة في القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإخبارية، وعلى الفيسبوك والواتس آب... وكادت أن تكون حديث المجالس والملتقيات، ومن المؤسف أن تنحدر بعض الجهات السياسية لتجعل من الشائعة برنامجها ومشروعها الذي تسوّق به نفسها وتنال به من خصومها، ولا تبالي بسرعة انكشاف أمرها لأن حبل الكذب قصير!! زادت هذه الأيام وتيرة الإرجاف المعتمد على الشائعة والكذب واختراع حوادث لا أساس لها، ونقل أخبار لم تحدث، ونشر أقوال لم يتفْوّه بها من تنسب إليهم، ومع أن المنطق لا يساعد على التصديق بكل ذلك، إلا أن كثيراً من ذوي النوايا الحسنة ينشرون هذه الأراجيف والشائعات على سبيل الاستفسار عن صحتها، أو إظهار الامتعاض منها، أو الاحتجاج عليها، وهؤلاء يزيدون الطين بَلّة ويعملون على توسيع مساحة المتأثرين والمصدّقين لهذا الإرجاف. الفترة الماضية تأخر توفر الديزل في المحطات فنزلت الشائعات بأن الحكومة تنوي رفع سعر المشتقات النفطية، وارتفعت أصوات تطالب برفع السعر وتوفير الديزل، بعضها بحسن نية والبعض الآخر يبحث عن مبرر للفوضىٰ، وعندما تحدث وزير المالية عن الصعوبات المالية التي تواجه الحكومة، وقال بأن هناك خيارات لمواجهة هذه الصعوبات وطلب مجلس النواب من الحكومة وضع مقترحات تحل المشكلة ولا تحمل المواطن تبعات إضافية لم يعُد بإمكاناته تحمّلها؛ فإذا بحملات الإرجاف تطلق الأكاذيب وتنشر البلبلة وتصنع القلق، وأخذت بعض القنوات تغني للفتنة وتوزع التّهم على من تختلف معهم - ومنهم الإصلاح - الذي كان ضد الجرعات السعرية وسيظل مع المواطن ولو أدى لخروجه من الحكومة ليترك للأغلبية ارتكاب هذا الجرم الذي تولت كِبْرَه مرات عديدة، ومع أن وزارة النفط ورئاسة الوزراء نَفَتَا أي توجه لرفع أسعار المشتقات النفطية، فمازال المرجفون مصرّين على شائعاتهم على طريقة (اكذب..اكذب حتى يصدقك الناس!!) هناك مطابخ تنتج الشائعات، تخرجها فطيرة غير ناضجة، وقد تحاول إتقان إخراجها وما يلبث أن ينكشف عوارٰها؛ وقد وصلتني الأسبوع الماضي رسائل واتصالات تسأل عن صحة قائمة متهمة بالإرهاب ممنوعة من دخول المملكة العربية السعودية، والقائمة شملت جميع رؤساء مكاتب الإصلاح في المحافظات ولم يَتَنَبّه المصدر بأن سقطرى أصبحت محافظة فلم يذكروا رئيس الإصلاح فيها، وغاب عنهم أن بعض من ذكروهم أخذوا للتوّ تأشيرة العمرة، وإذا كانت الشائعة بضاعة المفلسين فليس من المنطق أن يصدّقها العقلاء الذين يجب أن يتثبّتوا من صحتها ومصدرها ولا يساعدوا على نشرها. وفي كل الأحوال يجب أن لا تهتزّ ثقتنا بالله تعالىٰ صاحب الخلق والأمر، وأن لا نفقد ثقتنا بأنفسنا وبخيرية شعبنا الذي يحتاج اليوم إلى السكينة والطمأنينة ليتجه نحو العمل والإنتاج ويتجاوز الوضع الراهن والمرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد لينتقل إلى أفياء الأمن والاستقرار والبناء... [email protected]