تعز محافظة منكوبة.. عبارة تجاوزتها الكارثة لتصبح توصيفا ناعما لصورة موغلة المأساة ظلالها وألوانها إن لم تكن دماء وأشلاء فنزوح وتشرد وافتقار لأدنى مقومات العيش الكريم في بلاد كل ذنبها أنّها أبت إلا أن تعليَ من قيم الحرية والكرامة وأن تعيش هذه القيم واقعا حقيقيا لا شعرات جوفاء، وإن دفعت في سبيل ذلك ضريبة كبيرة.. فتلك شيمة العظماء. وعلى امتداد أفقها.. تمتد المأساة.. قلوبا مكلومة.. وقوافل عائدين.. ومخيمات نازحين.. وأطفالا ذاهلين تستقبلهم العزل والقرى من كل المحافظاتاليمنية تقريبا، ولأن المصائب يجمعن المصابينا فقد أصبح الجرح واحدا، وإن اختلفت مسمياته، وتعددت توصيفاته.. ولنا أن نقف على طرف من معاناة تعز.. المحافظة المقاومة لنطّلع عبر تغطيتنا لإحدى برامج مؤسسة التواصل للتنمية الإنسانية على حجم المعاناة التي يتكبدها أبناء تعز في ثمان مديريات، هي: جبل حبشي- مقبنة- الشمايتين- المخا- موزع- المواسط- شرعب السلام- المعافر. يحاول صلاح الدين نعمان ضابط التوعية والتثقيف في مشروع (الدعم في حالة الطوارئ) الذي تنفذه مؤسسة التواصل، وبدعم من منظمة اليونسيف في المديريات المذكورة؛ يحاول توصيف واقع هذه المديريات، فتبدو لغته حزينة مثقلة بكلمات مثل: النكبة- الكارثة- المأساة- الوضع المهول. ويؤكد نعمان أنَّ تعز الحاضرة في أجهزة الإعلام بسالة وشجاعة ومقاومة تكاد تكون غائبها في شقها المأساوي عن المنظمات الحقوقية والإغاثية اليمنية منها والدولية، مشيرا إلى واقع ماثل في هذه المحافظة يتّسع في مطالبه الإغاثية لعمل مئات المنظمات، وأن المطالب الملحة هي في حقيقتها تشبث بأدنى ضروريات الحياة من لقمة كريمة، وشربة ماء نظيفة، لا كماليات يمكن الاستغناء عنها أو تأجيلها إلى وقت آخر. مشروع (الدعم في حالة الطوارئ).. يستهدف ألفي أسرة في هذه المديريات، ويحاول عبر برامج متنوعة أن يلبي متطلبات اللحظة لمخيمات النازحين، وخاصة في الجانب التوعوي والصحي، ويحمل في أدبياته أهدافا نبيلة، ستعمل في حالة تحقيقها على تخفيف جزء كبير من المأساة.. غير أنَّ صعابا شتى يفرزها واقع الحرب تقف دون تحقيق هذه الأهداف، بل وفي تأجيل المشروع لأكثر من مرة، مؤكدا أن ثمة من يعمل في إدارة حرب أخرى خفية على المحافظة تُدار من قبل قوى شريرة تستهدف كل بوادر العمل الخيري، إعاقة وتثبيطا، ومنعا وتقييدا، مما جعل العمل الخيري غاية دونها خرط القتاد، وفي مقابل ذلك يؤكد نعمان أن تزايد أعداد النازحين يفوق التوقعات، ويلغي تلك البرامج والاستراتيجيات التي سبق وضعها، ليصبح تطويرها وتوسعتها أمرا ملحا ينبغي أن يتظافر في تحقيقه وتنفيذه كل القوى الخيرة داخل اليمن وخارجها، مشيرا إلى أن إمكانيات المشروع في الفترة الحالية لا تلبي أكثر من عشرين في المائة من احتياجات هذه المديريات بمآسيها المتنامية. وبجانب الخدمات العينية التي يقدمها (الدعم في حالة الطوارئ) يقدم المشروع أيضا خدمات تثقيفية، ومسرحيات توعوية، غير أن هذه الخدمات بشقيها الخدمي والتوعوي -كما يقول نعمان- ليس إلا جهدا بسيطا أمام سيل جارف من معاناة، يبرز فيها سوء التغذية، واكتضاض مراكز الإيواء بالنازحين، والمياه الملوثة، والأمراض الفتاكة، وخاصة حمى الضنك التي غزت مخيمات النازحين المختلفة، إضافة إلى الأوضاع الأمنية المتفاقمة، والتي انعكس على تعثر الحوالات المالية، وصعوبة استقدام المواد العينية من مدينة تعز، إضافة إلى أزمة المشتقات النفطية والتي عصفت بالمحافظة وأصابتها بمقتل في مختلف مناشطها الإنسانية والاقتصادية. نعمان يؤكد للصحوة نت أنَّ عشرات الأسر في هذه المخيمات المختلفة تعيش واقعا جد مؤسف، وحالة فقر حقيقية، تتجلى في عوز غذائي وصحي، من جهة، وفي واقع نفسي محزن، خاصة وأن بعض هذه الأسر قد فقدت بعض أفرادها قتلى، ومعاقين، وجرحى... ولا يزال للمأساة بقية. وتظهر الساحة ملأى بالمأساة في إطار هذه المديريات، لكنها في ذات الوقت خالية أو تكاد من الجهود الإغاثيىة، مما ينذر –بحسب نعمان- بكارثة إنسانية حقيقية، ومالم تتنادَ مؤسسات المجتمع المدني والميسورون الخيرون إلى تلبية هذه الضرورة الإنسانية الملحة فإن عواقب وخيمة ستئول إليها هذه المخيمات. وفي الختام ينبغي الإشارة إلى أن العمل الخيريِ لا في محافظة تعز، وإنما في كل المحافظات المنكوبة بهذا الداء العضال يصبح ساحة إسهام نبيل، يجب على كل القادرين – بمختلف درجة قدرتهم- أن يكون لهم دوره في التخفيف من هذه المعانات التي طالت أسرا يمنية عزيزة، وألقت بها في براثن الفقر والعوز والحاجة، وهو مسعى نبيل ينبغي أن يصبح هما يوميا حاضرا، لا تنسيه مجريات الحرب.. هكذا يختتم نعمان تصريحه للصحوة نت.