ستظل مصر قلب الأمة العربية النابض، يتدفق منه شريان الثورة، ينطلق فيسحب معه قطار التغيير، فثوراتها لا تقف عند حدودها الجغرافية بل تنداح لتصل إلى كل أنحاء العالم العربي، وها هي اليوم تنتفض وتعلن تمردها على الاستبداد والقهر والظلم، كالسيل الهادر، خرجت جماهير الشعب المصري- بكل ألوان الطيف- في القاهرة والسويس والإسكندرية والمحلة الكبرى والمنصورة وغيرها من المدن، هتفت بصوت واحد يسقط الاستبداد والطغيان فالشعب يريد إسقاط النظام الذي جرعه الويلات، والشعب يتطلع لحياة حرة وكريمة، ولم يعد يحتمل السياسات التي جعلته تابعا بعد أن كان قائدا.. خرج المصريون بالملايين، لم يقلقوا الأمن، لم ينهبوا الممتلكات العامة والخاصة، لم يعبثوا بالمرافق، ومن فعل ذلك كان محصورا في أجهزة الأمن والقمع التي تم إعدادها لتعيث في الأرض الفساد، وتحت فزاعة الأمن يحرص المستبدون على تخويف الشعوب من التغيير، وإقناعها لتستسلم للأمر الواقع وتخضع لنظام الفساد والطغيان.. "كسر المصريون حاجز الخوف، وظهرت شكيمتهم وهم يملأون الساحات والشوارع كل يوم في احتجاجات تتصاعد دون كلل أو ملل، قدموا مئات الشهداء والجرحى، ولم يتراجع تصميمهم على طلب رحيل النظام" كسر المصريون حاجز الخوف، وظهرت شكيمتهم وهم يملأون الساحات والشوارع كل يوم في احتجاجات تتصاعد دون كلل أو ملل، قدموا مئات الشهداء والجرحى، ولم يتراجع تصميمهم على طلب رحيل النظام بشخوصه ونصوصه، برموزه ومضامينه، وقد سمع العالم لأصوات المصريين الواضحة العالية، إلا النظام العربي فما زال يكابر ويناور محاولا إضاعة الوقت واستنزاف حماس المتظاهرين. لم تحقق الثورة المصرية أهدافها بعد، لكن ركام الزيف بدأ بالتساقط، وانكشفت الغلالة الرقيقة التي ظلت تغطي على الفاسدين في السلطة وحزبها الحاكم ابتداءا بالسادية في الاستمتاع بتعذيب الشعب المصري، وقواه السياسية المعارضة، ثم النهب المنظم للثروة، واستغلال النفوذ في الثراء البشع وغير المشروع، والانحياز غير المحدود للمصالح الصهيونية والتبعية المقيتة للغرب، فيما ظهر أنه محاكمة للنظام ورموزه قبل أن يعلن سقوطه الأخير!! الثورة السلمية للشعب المصري كشفت عن الإجرام الذي تمارسه أجهزة القمع (تحت مسمى أجهزة الأمن) في حق الشعب، والتفنن في صور التعذيب النفسي والجسدي ضد الإنسان، وما قامت به فرق البلطجة إلا صورة وحشية للبشاعة التي تنتهجها تلك الأجهزة القمعية- وكما يحدث في الانتخابات لإرهاب المواطن ومصادرة حقوقه- وعلى أولئك البلاطجة تنفق أموال الشعب، ثم يتم تخويف المواطن بأنه إذا أراد التغيير والخروج من حالة البؤس فلينتظر المستقبل المليء بالمخاطر!! وإذا كانت مصر مدرسة يتعلم منها الحكام، فإن الشعوب يجب أن تتعلم من ثورة الشعب المصري، وتتجنب أوجه القصور التي وقع فيها، وتحذر أساليب التخدير التي تأتي من الخارج لتوهن العزائم وتضعف الحماس، وتحاول تأجيل التغيير وإيقاف عجلة الثورة حتى يتمكن روح النظام من استعادة أنفاسه وإعادة ترتيب أوضاعه، ولا نشك أن الشعب المصري بوعيه وحماسه وتجربته لن يقبل بغير إسقاط الطغيان والفساد، وأن يعيش حياة حرة وكريمة تليق بماضيه وحاضره. أما أولئك الشباب المصريون الذين يقودون هذه المنازلة الكبرى مع بقية قوى المجتمع الحية، فلهم جميعا التحية والإعزاز، وإن ما أظهروه من جلد ودأب وصبر يدل على وعيهم وثباتهم، لكنهم بحاجة إلى جمع كلمتهم وتنسيق جهدهم حتى لا يسرق المتسلقون ثورتهم، ولا يتمكن الطغاة من الالتفاف على مطالبهم، لابد لهم أن يختاروا من ينطق باسمهم ويتحدث عن طموحاتهم.. "الثورة السلمية للشعب المصري كشفت عن الإجرام الذي تمارسه أجهزة القمع (تحت مسمى أجهزة الأمن) في حق الشعب، والتفنن في صور التعذيب النفسي والجسدي ضد الإنسان" أما القوى السياسية على الساحة المصرية فإنهم اليوم على عتبة عهد جديد يستدعي أن يتناسوا الخلافات فيما بينهم، ويعلموا أنهم لابد أن يعيشوا جميعا، ولا يحاول أحد منهم إلغاء الآخر، يجب أن يعترف كل منهم بخصوصية الآخر، فلا تهميش ولا إلغاء، ولا استعلاء ولا انتقاص، ليسعوا جميعا نحو الحرية واحترام وصيانة الحقوق والعدل والمساواة فتلك ضمانة العيش الكريم. التعايش الذي تم بين المسلمين والمسيحيين عبر القرون يجب أن يستمر، ويجب عدم السماح لمشعلي الفتن الدخول من باب الطائفية لتمزيق وحدة الشعب المصري، ما يزال الطريق مليئا بالأشواك والعقبات، ولكن السيل الجارف سيقتلع الأحجار والدبابيس والمسامير ويبقى ما ينفع الناس في الأرض. إذا الله أحيا أمة فلن يردها إلى الموت قهار ولا متجبر!!