[email protected] عندما يخرج الشارع ضد الرئيس ونظامه فهو يخرج ضد الفوضى، ضد العبث الذي يحكمه، ضد السخريات التي تتزعمه، ضد الفساد الذي يقضي عليه. كان بن علي وحزبه الحاكم فوضى تونس الكبيرة وكذاك مثل مبارك وحزبه. يخرج الشارع بحثا عن نظام آخر يمثله، يحميه، يخرج مطالبا بإسقاط فوضى منظمة، أسقطته في الفقر والمهانة. " لا ثمن في العمل السياسي للمكرمات سوى الكرامة، الشارع اليوم ما عاد يرنو إلى تنازلات الحاكم، هو الآن يتطلع إلى تنازل أخير، لا نريد ما هو أقل مما تعدنا به الريح، " لا يملك الحاكم إلا أن يخاف خروج مواطنيه إلى الشارع، يدرك أنه الخصم الرئيس، لا يستطيع تمييز نفسه، ولا يقدر على إقناع أحد أنه ليس رأس البلاء، لهذا يقلق من كل تظاهرة واعتصام، يخاف الاحتجاجات مهما كانت سلمية، يعرف أنها تستهدفه، تشير إليه، تدينه. أنتم ضد الفقر والقهر والاستبداد، ضد كل ما هو فاسد ودميم، أنتم إذا ضد الرئيس. أنتم مع الحرية، مع ديمقراطية حقيقية وانتخابات حرة ونزيهة، مع الفصل بين السلطات، مع الفصل بين الحاكم والثروة، مع تحرير وسائل الإعلام، مع إصلاحات جذرية وحركة تغيير شاملة، أنتم إذا ضد الرئيس وحكمه. بخطابه أمام مجلسي النواب والشورى أراد الرئيس استباق تظاهرة المشترك التي نظمها الخميس 3/2/2011م بدا مسكونا بقلق صريح مما حدث بتونس ويحدث بمصر، ولم يستطع إخفاء مخاوفه من التظاهرات الجارية. الرئيس أعلن عن تنازلات قال إنها لمصلحة الأمة، ولأن مصلحة الوطن فوق مصالحنا الذاتية- كما قال- تلك التنازلات تمثلت في استئناف اللجنة الرباعية أعمالها، تجميد التعديلات الدستورية، فتح السجل الانتخابي لمن بلغوا السن القانونية، وأنه لا تمديد ولا توريث ولا تصفير للعداد، كما جاء في الأسطوانة المشروخة بأن الرئيس يريد أن يورث ابنه ويريد أن يصفر العداد، بل جاء على لسان بعض رفاقنا «قلع العداد»، مؤكدا «أن هذا غير وارد في برنامجه، غير وارد على الإطلاق»، معتبرا ذلك «اجتهادات من قبل أشخاص مخلصين»، وأخطر ما تضمنه الخطاب دعوته «كل مواطن في حالة أن أحدا ركب رأسه للفوضى والغوغائية كل واحد من حقه أن يدافع عن ماله»، توقيت الخطاب يشير إلى ثمن عاجل أراد الرئيس قبضه، إن لم يكن إلغاء التظاهرة فسلبها على الأقل الكثير من الزخم، في ذات الوقت كان حزبه ينصب خيام ولائميه ضخمة في ميدان التحرير قاطعا على المشترك الطريق لإقامة فعاليته هناك، منظما في ذات الخميس تظاهرة هزلية مضادة ترفع صور الرئيس وشعارات تحذر من «الفوضى الخلاقة»، انتهت بمأدبة عامرة وهبات وافرة. أراد حزب الحاكم صرف الانتباه عن التظاهرة الحاشدة للمشترك وإيجاد مادة إعلامية تصلح للتشويش على مطالب جماهيرية هي اليوم أكثر ارتفاعا من الأمس. الحملة الدعائية التي واكبت ما أسموه ب «مبادرة الرئيس» الأخيرة أخذت بعدا إكراهيا، الإعلام الرسمي حاول حشر أحزاب المشترك في مربع الإدانة إذا لم تتلقف المبادرة. عن أي تنازلات يتحدث الرئيس إذ يعلن الرجوع عن جزء بسيط مما اتفق عليه حزبه مع المشترك، العودة عن خطأ ارتكبه الرئيس ليس تنازلا، ننتظر العودة عن كل الأخطاء، يكفي أن يوجه الرئيس بالعودة إلى كل ما تم الاتفاق عليه، يتعاظم قلقنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، نحن أمام رجل يمسك بكل أوراق اللعبة، يطرح ما شاء ويسحب ما أراد. لا ثمن في العمل السياسي للمكرمات سوى الكرامة، الشارع اليوم ما عاد يرنو إلى تنازلات الحاكم، هو الآن يتطلع إلى تنازل أخير، لا نريد ما هو أقل مما تعدنا به الريح، إذا لم تعلم تونس ومصر الحاكم كيف يتواضع فقد تعلمنا منهما كيف نشمخ، وكيف نطيح بالحكام. لدينا فوضى ثقيلة نريد التخلص منها وندرك خوفكم من أن يكسر المواطن حاجز التردد وأن يخرج شاهرا صوته ومعاناته وأشواقه في وجه الحرمان والطغيان. حين يفقد الحاكم مشروعيته يسفر عن زعيم عصابة، رأينا ذلك في مصر، البلاطجة آخر حماة الحاكم. " حين يفقد الحاكم مشروعيته يسفر عن زعيم عصابة، رأينا ذلك في مصر، البلاطجة آخر حماة الحاكم." أهانوا شرف الخيول العربية، أساؤوا لتاريخها، أخلاقها لا تعرف هكذا مهمات منحطة، لتضف هذه الجريمة ضد الحيوانات، أشفقت على الجمل سيد الصحراء إذ يجد نفسه مدفوعا إلى معركة قذرة وعمل عنف وحرب شوارعية حقيرة، وهي التي لم تعد تذكر أي عصور همجية قادتها لأداء هذا الدور، كان الحيوان يشكو راكبه الأكثر حيوانية، أي نظام هذا يحاول الاحتماء بآخر المرتزقة واللصوص الأنذال المستأجرين، أي حاكم هذا الذي يقف وسط خراب حكمه المديد ووسط حياة مواطنيه المدمرة مسددا بندقيته إلى جموع عزلاء وصدور عارية أرته في لحظة انبعاث كم هو معزول وعار، كم هو وحيد ومخذول لا أحد يقاسمه الضغينة أي يشاركه السقوط. مما يخوفنا الرئيس؟ من الفوضى التي تسكن أرواحنا وتفاصيل حياتنا؟ هل يدري كيف نصارع مذلات حكمه كل يوم؟ هل يدرك معنى أن تعيش الخوف ليل نهار؟ قلق اللقمة؟ رهاب السكن؟ رعب الفاقة؟ احتقار الذات؟ مما يخوفنا الرئيس؟ من فقدان السكينة أم الاستكانة؟ من فقدانه أم فقدان الوطن؟