جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا يتحايل النظام على التغيير الوشيك
نشر في المصدر يوم 05 - 02 - 2011

ما أريد إيصاله في هذا المقال هو تحذير قادة المعارضة اليمنية من أن الرئيس علي عبدالله صالح بدأ جديا في العمل على إحباط الانتفاضة الشعبية المحتملة ضد نظامه، عن طريق بعض الخطوات كمهدئ لأعصاب المجتمع حتى لا يتكرر في اليمن ما حدث في تونس ويحدث حاليا في مصر من ثورة حقيقية ستكون محل فخر الشعبين الشقيقين لأجيال قادمة مهما كانت التضحيات موجعة، ف"وجع ساعة ولا كل ساعة".
أثبتت الأحداث منذ عام 2005 أن قادة المعارضة القادة يلعبون سياسة لا يمكن أن تصنع تأريخا مجيدا لأنفسهم ولوطنهم، كما يفعل الزعماء الكبار. وهم بفعلهم هذا يظنون على الأرجح أنهم يحافظون على استقرار اليمن ويحمون البلاد من الفوضى أو التشظي، ولا يدركون أنهم يخدمون الحاكم ويمددون فترة بقائه ولا يخدمون قضية وطنهم المصيرية التي شخصوها بأنفسهم في وثيقة التشاور الوطني.
ولكي لا ألقي الاتهامات جزافا، دعوني تذكيركم بما حدث عام 2005 حيث انتفض الشارع اليمني بشكل عفوي، فأعلن الرئيس أنه لن يرشح نفسه في الانتخابات القادمة الأمر الذي هدأ على إثره الناس، وأحجمت أحزاب المعارضة عن دعم الانتفاضة الشعبية، وعندما جاءت انتخابات 2006 بعد أقل من عام على وعد الرئيس، تراجع عن عهده ووعده، وهذا هو عهدنا به منذ أن تربع على عرش الرئاسة، ولا شيء يمنعه من تكرار الوعود والتراجع عن الوعود الآن وفي المستقبل من أجل البقاء في السلطة لأن ذلك هو الشيء الوحيد الذي يجيده وأثبت نجاحا كبيرا فيه.
لم يعد الماضي مهما لنا حاليا إلا لكي نتعلم من تجاربنا مع هذا الرجل وألا نقع في نفس الفخ للمرة الألف. ويهمنا أكثر في هذا الوقت استعراض ملامح المشهد السياسي حاليا في بلادنا، والسبل المواتية لإنجاح الانتفاضة الشعبية المأمولة ضد النظام، وكذلك الخيارات المتوقع أن يلجأ إليها الحاكم لإحباط أول ثورة شعبية ناجحة قد تشهدها اليمن ضد أفسد نظام عرفته في تاريخها المعاصر. وسوف نحاول التدقيق في المشهد كما تراه أطراف اللعبة السياسية وهي المعارضة والنظام والشباب الغاضب كل من زاويته كما سنحاول تقديم نصائح لقوى أخرى عاملة في الساحة لا يجوز تجاهلها في هذا الظرف العصيب.

المشهد السياسي الراهن كما تراه المعارضة:
أعتقد جازما أن أحزاب اللقاء المشترك بدأت تنظر للمشهد السياسي من زاوية مختلفة حيث رفعت سقف مطالبها بعد أحداث تونس ومصر، مستغلة هذه الأحداث للضغط على النظام في سبيل انتزاع تنازلات كبيرة تصب في خدمة ما يسمونه الإصلاح السياسي والدستوري وإصلاح نظام الانتخابات. ويعتقد قادة اللقاء المشترك أن الفرصة مواتية لهم أكثر من أي وقت مضى لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة، بإجبار النظام على التراجع عن الإجراءات الانفرادية التي اتخذها الحزب الحاكم مؤخرا، وفرض القائمة النسبية والنظام البرلماني الوارد في برنامج المشترك، بما يعني تأجيل الانتخابات وإجراءها لاحقا وهو التأجيل الذي يرغب به صالح أصلا ويريد أن يأتي الطلب من غيره. أما المشترك فما يهم قادته هو ضمان النزاهة والحياد مقابل السماح للرئيس الحالي أن يكمل مدة رئاسته الدستورية المقرر انتهاؤها في سبتمبر 2013. وتأمل المعارضة أن يتاح لها المجال في ذلك التاريخ أن تنافس بقوة بمرشح ضد مرشح للحزب الحاكم غير علي عبدالله صالح. ومن هنا يمكن القول إن طموح اللقاء المشترك لم يرتفع بعد إلى مستوى السعي لصنع التاريخ بتغيير النظام العائق لبناء يمن جديد، وإنما إدخال إصلاحات معينة بضمانات دولية تسمح بإحداث التغيير بالتشاور الكامل مع الفاسدين والعابثين وإشراك الملوثين والفاشلين في رسم مستقبل اليمن لسنوات طويلة مقبلة. وفي اعتقادي أن قادة المشترك يفضلون هذا التكتيك على التفكير الاستراتيجي الطموح لأسباب ستة رئيسية، استقيت الأربعة الأولى منها من نقاشات متعددة جمعتني مع أكثر من قيادي حزبي معارض، واستنتجت الخامس والسادس من تحليلي الخاص:
السبب الأول: مخاوفهم على سلامتهم الشخصية وخشيتهم الطبيعية من القتل أو الاعتقال إذا أعلنوا ثورة شاملة على نظام الفساد والاستبداد، خصوصا بعد تلقيهم تهديدات واضحة لأكثر من مرة من الرئيس نفسه الذي يعرفونه جيداً.
الثاني: خشية البعض من قادة المشترك على البلاد من انفصال الجنوب على وقع الصراع في صنعاء، أو التشقق بين أكثر من شطر اعتقادا منهم أن أي فوضى في صنعاء قد يعقبها إعلان الحراك الجنوبي للانفصال وسيطرة الحوثيين على محافظات شمال الشمال.
الثالث: خشية البعض منهم على البلاد من انتشار الفوضى أو نشوب حرب أهلية قد يلجأ الحاكم لتفجيرها من "طاقة إلى طاقة"، على مبدأ "علي وعلى أعدائي".
الرابع: بسبب ارتباط البعض بقوى إقليمية لم تتخذ بعد قرارا بتغيير الأوضاع في اليمن، ومراعاة معظمهم لرغبات قوى دولية لم تمنحهم ضوءا أخضر صريحا لإشعال انتفاضة شعبية.
الخامس: بسبب عدم شعور بعض القادة بالمعاناة المعيشية التي تمر بها القيادات الوسطى والقاعدية في الأحزاب وغالبية أبناء الشعب.
السادس: بسبب وصول معظم قادة المشترك الكبار إلى سن الكهولة، ومرورهم بتجارب طويلة، حيث أصبح سلوكهم محكوماً بحسابات دقيقة بعيدا عن روح المغامرة والإقدام، حيث أن سمات الإقدام والمغامرة لا تتوفر إلا في الشباب.
هذه الأسباب وغيرها تجعل قادة اللقاء المشترك يفضلون الطريق السهل في النضال من أجل إحداث تغيير تدريجي عن طريق تقليص صلاحيات الرئيس والحصول على ما يمكن الحصول عليه من تنازلات سياسية من الحزب الحاكم على مبدأ "خذ وطالب".
أنا هنا لا أسعى لتثبيط العزائم بل تشخيص المشهد ثم تقديم أفكار أخرى مناقضة ومقنعة عسى أن يتمعن فيها قادة المشترك ويسارعون في تصحيح الخطأ الاستراتيجي المقبلين عليه، الناجم عن الأسباب الستة التي سنأتي إلى تفنيدها واحدا واحدا لإيضاح أنها معوقات وهمية. وقبل ذلك لا بد من التطرق إلى المشهد السياسي الراهن كما يراه الحاكم، كي نتمكن من استباق الأحداث وسبر أغوار تفكير الرئيس من خلال معرفتنا لأسلوبه ومعايشتنا له طوال 33 عاما أبدى خلالها كثيرا من المرونة والإنعطاف، واجتاز أزمات خطيرة بتقديم وعود مغرية سرعان ما كان يتراجع عنها فور زوال الخطر عن عنقه وعن نظامه.

المشهد السياسي الراهن كما يراه الحاكم:
أقصد بالحاكم هنا الرئيس علي عبدالله صالح وليس الحزب الحاكم المعروف باسم المؤتمر الشعبي لأن المؤتمر لم ولا يشارك في الحكم، حتى وإن شارك في بعض المغانم كمكافأة له جراء استخدامه كإطار شكلي للفوز في انتخابات شكلية، فإن مفاصل السلطة الرئيسية مازالت بيد رموز في عائلة الرئيس ليسوا أعضاء في الحزب شبه الحاكم. ولذلك نقول بصراحة إن الرئيس ينظر إلى المشهد بعد أحداث تونس ومصر بشكل مختلف عما كان يراه قبل تلك الأحداث. وللتوضيح أكثر فإنه أصبح مقتنعا أكثر من أي وقت مضى أن ظهره أصبح مكشوفا، وأن أصدقاءه في الخارج لن يحموه من غضبة شعبه، وأن تفويزه حزب المؤتمر عن طريق تزوير إرادة الناس كما فعل حسني مبارك في مصر سوف تكون نتائجها وخيمة. وأعتقد أن الرئيس أصبح الآن مقتنعا أنه يتحتم عليه أن يقدم تنازلات لحظية كبيرة ومغرية، لاحتواء الخطر المحدق بنظامه، ثم يلتف عليها بعد ظهور ظروف أخرى مواتية.
وكلنا نعرف أن الرئيس أهان في خطاب رسمي لجنة الإرياني المسماة رسميا لجنة الأربعة معلنا رفضه لأي حوار خارج المؤسسات الدستورية، ولهذا عين رئيس مجلس الشورى عبدالعزيز عبدالغني ممثلا للمؤتمر بدلا عن الإرياني لأن عبدالغني يرأس مؤسسة دستورية، هي مجلس الشورى. وبعد نشوب ثورة مصر العظيمة، عاد الرئيس كعادته لإحياء اللجنة التي رفضها علنا مبديا مرونة غير مسبوقة سوف تصل بلا شك إلى حد الانبطاح، وسيقدم الرئيس للمشترك العروض التالية مجتمعة أو بالتقسيط:
أولا: الموافقة على إلغاء لجنة الانتخابات المعينة من القضاة بقرار جمهوري والتراجع عن كافة الإجراءات الأحادية التي بدأها المؤتمر الشعبي تحضيرا لانتخابات برلمانية منفردة في 27 أبريل المقبل.
ثانيا: تأجيل الانتخابات إلى نهاية العام الجاري أو إلى أي فترة تراها المعارضة مناسبة.
ثالثا: القبول بشرط المعارضة المتمثل في القائمة النسبية، وغير ذلك من الشروط الفرعية، بما في ذلك ما يتعلق بالسجل الانتخابي.
رابعا: القبول بتعديلات دستورية تتبنى النظام البرلماني بدلا من الرئاسي، ولا تسمح بتصفير العداد أو إلغائه.
ومن خلال معرفتنا بأسلوب الرئيس ومرونته العجيبة فإنه سيعمل جاهدا على إيهام أصدقاء اليمن والقوى الإقليمية والدولية المؤثرة بأنه سيقبل بأي إصلاحات اقتصادية وسياسية يشرفون عليها، مقابل إقناع المعارضة بقبول بقائه في السلطة حتى موعد انتهاء فترته الثانية في 2013، حسب عرض المعارضة، أو مقابل تصفير العداد لو استطاع ذلك.
ومن وجهة نظر الرئيس فإن التنازلات السخية والمغرية التي سيقدمها للمعارضة والمجتمع الدولي سوف تساعده على امتصاص غضب الشعب في هذا الوقت العصيب، مع بقاء سيطرته على القوات المسلحة والأمن عن طريق أبنائه وأبناء أخيه وأبناء قريته، وعندما يحين موعد الرحيل في 2013 تكون الظروف الإقليمية والدولية قد تغيرت من ذات نفسها، ويكون زخم الثورتين التونسية والمصرية قد انتهى إلى غير رجعة، وبالتالي يمكنه التراجع عن تعهداته بعدم تصفير العداد ويمكنه كذلك اختلاق ظروف جديدة أو افتعال أزمات محلية، تساعده على البقاء في الحكم حتى وفاته، وإذا لم يتمكن من البقاء فما دامت القوات المسلحة والأمن تحت سيطرة أسرته فبإمكانه اختيار محلل شرعي من خارج الأسرة لإرضاء المجتمع الدولي والإمعان في تعميق العبث والفساد ثم الإيعاز إلى قائد الحرس الجمهوري الذي هو نجله بالانقضاض على الحكم، وتقديم نفسه على أنه المنقذ للبلاد، وبهذا يستمر الحكم في الأسرة ذاتها، ولن تأتي فرصة أخرى للتغيير إلا في جيل الأحفاد إن أتت وسوف يظل اليمن أو جزء من اليمن تحت هيمنة النظام الأسري لفترة طويلة قادمة، وهذا ما يريده الرئيس فعلا.

المشهد السياسي كما يراه الشباب الثائر:
أقصد بالشباب هنا طلاب الجامعات والمدارس الثانوية والعاطلين عن العمل والناشطين بمختلف توجهاتهم الحزبية والفكرية، بمن فيها القيادات الوسطى والدنيا في أحزاب المشترك.
ومن خلال تبادل الرأي مع كثير من هؤلاء الشباب من المتحمسين للتغيير الشامل في اليمن فإن معظمهم عاتبون على أحزاب المشترك المترددة في التغيير، ويقولون إنه لولا ذلك لكانت اليمن في المقدمة قبل تونس وقبل مصر لأن حجم المآسي التي خلفتها السلطة في اليمن أكبر بكثير من مآسي الشعبين التونسي والمصري الشقيقين.
نسبة البطالة في تونس لم تتجاوز 12% لكنها في اليمن وصلت إلى 40% ، كما أن الفساد والعبث والقتل والحروب والقمع والبلطجة والإيذاء الذي يعاني منه شباب اليمن وشاباته، تزيد حجما عن معاناة أشقائهم في مصر وتونس. ويقول هؤلاء إن الرئيس علي عبدالله صالح فقد مصداقيته لدى مستشاريه جميعا بمن فيهم مستشاره السياسي عبدالكريم الإرياني فما بالنا بالشباب المعارض؟.
ومن هنا فإن معظم الشباب اليمني حتى من أعضاء المؤتمر شبه الحاكم يرون في المشهد الراهن شعبا يحكمه نظام عائلي وراثي من أبرز سماته الكذب والفساد والقمع والنهب والغرور، ومحكومين يعانون من الفقر الجوع المرض البطالة، وفقدان الأمل. ويرى الشيخ الحكيم سنان أبو لحوم عافاه الله أن الفرص التاريخية الذهبية لا تتكرر، وأن التاريخ لا يعيد نفسه إلا بعد عشرات السنين، ولهذا فإن الشعب اليمني أمامه الآن فرصة تاريخية غير مسبوقة لتغيير تاريخي شامل وبناء يمن موحد مستقر ومزدهر، وإذا ما ضاعت هذه الفرصة فلن تعود في عهد علي عبدالله صالح. وإذا لم يرحل علي عبدالله صالح بالتزامن مع رحيل حسني مبارك فإنه سيبقى جاثما على صدور شعبه سنوات طويلة قادمة، وسوف ينجح التوريث في اليمن بطريقة أو بأخرى على النقيض مما حدث في تونس ومصر، وعلى النقيض مما يعتقده البعض بأن التوريث في اليمن قد انتهى إلى غير رجعة بسبب ثورة مصر.
أما الأسباب التي تثير مخاوف المعارضة فهي افتراضية وليست واقعية ويمكن تفنيدها كما يلي:
- الخوف على السلامة الشخصية يمكن تجاوزه بأن يخرج قادة المشترك من العاصمة للاحتماء بمناطقهم وقبائلهم.
وخروج قادة المشترك من صنعاء لن يؤثر على زخم الثورة الوشيكة خصوصا أن وسائل الاتصال الحديثة بما فيها هواتف الثريا وسبأ وغيرها من الوسائل التي لا يجب ذكرها هنا، سوف تسهل لهم التواصل مع القواعد الشابة المتفانية في التضحية والإقدام. وفي تقديري أن أعضاء نظام الفساد معظمهم مدركون أنهم لصوص، سرقوا السلطة والثروة بالتدليس والتزوير، وبالتالي فإنهم أضعف من أن يقفوا ضد الجماهير الثائرة بل سيكونون أول الهاربين. أما أصحاب الأعمال التجارية فإن دولة النظام والقانون التي سيتم تأسيسها على أنقاض نظام الإرهاب والفساد ستكون الضمان الأكبر لتجارتهم وثرواتهم ومصالحهم المشروعة.
- خشية البعض من الانفصال أو التشظي، ليست واقعية لأن الانفصال لن ينجح والتشظي لن يحدث إلا باستمرار النظام الحالي في صنعاء الذي يغذي بأفعاله روح الانفصال وستؤدي سياساته إلى التشظى. ولن أخفي سرا هنا إن أقوى المنادين بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، مستعدون أن يعيدوا النظر في مطلبهم النهائي في حال تحرك الشارع الشمالي نحو إسقاط النظام. فالنظام الحالي وليس الشعب الشمالي هو الملطخ بدماء الجنوبيين، كما أن أبناء صعدة وحرف سفيان جميعا بمن فيهم الحوثيون كثيرا ما أبدوا استعدادهم للعمل السلمي في إطار أي نظام جديد باستثناء هذا النظام، وبالتالي فإن زوال النظام سيحافظ على وحدة البلاد وبقاء النظام الحالي سوف يؤكد تمزيقها بدون أدنى شك. وقد أحسن حزب الإصلاح صنعا عندما لم يشارك النظام في سفك الدماء في صعدة والجنوب، وبالتالي فإن التعايش في ظل نظام وحدة وطنية بمشاركة الجميع سيكون ممكناً. وسوف يراقب كل طرف أفعال الطرف الآخر غير المشروعة في جو من الشفافية كفيل بالقضاء على الفساد أو تقليصه كما هو الحال في الدول الديمقراطية.
- وفيما يتعلق بالخشية من انتشار الفوضى أو نشوب حرب أهلية فإن الحروب الأهلية قائمة والفوضى سائدة ولم يبق إلا الثورة على الفوضى والحروب. ولن يكون هناك فوضى أكثر من الفوضى التي يغذيها النظام الحالي، وربما أن الثورة القادمة قد تؤدي إلى فوضى قصيرة ولكن "فوضى ساعة أفضل من فوضى كل ساعة".
- أما ما يتعلق بانتظار البعض لضوء أخضر إقليمي أو دولي، فيجب أن نقول لهؤلاء القادة إن الأشقاء لن يفعلوا ذلك، ومازالوا يدعمون حسني مبارك حتى الآن رغم معرفتهم بأن سقوطه أصبح وشيكا. ولكنهم سوف يحترمونكم ويقدرون جرأتكم عندما تصبحون في مكان علي عبدالله صالح. ومهما كان موقفهم الآن فليس لديهم أي خيار آخر بعد ذلك سوى دعم ومساندة من هم في قصر الرئاسة بغض النظر عن أسمائهم أو مسمياتهم، لأن الأشقاء يهمهم تأمين الاستقرار في حديقتهم الخلفية. أما القوى العظمى فعليكم أن تقرأوا جيدا تصريحات أوروبا وأميركا عن انتفاضتي مصر وتونس، فهذا هو ضوء أخضر واضح لكم للتحرك، إلا إذا أردتم أن يأتي باراك أوباما وهيلاري كلينتون للتظاهر نيابة عنكم فهذا لن يتم. ومثلما تحجم أمريكا عن إعطائكم ضوءا أخضر صريحا للثورة على صالح فإنها لن تعطي صالح أي ضوء أخضر لقتل المتظاهرين من شعبه، فلم تفعل ذلك مع مبارك ولن تفعل ذلك مع صالح. وبالتالي فإنكم إن لم تنزلوا للشارع في وجود أوباما بالبيت الأبيض وهيلاري في الخارجية الأمريكية ومباركهما يترنح فما عليكم إلا أن تنتظروا 33 سنة أخرى كي تتكرر الفرصة الذهبية الراهنة بعد أن يكون صالح وأبناؤه قد تعلموا من أخطاء مبارك وبن علي التكتيكية وليس الأصلية.
- وبشأن المعاناة الشعبية فإنكم إن لم تشعروا بها أنتم فسوف يشعر بها أبناؤكم وأحفادكم. وعدم شعوركم بها سوف يؤدي إلى خسرانكم لقواعدكم وظهور قيادات جديدة غير حزبية مثلما حدث في مصر وتونس، ومثلما حدث للحزب الاشتراكي في جنوب اليمن الذي تخلى عن قضيته الأساسية فإذا به يخسر الشارع في الجنوب ولم يكسب الشارع في الشمال.
أما الشجاعة والإقدام فنحن لا نطلب منكم أن تواجهوا الدبابات بأنفسكم، ولكن طلبنا بسيط هو أن تسمحوا لنا نحن الشباب بالتحرك لتغيير وجه التاريخ في بلادنا، ونطلب منكم فقط تشجيعنا على الإقدام وأنتم بعيدون عن الخطر. وسوف نحتاج لحكمتكم وتوازنكم ودوركم بعد نجاح الانتفاضة، فلا تكونوا عقبة أمامها ولا تقبلوا أن يستخدمكم الحاكم "كرتا جديدا" من بين كروته التي لا تنتهي، لأن من شب على شيء شاب عليه، وبدون تغيير الحاكم الحالي، فلن يتغير شيء في اليمن إلا إلى الأسوأ.

نصيحة أخيرة للمشترك:
إذا كان ولا بد لكم من التفاوض مع الحاكم تحت ضغط المجتمع الدولي، فاطرحوا شرطا وحيداً لا تراجع عنه، وهو أن يعلن الحاكم بشكل فوري وبدون تأخير تطبيق شعاره المعلن أمام القوات المسلحة بأنه ضد التوريث على كل المستويات، وذلك بعزل نجله أو أنجاله وأنجال أخيه، وأبناء قريته، من كافة المناصب العسكرية والأمنية التي يحتلونها، وعزل أصهاره من كافة المناصب الدبلوماسية والسياسية التي يشغلونها بحكم مصاهرتهم للرئيس وبإمكانكم تقديم قائمة بأسماء الأقارب والأصهار إلى لجنة الحوار، وهذا هو الشرط الوحيد الذي يمكن أن يعيدنا إلى النظام الجمهوري، وما لم ينفذ الرئيس ذلك بشكل فوري وتتولى لجنة محايدة اختيار البدائل المؤهلة، فإن الانتفاضة الشعبية أصبحت حتمية لاستعادة النظام الجمهوري السليب والحفاظ على الوحدة اليمنية، وإقناع الحوثيين بالتخلي عن أي طموحات عائلية شبيهة بطموحات الصالح.

نصيحة لأبناء صعدة بمن فيهم الحوثيون:
ننصحكم ألا تقبلوا أن يحولكم النظام إلى كرت ضد قوى أخرى اختلفت معكم بشرف وامتنعت عن المشاركة في سفك دمائكم رغم المغريات. وننصحكم بالمساهمة في القضاء على الفاسدين في عقر دارهم، أما الجنود والضباط فهم ضحايا مثلكم تماما، وتحالفكم الحقيقي مع المشترك سوف يساعدكم ويساعدهم في رسم مستقبل جديد لليمن يستطيع فيه السلفي والزيدي والصوفي والإسماعيلي واليهودي والمسيحي أن يمارس شعائره الدينية بكامل حريته دون خوف من سلطة أو جماعة أو نظام. كما ننصحكم بتوجيه أتباعكم في المدن الرئيسية للمشاركة في أي انتفاضة سلمية للإطاحة بالطغيان والفساد، وتتيح لكم المشاركة في بناء اليمن الجديد. ونصيحة أخيرة لكم وهي أن تستمعوا جيدا لمقابلة إذاعية أجرتها الإذاعة البريطانية عام 2004، عبر الهاتف، مع زعيمكم حسين بدر الدين الذي أبدى عبر الأثير استعداده للتخلي عن الشعار قائلا إن الشعار ليس قرآناً كريماً، ولكن على ولي الأمر أن يصدر قرارا بتغييره أو تحريمه، ومعنى ذلك أنه أبدى مرونة تجاه تغيير الشعار، وعلى الأرجح أنه أراد به إحراج النظام في وقت كانت فيه أمريكا تجتاح العراق.
أما الآن بعد ستة حروب متتالية وبعد سقوط آلاف الشهداء والضحايا الأبرياء فقد حان الوقت أن ترفعوا شعار إسقاط النظام بدلا من شعار إسقاط أمريكا الذي انتهى مفعوله وأصبح يضركم ويضر أبناءكم ويضر شعبكم أكثر مما يفيدكم.

نصيحة لقادة الحراك الجنوبي:
أنتم أيضا بحاجة لتغيير شعاركم دون الحاجة لتغيير أهدافكم. ارفعوا شعار إسقاط النظام وسوف تحققون كل مطالبكم في تحريك الشارع الشمالي وإحلال العدل والمساواة وتوزيع الثروة العادل، وتعاطف المجتمع الدولي مع قضيتكم. وسوف تجذبون وسائل الإعلام لتغطية مظاهراتكم بدلا من تجاهلكم بسبب الشعارات غير المرغوب بسماعها دوليا وإقليميا. وما لم تتبنوا شعار إسقاط النظام فلن تجدوا أي تعاطف مع قضيتكم لا إقليمي ولا دولي ولا في شمال الوطن ولا حتى في بعض محافظات الجنوب. وإذا لم تستفيدوا من هذا الزخم القائم في تونس ومصر فانصحوا أحفادكم بالتحضير للكفاح المسلح ضد نجل أحمد علي عبدالله صالح. مع خالص محبتي واحترامي.

نصيحة للشباب:
رغم أنكم لم تقولوا كلمتكم بعد ولكني أنصحكم بالتمعن في تجربة شباب مصر العظيمة الذين حموا المتحف الوطني وسط القاهرة بأجسادهم من عبث الناهبين واللصوص، ولكن شباب مصر تأخروا في التوجه لمقر التلفزيون الرسمي، الأمر الذي ساعد الحرس الرئاسي على منعهم من دخوله لبث بيانات محفزة للشعب على التحرك. ولذا أنصحكم أن تبدؤوا بإيجاد وسيلة تواصل عامة تخاطبون بها كافة الشعب وتوصلون إليهم أصواتكم وأهدافكم قبل أي شيء آخر. كما أنصحكم بعدم الانتظار حتى زوال زخم الثورتين المصرية والتونسية المجيدتين، بل بادروا الآن الآن وليس غدا وبشكل يومي أثناء القات وقبل القات ، بغض النظر عن رأي قادة المشترك وحساباتهم المؤيدة للنضال الموسمي. وصدقوني أن التأخير في التحرك سوف يعطي النظام فرصة للاستفادة من أخطاء النظامين المصري والتونسي وتصبح العقبات أمامكم أكبر. كما أن حسابات قادة المشترك دقيقة وحكيمة ولكنها تغفل شيئاً واحداً من حساباتها أكثر أهمية من كل العوامل والمخاوف التي يحسبوها وهي أن إرادة الشعب من إرادة الله إذا ما أراد الشعب أن ينتفض ضد الطغاة، كما أن الشباب هم قلب الشعب النابض وطاقته التي يسحق بها الطغاة والظالمين ومن يقف يكبح هذه الطاقة أو يقف حائلا أمام تفعيلها فسوف تحل لعنة التاريخ عليه، وسوف يذكره المدونون والمؤرخون بما يجل أبناؤه وأحفاده عن سماعه.
وخلاصة القول: لا تصدقوا وعود النظام، وأعطوه الفرصة لشيء واحد فقط وهو "الرحيل". وقولوا له بصوت واحد لا يتوقف "ارحل فقد مللناك وتعبنا منك، وشبعنا من حيلك ومراوغاتك ولن ينطلي علينا تحايلك على الانتفاضة الشعبية القادمة ضدك" والله أكبر فوق كيد الظالمين.
*اسم مستعار لسياسي يمني شاب، كان عضوا سابقا في الحزب الحاكم، وأصبح حاليا مساندا لأحزاب المعارضة في سعيها لتغيير النظام.

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.