الطغيان الذي يتجاوز فيه الطغاة الحدود في كل شيء وفي كل زمان وكأنهم يتواصون به (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ). لقد كانت ثورة مصر ثورة شعب زلزل عرش الطغيان ورمت به في مزبلة التاريخ خلال 18 يوماً حاول خلالها النظام تقديم بعض التنازلات التدريجية في ثلاثة خطابات كلها يعلن فيها أنه لا يريد للشعب إلا الخير وأنه خدم مصر طوال حياته وأن هناك بعض العملاء الذين يثيرون الفوضى وأنه لابد من أن ينالون جزاءهم (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) .. (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ). لقد ظل الفرعون حتى آخر لحظة متمسكاً بالكرسي فكان الرد من الشعب خروج الملايين يوم جمعة الصمود والتي عصفت بكبرياء وغرور الفرعون وأرغمت على الرحيل فحق عليه قوله تعالى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ).. وما تزال بعض الأنظمة المماثلة والمشابهة غافلة عن هذا المصير المحتوم حتى يأخذها الله أخذ عزيز مقتدر (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ. فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِين). ولقد تبين في ثروة مصر أن الأجهزة الأمنية التي تقدر بمليون ونصف المكلفة بقمع الشعب وإرهابه وقتله قد تلاشت خلال ساعات في جمعة الغضب وكأنها أجهزة كرتونية، ولقد حاول النظام تزييف الوعي من خلال إعلامه المضلل وقمع ومنع الإعلام الحر ولكنه فشل وظهرت الحقيقة عبر الجزيرة وغيرها . ولقد مثّل هذا النظام أسوأ سياسة خارجية استطاع من خلالها إرضاء اليهود والأمريكان كما تبين من خلال استطلاع الرأي الإسرائيلي والله يقول: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ. الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ). في الوقت الذي أغضب فيه شعبه والمسلمين جميعاً في مواقفه المخزية في فلسطين عامة وغزة خاصة وحصارها إلى آخر لحظة، ولعل دعوات المظلومين والمستضعفين قد أخذته أخذ عزيز مقتدر، ولقد قزم هذا النظام مصر عربياً ودولياً وجعلها دولة تابعة لسياسة اليهود وتخلف عن دورها العربي والإسلامي ولكن الشعب المصري قدم التضحيات بكل شيء، بعد أن تحرر من الخوف ووقف أمام أجهزة القمع والقتل والإرهاب وأمام بلطجية النظام، بصبره وثباته هزم هذه الأجهزة وانتصر عليها بكوكبة من الشهداء تجاوزت ثلاثمائة شهيد وآلاف الجرحى وهذا الغدد قد لايساوي الذين يذهبون ضحية أحداث المرور في أسبوع في مصر. لقد حقق الشعب المصري الثورة لأنه أراد الحياة وخرج بالملايين لإسقاط النظام .. (إذا الشعب يوماً أراد الحياة).. ولقد كان موقف الجيش موقفاً شجاعاً ومؤيداً ومسانداً للثورة، وهذا الموقف الذي ينبغي أن تفعله جميع الجيوش مع شعوبها لا مع الأنظمة الفاسدة المستبدة الزائلة .. وكان ميدان التحرير ميدان الثورة الرمزي .. وللأسف الشديد أن نظام اليمن لم يعتبر وظن أنه باحتلاله لميدان التحرير سيمنع عن نفسه الثورة وظل الإعلام يضلل ويزيف الحقائق عما يحدث في مصر إلى آخر لحظة ونسي أن هناك إعلام عالمي غير إعلامه وسُقط في يد النظام سقوط مبارك فأعلن أن اليمن غير تونس ومصر والأولى أن يقوم بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية قبل طوفان الشعب، ويكف عن إنزال البلطجية لقمع النضال السلمي، ولقد عبر النظام عن غيظه من ثورة مصر من خلال رئيس مجلس النواب الذي قال: "ماحدث في مصر لا يشرف مصر ولا يشرف أبناءها .. وعلى اليمنيين أن يعقلوا..." ونقول على النظام أن يعقل قبل فوات الأوان .. فهل سيعتبر النظام أم سيظل في ماهو عليه حتى يدركه الغرق إذاً أليس الطغيان ملّة واحدة؟ وأليس هذا العصر عصر الشعوب التي ستأخذ حقها من المستبدين الذين نهبوا السلطة والثروة؟