- يتمسك ثوار التغيير في بلادنا بالنموذج المصري، في حين تريد السلطة أن تكون خليطاً من النماذج الثلاثة: التونسي، المصري، والليبي، وفي كلٍ «عرف الشعب طريقه.. وحّد الشعب بلاده» كما يقول الشاعر، وستظل ميزة الثورة و قوتها في أنها سلمية، شعارها البسيط في مبناه العظيم في معناه «لا»، لا لبقاء الوضع على ما هو عليه، لا أمل في التغيير في ظل القيادة السياسية الحالية، لا وقت لانتظار الانتخابات القادمة، قرار الشعب يعمل به من تاريخ صدوره، ولا حاجة ولا ضرورة لتأجيله، وكل ذلك سلماً، و ليتحمل الطرف الآخر مسئولية مواجهة المحتجين بالرصاص والقنابل والاعتداءات الآثمة، هو يواجه الثورة بثقافته، والشباب يصنع الثورة بثقافته، ثقافة العلم والمعرفة والنضج، يرد الاعتبار للقلم، للكلمة، للآه وهي تزلزل أرض المعاناة!. ستظل ثورة التغيير سلمية حتى النهاية ولا علاقة لها بأي مواجهات في صفوف الجيش أو الأمن، و هذه السلمية هي سر قوتها وضمان انتصارها، في مواجهة المحاولات المتذاكية أو المتغابية لصبغها بالعنف، أو أنها خروج محرم عن الدولة. - الثورات الشعبية التي حدثت وتحدث لم تكن سياسية فقط، وربما لم يكن ليعلم بها أحد لو لم تسبقها ثورة إعلامية كان بطلها «المواطن الصحفي» إن جاز التعبير، فالمواطن ينقل الخبر بالكلمة و بالصوت والصورة من موقع الحدث، وكثيراً ما حدث ذلك بدافع ذاتي، كتحول فريد من نوعه يقول بأن الإنسان إعلامي بطبعه، لتشكل هذه المقولة إضافة مهمة في علم الاجتماع الإعلامي، جديرة بأن تُلاحَظ وتُدرَس. حقيقة أن الثورة السياسية يجب أن تواكبها –إن لم تسبقها- ثورة إعلامية، تفرض على أصحاب الثورات وضع ذلك بالحُسبان، بأن يتوجه هواة التصوير بهواتفهم المحمولة إلى توظيف مواهبهم في خدمة المجتمع، عبر رصد وتوثيق الأحداث ومراسلة وسائل الإعلام، حتى لا تموت الصور ومعها الأحداث، وهذا الوعي الإعلامي هو رهان مهم لكسب المعركة التغييرية، ويمكن أن نتذكر جيداً ما كان يقوم به الأشقاء في تونس ومصر وليبيا لاحقاً من كسر للحصار الإعلامي، و رفع للمَشاهد التي صورتها الكاميرات المتواضعة في الهواتف المحمولة وغيرها، عبر شبكة الانترنت، وتولت بعض الفضائيات المساهمة الكبرى في إيصالها للجمهور في أنحاء العالم. - بحسب الدكتور محمد عبد الفتاح المهدي في كتابه علم النفس السياسي رؤية مصرية عربية، يمكن تصور أنماط السلطة بالأشكال التالية: السلطة المنطقية، السلطة غير المنطقية، السلطة الأبوية، السلطة الفرعونية، سلطة السلطة وهي تقوم على شرعية القوة الشرطية والعكسية، وسلطة الفرد، وأخيراً سلطة الإدارة وهي تقوم على مؤسسات حقيقية ومعبرة عن إرادة الشعب!. ويحدد د.المهدي وفقا لهذا التصنيف أمراض السلطة التي ترتبط بالنظم غير المنطقية وبسلطة السلطة والسلطة الفرعونية والأبوية، وأبرز أمراض هذه التصنيفات هي: الهاجس الأمني، تزييف الوعي، الادعاء والمبالغة في الادعاء بأنه يعمل لأجل الشعب، العزلة والابتعاد عن الشرعية والعدل، تضخم دافعي التملك والخلود، الرعب مما بعد السلطة ومحولة استبعاد ذلك الاحتمال، تضخم الذات، التلوث والفساد، إدمان السلطة، العزلة وافتقاد الحياة الطبيعية، سكرة السلطة، الإغراء بالقدرة، العناد، التألُه، الجمود، الاحتراق والافلاس، الشيخوخة، وعبادة الأبناء. وكأن ما قاله د.المهدي يصف الحال في بلادنا على نحو دقيق، بالمستوى الذي يؤكد ما وصلت إليه البلاد من انسداد الأفق في ظل السلطة الحالية، وهو ما يحتم قيام ثورة التغيير، تجسيداً لمباديء الثورة اليمنية، وإصلاحاً لمسارها الذي اختطفه البعض!. - لم تكن ثورة التغيير اليوم مرتبطة بشخص الرئيس عبثاً أو لأسباب شخصية، ولو لم يكن أقارب الرئيس في كل مفاصل الدولة لما وصل النقد إلى الرئيس بهذه الطريقة التي فاجأت البعض ممن يراها تطاولا سافرا، دون الانتباه إلى أن ما يحصل الآن من شخصنة ليس سوى ردة فعل مقابل فعل واضح، عبر عنه البعض معلقاً على الأحداث الدامية الأخيرة بالقول: لو أن قادة أهم التشكيلات الأمنية والقتالية ليسوا من أقارب الرئيس، هل كنا سنشهد عنفاً على هذا النحو الذي حدث؟! - معادلة بعض الرؤساء أنه يتحرك باسم الوطن، ثم يبقى باسم الثمن، يريد أن يحاسب الشعب على كل فجيعة داهمت قلبه في وقت المشاكل والخطوب، وكل شظية اخترقت جسده، على جبهات القتال، والحروب، هو يرى أنه ضحى بالكثير، ويجب أن يكون الجزاء من جنس العمل، بأن يبقى الكثير من الوقت على سدة الحكم، حتى لو لم تعد سنه المتقدمة تحتمل ذلك، مع أن أي موظف في قطاع الدولة يخضع لسن التقاعد، لأسباب كثيرة، نفسية وعصبية وجسدية، ولأن الوظيفة العامة مرتبطة بمصير الناس، وذلك ليس لعبة بيد أحد، فيُطبَق التقاعد في الوظائف العادية، ويُجمد في الوظائف الحساسة، المرتبطة بمصير شعب، ومستقبل وطن! حسني مبارك أخرج روح الشعب المصري لأنه صاحب «الطلعة الجوية»، وبن علي جنن بالشعب التونسي لأنه خلصهم من جنون بورقيبة، والقذافي فتح نار الثورة على شعبه لأنه قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، ومن يتحدثون في بلادنا عن صناعة الوحدة يتجاهلون أنها تحولت إلى تجارة و ثراء مشبوه!. - عاش الأشقاء في مصر أول أعياد ثورتهم في إجراء الاستفتاء على بعض التعديلات الدستورية المهمة في طريق الإصلاح السياسي الشامل، وسار الاستفتاء في جو مفعم بالتفاعل الإيجابي من جميع فئات الشعب، حتى وصلت نسبة المشاركة إلى أعلى رقم في تاريخ الديمقراطية في مصر، واتجه الناس لصناديق التصويت وهم يتنسمون هواء الحرية المنعش، وكأن حياتهم عادت إليهم، فعادوا إلى صناديق الاقتراع بحماس شديد وثقة مطلقة ، بعد أن كانت الديمقراطية الرسمية مسرحية مملة يؤدي بعضهم فيها دور «الكومبارس» بينما يحتكر البطولة شخص واحد وحزب واحد!، ذلك الشخص كان يبرر عدم التنحي بالخوف من سقوط بلاده في الفوضى، و ها هي مصر الثورة التي ودّعته بالرفض ودّعت معه الفوضى التي كان يخوف بها شعبه وجيرانه، وكأنه كان يقول «أنا ومن بعدي الطوفان»، لكن طوفان الشعب الحر الثائر طواه وطوى عهده إلى غير رجعة، وطوى تلك المخاوف والفزاعات!.