سلمية الثورات العربية حيدت القاعدة [email protected] منذ اندلاع شرارة الثورة الشعبية في اليمن مطلع العام الحالي وشباب اليمن في مختلف الساحات مسنودين بأحزاب اللقاء المشترك يسيرون بحذر شديد وثبات واضح للتأكيد على سلمية ثورتهم ومدنيتها مع الحرص على صبغها باللون الأبيض السلمي، رغم إصرار النظام على إكسابها اللون الأحمر فقد سقط خلال الأشهر الثلاثة من عمر الثورة حتى الآن حوالي 425 شهيداً نتيجة استخدام النظام للعنف المفرط ضدهم. شعار سلمية الثورة وعدم الانجرار للعنف هو خيار استراتيجي للثورة الشعبية لتفويت محاولات النظام الحثيثة لدفع الثورة بكل مكوناتها الشعبية والسياسية والعسكرية نحو دوامة العنف، أسهم في تجريد الرئيس علي عبد الله صالح من رغبته في جر الثورة نحو الصراع المسلح والانزلاق في أتون صراع عسكري يمنحه أفضلية ويدعم اتهاماته للثورة التي يلخصها بكونها مؤامرة انقلابية شارك فيها اللقاء المشترك والحوثيون وتنظيم القاعدة،ولعل فزاعة القاعدة التي رفعها عاليا وكررها في غالبية خطاباته ومقابلاته التلفزيونية ويعزف عليها الإعلام الرسمي بشكل يومي جهاراً نهاراً، تكشف عن سعيه الدؤوب تبرير لجوئه لاستخدام القوة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية المتزايدة ضده والمطالبة بإسقاط نظامه ومحاكمة المسئولين عن الجرائم الإنسانية ضد المعتصمين في مختلف المدن اليمنية. قميص القاعدة الذي يحاول الرئيس صالح ونظامه إلباسه للثورة الشعبية هي إحدى الحيل السياسية والتكتيكية لاستدعاء موقف أمريكي ودولي مساند له لإفشال الثورة السلمية استنادا على حقيقة كونه حليفاً مهم للولايات المتحدةالأمريكية في حربها على الإرهاب وتنظيم القاعدة في اليمن, خلال الأيام الأولى للثورة كانت هناك استجابة أمريكية لمخاوف صالح من إن انهيار نظامه وسقوطه سيوفر بيئة مناسبة تسمح لتنظيم القاعدة بالاستفادة من ذلك الانهيار,لذلك سارعت إدارة الرئيس بارك أوباما على لسان وزير الدفاع الأمريكي ومسئولين في البيت الأبيض للإعلان على الملأ أنَّ علي عبد الله صالح ما زال حليفاً للولايات المتحدة في حربها على «الإرهاب» الذي يمارسه تنظيم «القاعدة», وأنها ستستمر في مدِّه بالمعونات العسكرية في حربه ضدَّ تنظيم «القاعدة» , وأنها تريد حلاًّ للأزمة عبر الحوار والتفاوض بين صالح وكافة الأطراف السياسية في اليمن. تلك التصريحات المتعجلة فهم منها صالح أن إدارة أوباما مع «أولوية الحرب على الإرهاب» وأنَّ الولاياتالمتحدة لن تقف ضده إذا ما استطاع أنْ يقضي على الثورة الشعبية السلمية ،من غير أنْ يتسبب بتعزيز وجود «القاعدة» في اليمن. لم يكن نظام صالح وهو يستخدم ورقة القاعدة يغرد خارج سرب الأنظمة التي أسقطتها الثورات الشعبية أو تلك التي مازالت تحاول إجهاض تلك الثورات،فنظام مبارك سبق أن استخدم تلك الورقة محذرا الولاياتالمتحدةالأمريكية من أن سقوطه سيعزز من وجود تنظيم القاعدة في مصر وفي المنطقة وإن البديل لنظامه سيكون نظام إسلامي متطرف طرفاه الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة،وتمت فبركة عدة حوادث أمنية في سيناء تحديدا ضد قاعدة عسكرية ونقاط أمنية، واتهم تنظيم القاعدة بالوقوف وراءها، وإمعاناً في المغالطة تم بث شريط فيديو للقيادي في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري يعود تاريخه لعام 2008م يهدد فيه بتنفيذ عمليات ارهابية ضد أهداف حيوية في مصر،غير إن أحدا في العالم لم يصدق تلك الحوادث.
نظام العقيد القذافي هو أيضا حاول استخدام تلك الورقة حيث اتهم تنظيم القاعدة بالوقوف وراء ثورة 17 فبراير وقال إن الذين ثاروا عليه هم من عناصر تنظيم القاعدة ومن الشباب الذين تأثروا بفكر التنظيم أو ثاروا تحت تأثير «حبوب الهلوسة» التي زودهم بها الشيخ أسامة بن لادن، بل وتم نشر مقابلة صحفية مفبركة في صحيفة الحياة اللندنية مع أحد زعماء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي جاء فيها إن أعضاء من تنظيم القاعدة انتقلوا إلى ليبيا للمشاركة في العمليات العسكرية ضد نظام القذافي، غير إن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي نشر تكذيبا لتلك المقابلة نشرتها الصحيفة مبدية توضيحاً عن ملابسات نشر المقابلة التي قالت إن صحافيا جزائريا هو من قام بها عبر الإيميل. في اليمن حاول نظام الرئيس صالح الترويج لأخبار وبث معلومات تفيد بوجود تحالف وعلاقة وثيقة بين شباب الثورة اليمنية وتنظيم القاعدة وذهب أبعد من ذلك حينما بثت وسائل الإعلام الرسمية خبرا يقول إن الأجهزة الأمنية رصدت تواجدا لبعض عناصر تنظيم القاعدة وسط المتظاهرين،بالإضافة لأخبار عن سيطرة تنظيم القاعدة على مناطق في محافظة شبوة بعد انسحاب قوات الأمن منها، وهللت تلك الوسائل لقيام عناصر جهادية بالسيطرة على مصنع للذخيرة ومقرات أمنية وحكومية في مديرية جعار بما فيها استراحة للرئيس وإذاعة جعار، التي قالت إنها بثت بياناً عبرها يعلن تأسيس إمارة جيش عدنأبين الإسلامية،بالإضافة لخبر اعتقال قيادي في تنظيم القاعدة قالت إنه كان في طريقة للانضمام لساحة الاعتصام في محافظة تعز، بالإضافة لتحميل تنظيم القاعدة مسئولية منع قوات للحرس الجمهوري من المرور من محافظة البيضاء باتجاه منطقة الحد يافع بمحافظة لحج. الاستخدام المفرط لورقة القاعدة ومحاولة ربطها بحركة الاحتجاجات الشعبية السلمية في مختلف المحافظات اليمنية التي شهدت وتشهد استمرارا لحركة الاحتجاجات ،وتبرير قمع السلطات للمتظاهرين بالحرب على الإرهاب، افتقر دوما للأدلة المادية وهو ما جعل استخدام النظام لتلك الورقة غير مجدية على الصعيدين المحلي والدولي،دل على ذلك تصريحات مسئولين في الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وغيرها من الأطراف الدولية والإقليمية ، التي دانت استخدام العنف ضد المتظاهرين ، وطالبت الرئيس صالح بضرورة قيامه بالتنحي والبدء بإجراءات نقل سلطاته. مثل رفع شعار «سلمية» الثورة اليمنية وإصرار المحتجين على «سلميتها» مهما حدث, كان بخلاف ما ظنه الكثيرون هو نقطة قوة الثورة ، وعلى العكس كلما تمسك الثوار بسلمية ثورتهم وتطلعهم لقيام دولة مدنية ديمقراطية ، لجأ الرئيس صالح ونظامه لمحاولة ابتكار طرق وحيل بدائية وفيها عنف وتحريض نحو ترك الخيار السلمي للثورة ،والانجرار نحو مزالق العنف كي تلجأ مكونات الثورة أو بعضها للقوة دفاعا عن نفسها،وصولا لهدف النظام في سلبها نقطة قوتها السلمية لحساب مربع العنف واستخدام القوة والسلاح وهو المربع الذي يجيد النظام التحرك فيه، وهو السبيل الوحيد الذي يرى رأس النظام ومعاونيه من خلال تجربته الطويلة في إنَّ «تبادل إراقة الدماء» هو انتصار له على الثورة، فسلمية الثورة قوة لها ، وعنفها قوة للنظام. كشفت الثورات الشعبية السلمية في تونس ومصر وليبيا واليمن ، عن غياب وتراجع لنشاط وشعبية تنظيم القاعدة في تلك الدول بل وفي المنطقة ،وعلى الرغم من قوة التحولات التي عصفت بالمنطقة والتحولات الجذرية العميقة على الصعيد السياسي فقد كان خيار النضال السلمي هو السلاح الأكثر نجاعة لإسقاط تلك الأنظمة، وهو مالم تستوعبه قيادات تنظيم القاعدة التي طالما روجت للعنف باعتباره الطريق الوحيد والأمثل لإسقاط الأنظمة وإقامة دول إسلامية في المنطقة. في اليمن كما في تونس ومصر لا يبدو إن للقاعدة أي قدرة على المشاركة في الاحتجاجات الشعبية أو أي دور في الدعوة إلى التغيير، أو في تعبئة الجهود التي ترمي لتحقيق تطلعات الشعوب نحو انفتاح ديمقراطي وعدالة اجتماعية في بلادهم. فمطالب الثورات العربية التي رفعت شعارات التغيير والإصلاح تتناقض تماماً مع ما تروج إليه القاعدة من أيديولوجيا التعصب والعنف. فقد نجحت الثورات الشعبية خلال أيام قليلة في مصر وتونس من إسقاط نظامي الحكم فيهما بدون عنف ودون لجوء المحتجين للسلاح أو استخدام العنف ، وعلى عكس تنظيم القاعدة الذي جند قدراته وإمكاناته البشرية والمادية خلال أكثر من عقد ونيف دون أن تنجح في إسقاط أي من الأنظمة في المنطقة. كشفت الفترة الماضية منذ بدء الثورة الشعبية في اليمن إن تنظيم القاعدة لا يمتلك أي قوة جماهيرية في اليمن، عكس ما يحاول النظام الترويج له لتحقيق مآرب ومكاسب سياسية ومادية بالإضافة لتخويف وابتزاز الولاياتالمتحدةالأمريكية والمجتمع الدولي ، ولعل تصريحات الإدارة الأمريكية الشهر الماضي التي دعت فيها الرئيس صالح للبدء باجراءات نقل السلطة فورا دليل واضح على اكتشاف الإدارة الأمريكية لادعاءات النظام بكونه صمام أمان الحرب الدولية على الإرهاب في اليمن والمنطقة. قد يستفيد تنظيم القاعدة في المنطقة العربية من الثورات لجهة تحوله من تنظيم يعتمد على العنف والقتل إلى جماعة سياسية أو دينية أقل تطرفا على الأقل كون الأنظمة التي ساهمت في تخليقها وتعبئتها وتصديرها ومن ثم ملاحقتها قد اختفت وانتهت ، كما أن نجاح الثورات السلمية كشف خطأ طريقة تفكير القاعدة حول طرق التغيير وإسقاط الحكام والأنظمة بواسطة العنف والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة، وهي وسائل انهزمت أمام الصدور العارية لشباب الثورة. وذلك بالضبط ما تحدث عنه منظر القاعدة في اليمن أنور العولقي بعد سقوط نظام مبارك وإعلان بدء الثورة الليبية مقال عنونه ب«تسونامي التغيير»، قال فيه إن «إخواننا المجاهدين في تونس ومصر وليبيا وبقية العالم حصلوا على فرصة للتنفس مرة أخرى بعد ثلاثة عقود من الاختناق»، مضيفاً أن «العلماء والناشطين في مصر أصبحوا قادرين على التحدث مرة أخرى بحرية». وأضاف العولقي أن الثورات في العالم العربي التي تقودها وتغذيها «الحركات الشبابية والديمقراطية تشكل نكسة للجماعات المتطرفة»، موضحاً أن «القاعدة لا تعرف بعد ما ستكون عليه النتائج في أي دولة بعينها وأن النتيجة لا ينبغي أن تكون بالضرورة حكومة إسلامية، لنعتبر أن ما حدث خطوة في الاتجاه الصحيح». غير إن رأي العولقي ليس هو التعبير الوحيد عن وجهة نظر القاعدة تجاه الثورات العربية فهناك أيمن الظواهري الذي هاجم الثورة الشعبية في مصر بعد شهرين من نجاحها وقال إن ما تم في مصر «ثورة شعبية انتهت بانقلاب عسكري»، مشيراً إلى أن «المجلس العسكري الحاكم ليس أهلاً للثقة». وطالب الظواهري أعضاء جماعة الجهاد المصرية المفرج عنهم من قبل المجلس العسكري بتنظيم حملة دعوية تحريضية لحشد الأمة حتى «تصبح الشريعة الإسلامية حاكمة وليست محكومة». خلصت العديد من الدراسات البحثية إلى إن قوة انتشار القاعدة في اليمن وازدياد فاعليتها ليس متعلقا في معظمه بقوتها الأيديولوجية كما هو شأنها في أماكن أخرى، إنما يتأتى ذلك من قدرتها على الاستفادة من الواقع القبلي والمذهبي المتفلت من سلطة الدولة، إضافة إلى وجود مبررات جهوية ومطلبية كثيرة تساعد على ذلك. كما إن النظام الحاكم في اليمن قد أدخل تنظيم القاعدة في الصراع اليمني طرفا داخليا من أجل عقد تحالفات دولية أو استجلاب مساعدات متعددة الوجوه تحت عنوان مواجهة خطر القاعدة، ويقول البعض إن السلطة تعمدت ذلك لتؤكد تعاطف أو تحالف بعض الأطراف المحلية مع القاعدة، وهو ما يبرر استعمال السلطة العنف المفرط في مواجهة المعارضة اليمنية المحلية. ويرى تقرير أعده خبراء يمنيون لمركز الجزيرة للدراسات «إن من شأن نجاح الثورة الشعبية وبناء دولة مؤسسات مدنية فاعلة وقوية سيفقد على الأرجح تنظيم القاعدة في اليمن شروط استمراره «فاعلا غير رسمي»، لكن من المحتمل أن يستمر وجوده التقليدي لأسباب لا تتصل بفشل الدولة، وذلك «كجماعة عنف» مناوئة للدولة اليمنية غير المشروعة دينيا برأيه، كما هو حال بقية فروعه في الدول الأخرى المستقرة.