التغيير خاص هدى جعفر: لا يوجد موضوع التهم عقول الناس واهتمامهم مثل موضوع الوحدة العربية منذ أن لحن محمد عبد الوهاب (سامحه الله) أغنية (وطني حبيبي الوطن الأكبر) التي ألهبت خيال العرب الحائرين دوما. والغريب في الموضوع أن هذا الحلم داعب جميع المذاهب على السواء : القوميون (بلاد العرب أوطاني) والمتدينين كمحمود غنيم في رائعته (مالي وللنجم يرعاني وأرعاه) بيت الشعر الذي طبق الآية الكريمة( والشعراء يتبعهم الغاوون) باعتبار أن من يصدق أبيات هذه القصيدة فهو غاو و مغو لا محالة. هل من الممكن أن يحدث وحدة عربية تتفق وكلمات الأغنية أو بيت الشعر؟ الجواب ببساطة لا لماذا؟ لأنه لا شئ هناك اسمه وحدة. أولا ماذا تعني كلمة (وحدة )أو (توحيد) دعونا من كلام ياقوت الحموي وقاموسه المعقد وتعالوا إلى قاموسي أنا. مثلا حينما يقول احدهم تم توحيد الزي المدرسي يعني هذا أن يرتدي جميع طلاب المدرسة زيا (واحدا) يتفق عليه( أصحاب الشأن) فإذا أردنا تطبيق هذه الفكرة على العالم العربي فأي زي سنختار ثوب وعقال وغترة أم قفطان ابيض مع طربوش؟؟. قد تبدو الفكرة ساذجة للبعض ولكن قبل أن تزدري أفكاري يا قارئي العزيز فكر فعلا بقصة الزي, ما هي الملابس التي يجب أن يرتديها كل العرب؟ اعجن عقلك بهذا السؤال , وعندها ستعرف فداحة (الوحدة العربية) وقس على ذلك باقي أنواع (الوحدات) الاقتصادية والسياسية والثقافية . ما يفرق العرب أكثر مما يجمعهم صحيح أن الدين واحد وكلنا نقول (لا اله إلا الله) ولكن كل دولة لها خطاب ديني خاص به كونته خلفيتها الثقافية والفكرية وعدد السنوات التي رزحت فيها تحت الاستعمار. فمثلا من يرى الدين( الامارتي) أو الدين (التونسي) سيفهم معنى ما أتحدث عنه ولمن لم يعجبهم مثالي السابق عليهم أن يتمعن في حديث الشيخ عبد العزيز بن باز ومظهره مقارنة بالأستاذ عمرو خالد ولن يصدق أنهما يتحدثان عن دين احد!!!. وبالنسبة للغة المشتركة اعتقد أن كل ماهنالك أننا تستخدم ذات الثمانية وعشرون حرف فقط كمن يستخدم الماء والتراب ليزرع ومن يستخدمه لعمل إناء فخاري ولا علاقة بين العملين كما هو واضح, أما الاقتصاد فأعتقد انه أهم أسباب تفرقة العالم العربي غير الموحد أصلا, هذا الاقتصاد الذي دفع بالكثيرين إلى الاغتراب في دولة أكثر(نفطية) مما قسم العالم العربي إلى( كفيل) و(مكفول) وللأسف كل( المكفولين ) و (المكالف)عادوا من تلك الدول حاملين ذكريات سيئة من الطراز الذي لايروق لا لجمعيات حقوق الإنسان ولا لمفهوم الوحدة . أن الوحدة العربية كذبة وصدقناها ودافعنا عنها بالروح والدم بعد هزائم متكررة ورفض عالمي كبير. مما جعل الوحدة حلم الخلاص السحري لجميع مشاكلنا كعرب و أيضا مخدر نحقن به ضمائرنا حينما تتساءل عن ردة فعلنا المتوقعة تجاه الأحداث الحالية لنرد بلؤم (أصلا لو كان هناك وحدة لما تجرأ إسرائيل على كذا وكذا) أي ارتاح يا ضميري حتى يتوحد العالم العربي فما باليد حيلة , إن العرب مثل من يريد الوصول إلى عنوان غير موجود , كمن يريد الذهاب إلى مدينة (جيوكندا )- ارض الذهب في الحضارة الهندية - فلا احد يستطيع الوصول إلى هذه المدينة لأن لا وجود لها أصلا, أضف إلى ذلك أننا يجب ألا نزايد على هذه الوحدة لأنها ستطرد أعلاما بارزين طالما تغزلنا بهم وحلفنا بحياتهم (صلاح الدين الأيوبي , الإمامين البخاري ومسلم في علم الحديث وسيبويه في النحو) لأنهم ليسو عرب!!! مما سيفقدنا رصيد فخر وغطرسة لانهائي. ربما هناك اتحاد وقتي بين الدول العربية ثم تذهب كل دولة في حال (حدودها) على شكل تعاون, اتفاقات, معاهدات أو أي شئ آخر شرط أن يكون بعيدا عن المزايدات السطحية و عن طريق (جيوكندا) غير الموجود.