نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا الاسلام السياسي الخطر الاكثر تهديدا للدولة الوطنية؟
نشر في التغيير يوم 25 - 06 - 2014

تمكنت الاسلامويات في اغلب الدول العربية من بناء تنظيمات حديدية برؤوس متعددة تدير مؤسسات متنوعة ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية وتعليمية يجمعها مرشد محلي تابع لمرشد أعلى، وشكلت منظومات عسكرية وأمنية قوية ومهابة في بعض الدول، واخترقت مؤسسات الدولة بأعضائها الذين يتركز ولائهم غالبا للتنظيم لا للمؤسسة ووظفت المال السياسي لشراء الولاءات في المجتمع والدولة بما يسهل لهم فرض سيطرتهم واختراق كل المجالات الحيوية للتحكم والسيطرة، ورغم كل ذلك إلا ان الاسلام السياسي عجز عن بناء آليات متقنة لإدارة هذه القوة وهو في المعارضة ويزداد تخبطه وفشله بمجرد ان يمسك بزمام الحكم بل ان هذا البناء التنظيمي وسلوكياته المعلنة والخفية اصبح مصدرا مهددا لأمن الدول ومهددا للسلم الاجتماعي في دولنا العربية وتجربة الاخوان في مصر عينة بارزة، فقد تعامل الاخوان مع مؤسسات الدولة باعتبارها مجالا مضافا لقوة التنظيم ومصدرا قويا لنفوذه، وغنيمة خاصة لقياداته ومدخلا لبناء وتعمير سيطرة وهيمنة التنظيم، وبداية لتحويل الدولة الى مسارا تعبويا لتحريك افرع في الدول الأخرى، بحيث اصبحت مصر وكأنها أداة لنشر الفوضى الى الخارج مسنودة بالمركز المصدرة للثورة الاخوانية في قطر التي ارتبطت بالأتراك وبالإستراتيجية الامريكية الاسرائلية الجديدة في المنطقة، ناهيك عن ارتباط الاخوان بالطموحات الاقليمية لإيران بما يناهض المصالح العربية.
وأثبتت تجربة ربيع الفوضى ان تعاظم قوة الاسلام السياسي ولد انقسامات عميقة افقية وعمودية في المجتمع وأنتج صراع عميق مع كل الاطراف حتى بين تيارات الاسلام السياسي غير الاخوانية كالسلفية او الحوثية كما هو الحال في اليمن وهذا امر طبيعي فالتنظيم الاسلاموي وإيديولوجيته ليسا إلا وعي متحيز بالمطلق للذات وشعور تام بامتلاك الحق لذا يؤسس لروح استعلائية ضد كل ما عداهم، والاستعلاء خارج الحكم قد يكون حقا لا يمكن معارضته أما الاستعلاء الذي يتضخم وهم قابضين على المجال العام فيخلق استبداد قهري وعادة ما يتم تبريره بالآليات الديمقراطية أو بالثورة أو بالأحقية في الحكم أو بالاستخلاف الإلهي.
عادة ما يتعامل الاسلام السياسي مع الحكم باعتباره حق رباني منح لهم ونتيجة اعتقادهم بانهم الأنقى والأطهر والمصطفين من قبل الله فإن الحكم يبدو لهم كمنحة إلهية وكملكية خاصة بالتنظيم ومن معه لا وظيفة لخدمة المحكومين كلهم وإرادة مرتبطة بالقانون وبقيم العدالة وتوزيع الموارد وفق الآليات التي تحددها منظومة الحكم. مشكلة الاسلام السياسي انهم يتعاملون الفوز الديمقراطي باعتباره قدر رباني لتحقيق الاستخلاف الذي وعدهم الله به والمطلوب من الناس طاعة عمياء لا تنتقد ولا تعترض على إرادة الله المتجسدة فيهم، وحديثهم المبالغ عن الإرادة الشعبية ليس إلا نفاقا ضروريا للتحشيد ولمواجهة خصومهم ومعارضيهم، والاهم لتبرير سلوكهم الاستحواذي، وعادة ما يتحدث التنظيم الديني باسم الشعب حتى لو كانوا اقلية، فالتنظيم عندما يضع مطالبه يقول الشعب يريد، وهي نتاج للاستعلاء على الكل وحتى على الشعب فخيارهم ليس هو الشعب فحسب بل هو إرادة الله المتجسدة فيهم.
والإسلام السياسي مهم بلغت قوته الشعبية فإنه يعتمد على تركيز القوة في حلقة ضيقة عليا سرية تدير التنظيم وتصنع استراتيجياته وتتخذ القرارات قرارات التنظيم والدول التي يحتلها التنظيم، وهذا الامر سهل لقائد فرد في الحلقة العليا ان يكون هو المسيطر والمهيمن وصاحب القول الفصل. فالجسد التنظيمي بكافة شبكاته المعلنة والسرية وقياداتها العليا والوسطية والدنيا والأعضاء والأنصار والمؤيدين والمتعاطفين من خارج منظومتهم جميعهم ليسوا إلا أدوات تنفيذية تبذل قصارى جهدها لتنفيذ إرادة ديكتاتور مستبد غالبا ما يكون خاضع لدوافعه وأهدافه وتجاربه الشخصية والعامة ولارتباطاته التي لا يعرفها أحد إلا الدائرة العليا التي جعلته سيدها المطاع وإضافة لتبرير هيمنته وسيطرته امام المنظومة كلها.
في التاريخ القديم والحديث لم تتمكن المنظومات الحزبية التي تنتهي سيادتها بيد فرد أو دائرة ضيقة وتعمل بالسرية ان تنتج سلام وعدالة وتنمية نافعة للناس وكل انجاز وبناء تنتهي محصلة القوة بأيدي نخبة تتعامل مع الشعوب كأدوات مضافة وظيفتها بناء الشرعية للحلقات العليا المهيمنة وجعلها مجالا مفتوحا لإدارة معاركها التي ترتبط غالبا بمصالح كبرى تديرها دول مهيمنة، والبعد الخيري كما هو حال المنظومات الاسلاموية مدخلا يتحول مصدرا للكسب المالي وخدمة للأعضاء ووسيلة لكسب القلوب، وهذا يفقده معناه الديني والإنساني ليصبح فعلا ماديا ذا وظيفة سياسية، ومجالا نفعيا لبناء القوة.
وكلما اوغلت هذه المنظومات الاسلاموية في السياسة وكان الدين أداتها التعبوية ومصدر شرعية تأصيل لأفعالها حتى المناهضة للدين ذاته يفقد الدين طبيعته ويحاصر في إدعاءات ايدولوجية وهذا يبعث صراعات حول المجال الحاكم لوعي الشعوب كالشعوب العربية، وكلما زادت فاعلية الاسلام السياسي تحولت فاعليته إلى طاقة مضادة للتعمير والبناء وتأسيس الحرية بل تتحول المنظومة الى فاعل متحرك لإثارة الفتنة والنزاعات والحروب، وفاعل منغلق على ذاته بأخلاق استعلائية نافية لكل ما عداها، وهذا ما يدفع البعض لاتخاذ العنف وسيلة لا مفر منها لإجبار المجتمع على الرضوخ لكل مقولاتهم، ولديهم عقائد صارمة في ان المجتمع مستلب وخاضع لمؤامرة ولابد من تحريره، وتحريره لن يكون إلا عبر فرض هيمنتهم المطلقة، وعادة ما يتحرك الاسلام السياسي في المجتمع ليستولي عليه ويدفعه باتجاه اسقاط الحكم واسقاط كل قوة بإمكانه ان تعيق سيطرتهم الكلية.
المنظومات التي يديرها الاسلام السياسي العلنية والسرية والمحكومة بالمرشد الاعلى ودوائره الضيقة توجد ديكتاتور مؤله في المفاصل القيادية لمختلف تكويناته ويرتبط كل دكتاتور مؤله بدكتاتور أعلى لنصل إلى الدكتاتور الإله وهذا التركيبة مع طبيعة الايدولوجيا وتراكماتها تدفع بشكل مستمر الى تخليق صراعات في كل الاتجاهات ومع كل الاطراف على السلطة السياسية والثقافية والاقتصادية وفي خضم هذا الصراع الذي يتطور حسب الظرف والبيئة ليصل في نهايته الى حالة الحرب الشاملة في المجتمعات وعندئذ يتوقف الانتاج وتنهار الاخلاقيات وتتراجع القدرات الفكرية الابداعية ويفقد الفرد وجوده في الفوضى ليصبح ترس مقاتل على الغنائم والعقائد.
من يراقب الاسلام السياسي من إيران إلى لبنان إلى مصر إلى افغانستان الى اليمن إلى السودان إلى الجزائر سيجد ان قياداته ومنظوماته في الحكم او في المعارضة لا تهتم بالدمار والانهيار الناتج عن صراعاتهم الفتنوية الدائمة وليست القاعدة إلا التجسيد الاكثر مصداقية والتزاما بالايدولوجية الاسلاموية. فالاسلامويات تراهن على تماسك كتلها وهي تدير الصراع فالفتنة تبعث فيها الحياة والتحفز والرغبة في الانتحار، وهذا الصراع حسب تصورها لن يقود إلا الى انهيار المنظومات الأخرى المنافسه المنظمة بشكل مدني والغير المنظمة الشعبية والأهلية، لتكون هي الكاسب بفعل تنظيمها الحديدي وعقائده الصارمة. والاهم لديها في حالة عجزها عن فرض وجودها ان الصراع بكافة مساراته العنيفة والارهابية والناعمة الحازمة والصارمة في المواجهة يؤدي الى انهاك منظومة الحكم والمنافسين ويفقدهم قدرتهم على الاستجابة لحاجات الناس ومتطلباتهم، فسعي الدولة للحفاظ على وجودها امام تمرد متشعب يسلبها شرعيتها ويضعف قوتها الصلبة لتصل الى مرحلة الانهيار، وهذا الخيار كما تنسجه الاسلامويات في ايدولوجياتها يمثل الاستراتيجية الاكثر فاعلية لاستيلائها على المجتمع والدولة.
من يفحص طريقتها في إدارة الحروب والمعارك ضد المجتمعات والدول سيجد أنها تستند على نظرية الصدمات المتلاحقة المؤلمة والمرعبة التي تسهل اعادة الفرد الى وعيه الطفولي الهش ليتم اعادة بنائه لاحقا بلا ارق او تعب وتمرير مقولات الايديولوجيا لتصبح هي الحاكم الفعلي للوعي والواقع، وعندئذ تصبح ديكتاتورية التنظيم هي الحاكم المهيمن، وهي تتشابه في ادواتها مع الوسائل التي تعتمدها الليبرالية المتوحشة، باستثناء ان البعد الديني لدى الليبرالية المتوحشة شبه منعدم وهذا يجعل مواجهتها خاضع لمنطق العقل والتجربة، بعكس الاسلام السياسي فالدين المؤدلج يحاكم الواقع بالاستعلاء والغرور الفج والفشل لا علاقة له بالتجربة ولا بالمنطق العقلي بل بالعجز عن تطبيق إرادة الله.
والأمر ليس كما تتخيله تلك المنظومات الاسلاموية فالمخطط الذي تعتقد بإلوهيته ليس إلا نتاج عقلي مشرعن بكلمة الله لتبرير افعالها، وحركة الواقع ومنطق الواقع يؤكد ان النصر الذي تسعى وفق تركيبتها وطبيعتها وإستراتيجيته المتبعة محال، ومفاعيله ومآلاته لن يقودنا إلى فشل جماعي وحروب أهلية وتبعية مقيتة، فالواقع بتعقيداته المحلية والاقليمية والدولية ومسارات التحولات العالمية في كافة المستويات يجعلها أداة تدميرية لا للواقع ومصالح الناس وللدين وحراكها كما ينطق الواقع مدمر للواقع ومصدرا اساسيا للهزائم والضياع وفي المآل سيصلوا بنا إلى الرضوخ الاجباري للفاعلين الكبار في المنظومة الدولية والاقليمية.
ومن يتابع الاحداث الذي انتجها ربيع الاخوان سيجد ان العرب اليوم يواجهون انفسهم بتقنيات متشابكة تديرها قوى داخلية اسلاموية وغير اسلاموية وخارجية اقليمية ودولية هي حرب صلبة وناعمة أداتها الابرز الاسلامويات في مواجهة القوى الوطنية الاخرى ومؤسسات الدولة وهذه المواجهة تتناسل بالتهديدات والتحديات وسيخسر الجميع إلا ان المنظومات الاسلاموية ستكون ضحية لهذا الصراع والمؤشرات تؤكد ان المواجهة ستتوسع باتجاه الحروب الاهلية وهذه الحروب ستكون قاصمة للاسلامويات قبل غيرها لان الشعوب ستنقسم بين قوى الشعب المراهنة على الدولة وقوى الغوغائية وقياداتها المؤلهة المراهنة على التنظيمات الاسلاموية كخلاص وعلى الانتهازية في تبرير كل شيء لانتصار التنظيم بما في ذلك ارتباطتها الخارجية المناهضة لمصالحنا والتي ترى المنطقة العربية فسيفساء لابد من تدمير اشكالها الموحدة باعتبارها غير طبيعية، وهذه المعركة في مؤشراتها التي بدأت تظهر من المناطق الاكثر حيوية في منطقتنا العربية ستنتهي باصلاحات جذرية ليس سياسية بل ثقافية لتبدأ ثورة رزينة عقلانية لخوض غمار الحياة الجديدة!!
لسنا ضد أي تكوين بل ضد الافعال التي يتم تسويقها بإنها الخلاص وهي في المآل لن تنتج إلا كارثة متناسلة بكوارث مستمرة وبالإمكان تجاوز حالة الانهاك والدمار عبر مراجعات في الوسط الاسلاموي والبداية بقرارات تفكك المنظومات السرية والتنظيمات الممتدة عبر الجغرافيا وضرب مرتكزات التمويل، ومراجعة شاملة للبنية الايدولوجية وتفكيكها وبناء مرجعية معرفية جديدة منفتحة على العالم والامر اليوم لا يحتاج غربنة ولا أسلمة بل تثوير معرفي جديد لانسنة الاسلام، لا عبر أدلجته بل تحويل نصوصه الى مجال مفتوح لتخليق معرفة خادمة للانسان، لا باعادة انتاجه بل بتجاوز الغربنة والاسلمة وتخليق مشروع انساني يجعل لهذا العالم معنى وللفرد ذاتية متجددة مخلصة لله ولنفسها وللجماعة ولكل انسان ايا كان دينه.
الامر قد يحتاج الى مبادرات فردية من داخل هذه المنظومات الاسلاموية لكشف طبيعتها ودوافعها واهدافها ومخاطرها، وتحذير الناس من الاستجابة لها نظرا لنتائجها الكارثية على الدول والافراد والجماعات وعلى الدين الاسلامي، معركة تحرير الاسلام من الاختطاف واعادته الى طبيعته وحيويته التلقائيه وتحريره من العقائد الايدولوجية التي تأكله كدودة خلقها اغبياء واذكياء واسرار غامضة هي معركة لابد منها بل هي حتمية لنخرج من معضلة قاتلة معركة تتوازى مع معركة محاربة ومكافحة الفساد ومعركة التنمية والسلام والعدالة.
ونشير هنا إلى ان الاسلامويات السنية والشيعية الفروق بينها ليست كبيرة وان اختلفت عقائدها الدينية فهي مذهبيات ايدولوجية تستند على البنية التقليدية للمذاهب الاسلامية التقليدية دون ان تتجاوزها بل تؤدلجها وتميعها وتشوهها وتفقدها القدرة على التجاوز لمواجهة اشكاليات الواقع الجديد واتجاهات العولمة التي ستنتهي بنظام كوسموبوليتي متجاوز للعولمة، والمشكلة الاخطر ان الاسلامويات تستند على تقديم قراءات تاريخية زائفة للاسلام متوافقة مع طبيعة المذهب التقليدي الذي تستند عليه، مع محاولة تمرير الحداثة فكرا وأدوات من خلال الموروث نصا وتاريخا فتخلق بنى تلفيقية مهزوزة مدمره لاي اصلاح ديني ووظيفة الحداثة هي أدلجة الاسلام وتزيين التراث بزينة تسويقية استهلاكية.
فهي مثلا توظف النص القرآني والحديث والتراث من خلال منهجية حزبية متأثرة بمنتجات الحداثة فتنتج ايدولوجيا تبدو جديدة وهي خليط متداخل لا هو اجتهاد جديد ولا هو الماضي وانما خلطة لم تنتج غير تجميد حيوية الاسلام والأخطر انها خنقت الابداع الفردي وأدخلت المجتمعات في اضطرابات مستمرة وزلزلت اي تراكم لتجربة الدول والمجتمعات الاسلامية.
وما يزيد البلاء ان الاسلامويات العربية لا تبالي بالوطن ولا بالدولة الوطنية فهي تتحالف مع أعداء الدول ومع من يروا العرب مجال حيوي لدولهم القومية، واذا حاولت الدول حماية امنها القومي زادت شراستهم ضد من يكشف واقعهم المرتهن لخيالات الايدولوجيا وذهبوا بولائهم الى وراء الحدود وفي الوقت ذاته تعميق كراهيتهم للداخل الوطني. اما من يتخذ قرارات حازمة لردعهم ومعالجة نتائج افعالهم فيرموه بكل التهم ويكفره البعض ولا يمانع من ممارسة اعلى تجليت العنف وممارسة الارهاب ضده وحتى التحالف مع العدو في حرب المغالبة، فمن يتابع هجومهم على السعودية ومصر وبقية الاوطان العربية الاخرى اليوم سيجد كراهية وافعال مدمرة وكل تبريراتهم التي يقدموها فارغة إلا من خيالاتهم وممتلئة بالدعايات الفجة وبتزوير الواقع.
والإسلام السياسي ليس قويا ولا متجذرا في البنية الاجتماعية كايدولوجيا وتنظيم وانما قوته في استغلال البعد الديني باعتباره الثقافة المهيمنة والمسيطرة لدى الشعوب العربية والاسلامية، والتجربة اثبتت ان الاسلامويات العربية ليست الا انساق هشة في حالة كشف صورتها وفضحا ووصولها الى الحكم كشف هشاشتها وانتهازيتها وضعفها وعجزها ولكنها لم تستوعب مدى تناقض مشروعها وكتلتها مع العصر والشعوب.
فالاسلام السياسي العربي يتحدث عن الوطن لكنه لا يرى الا ايران او العثماني التركي ولديه عقدة مركبة جهة وطنه وعروبته، وحتى العداء مع الغرب فهو مفتعل وأداة تعبوية لمصارعة الداخل فأمريكا وإسرائيل شماعات والواقع يؤكد انهم الاكثر قدرة على تبرير التعاون والاتصال معهم والاستجابة لمصالحهم المتعارضة مع مصالح الدول والشعوب والمهم ان تكون متوافقة مع مصالح تنظيماتهم وعامل مساعد لتنفيذ استراتيجيتهم واتضح انهم الاقدر على الاستجابة لمصالح الغرب وتأمين اسرائيل والأمر مرتبط بالاستيلاء على السلطة لا بمصالح اوطانهم واذا خسروا رفعوا شعار العداء واتهموا الآخرين بالخيانة دون ان يفكوا روابطهم الذي تبدو انه جذرية مع المنظومات الدولية المهيمنة. تبدو في خياراتها المنظومات الاسلاموية حتى وهي تدعي الطهر والنقاء كانتهازيات فوضوية استعلائية. ويدعون ان الحرب ضدهم امريكية وإسرائيلية وان هناك مؤامرة عالمية على الاسلام وكل افعالهم تنتهي في مصالح ما يلعنون ومآلاتها تحاصر الاسلام وتخنقه وتدمر صورته ليس لدى من لا يؤمن به فحسب بل لدى من الاسلام عقيدته.
والغريب انهم يسعون إلى من يلعنونهم ويتهمونهم بتخريب بلداننا وبالتآمر على الاسلام ويقدمون التنازلات التي لم يتخيلها المخدوعين من السذج وليست الحالة الايرانية مؤخرا الا مثال بارز اما اسلامويات العراق سنية وشيعية فالأمر واضح للمراقب الغبي وليس المالكي الا الاسلاموي الذي قاد العراق الى فوضى طائفية وباسناد امريكي ايراني أما تحالف الاخوان مع امريكا فلا ينكره الاخوان بل ان امريكا هي من تسندهم ووقفت ضد كل من يناهضهم، اما اسرائيل فالاخوان قد حسموا امرهم معها ولديهم باكج متكامل فيما يخص اسرائيل ترعاه تركيا وقطر وامريكا.
وعودة الى الوطنية والولاء الوطني سنجد ان الاسلاموية الشيعية ولائها للملالي ولولي الفقية فهو الاصل والفصل ويتعبدون في مقاومة اوطانهم لخدمة ولي الفقيه امامهم وخليفتهم وهم تابعين لمصالح ايران أين ما اتجهت قبلتها. وبالمثل الاخوان فالمرشد العام للتنظيم العالمي هو ولي الامر المطاع لا حكام دولهم ولا قوانينها حتى اذا حكم الاخوان الدولة فان المرشد هو الخليفة حتى لو كان مقر اقامته في سويسرا او لندن او واشنطن او تل ابيب، وبالمثل يمكن القول ان القاعدة تنظيمات فوضوية وهي الانشقاق المعبر عن الاخوانية التي لم تتأقلم مع نهج السلمية ولم تقدم للأوطان غير الدمار والخراب وخدمة من يتخذونهم اعداء وهي كتل موزعة تديرها منظومات سرية تنتهي بحلقات ضيقة لا يدري أحد من ورائها. ويمكن القول ان الاخوانية في جوهرها هي الارهاب الاصل وستثبت التحولات ذلك وليست الحالة المصرية إلا عينية بارزة والحالة اليمنية يدركها سيجد ان الوجه العنيف للاسلام السياسي هو الجناح العسكري للاخوان.
علينا ان نسأل: ماذا قدمت الاسلامويات العنيفة والسلمية للاوطان غير النزاعات الطائفية والانقسامات المشتتة للهوية والوطنية والقومية والاسلامية، تبدو الاسلامويات كفاعل لا ينتج غير الفتنة الدائمة واضعاف الاسلام وخلخلته من الداخل.
تبدو لي القرارات المصرية والسعودية قرارات صائبة وضرورية وعمل تقدمي وبقية الدولة العربية بحاجة الى بناء قانون صارمة لمحاربة الارهاب والتطرف، حتى تتمكن الدولة الوطنية من الدفاع عن نفسها وحماية لمجالنا العربي وبناء منظومة متكاملة رادعة وحاسمة للاسلامويات ومحاصرتها مهم ايضا لعلها تراجع مخاطرها التي تبعثها يوميا لا على الدولة والمجتمع بل على الاسلام كدين الذي حولته إلى ايدولوجيات بلا معرفة وطاقة تعبوية نضالية في الصراع على الموارد ومجال موظف ضد الدولة والاخطر تسطيح للاسلام وتشويه صورته وتدميره من الداخل وعلمنته بطريقة ساذجة عبر التوظيف الانتهازي الخادم لقلة جعلت من الاسلام حجاب لحماية مصالحها الخاصة وبناء مثالي متآكل في واقعية قذرة لا تمتلك مشروع فعلي، فالايدولوجيات الاسلاموية تراكم القوة بايدي اقلية وتنظيم استعلائي يقاوم ليدمر والخاسر الشعوب والاسلام الذي تم سجنه قهرا وغصبا في مقولات وسلوكيات بلا تجديد جذري ولا ابداع نافع للناس.
مع الاسلامويات اصبح الاسلام مجال للاختلاف والنزاع والتوظيف الانتهازي وهذا افقده حيويته كمجال لإنتاج حضاري وشريك انساني في صناعة الحياة المشتركة وتأسيس السلام العالمي وأفقدت ابنائه القدرة على فتح آفاق الطاقات الابداعية التي يقدمها الاسلام للأمن الانساني في ظل تحولات جعلت من العالم قرية واحدة بل بيت واحد وبدل من ذلك فجرت الاسلامويات تطرفها في بلدانها وضد الآخرين حتى غدا الاسلام وأبنائه مشكلة عصية تؤرقهم وتأرق العالم.
اريد ان اقول لمن يناهض التحركات المنظمة ضد الاسلامويات ان هناك فرق بين تنظيمات جائعة فوضوية بأحلام تعبوية ودولة وكتل وطنية تدرك مسئوليتها امام العبث المراهق للاسلامويات. ومهما كانت النتائج سنقف مع الدولة الوطنية في المنطقة العربية لان خياراتها هي الاسلم والأجدى والأنفع للشعوب وللإسلام وللأمن وسلم العالميين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.