ليس للرئيس عبدربه من يكاتبه، ولا أتصور انه يملك الكثير من الأوراق التالفة تحت الطاولة لأنه لا يختلف عن غيره من اليمنيين اللاجئين في العاصمة التي لا تشبه أي عاصمة في هذه الدنيا. عبدربه لا يختلف عنا كأجساد بشرية استنفدت صلاحية الإقامة على الأرض، علاوة على انه لا يتميز بأي نفق معتبر أو جامع جدير بالاعتبار، أو حتى مغارة تليق برئيس تضاربت به الأنواء من كل الأنحاء. هو يقع في مدينة يهيمن عليها الوجه المتجهم والمظلم للتاريخ، ويهرب جل سكانها منها ومن أنفسهم بسرعة الخوف، وينبغي عدم التعويل على أي حلول سحرية يمكن أن يأتي بها لأن كلفة الانشغال المنهك بالصفقات وجمع الولاءات صارت باهظة جدا وليس في يد عبدربه فائض من "الجرع" الناجعة والكافية لحقن القبائل والمليشيات المسلحة، وتسكين التهاباتها المزمنة، وترويض حرائقها المجنونة. تقع البلاد كلها على "مذبح التاريخ" وتشهد تمركزا كثيفا ومزدهرا للمليشيات، وجميعها تطالب بأن يكون قتلاها "شهداء" وقتلتها من الجنود والضباط وأصحاب المراتب والرتب والمناصب الكبيرة والحقائب الوزارية والمالية والدبلوماسية، ويراد لعبدربه أن يكون موزعاً لأرزاق كافة المحترفين لجز الأعناق. جل هؤلاء يطالبون عبدربه بالتعويض عن فظاعاتهم واحتساب ما كان من سوابقهم كإنجازات وسنوات خدمة ونضال في سبيل الثورة والجمهورية و.....الخ. جل تجار السلاح والمهربين والإرهابيين أصبحوا سادة المشهد ويطالبون عبدربه بالكف عن التضييق عليهم أو اعتماد مخصصات تعويضية مجزية أو شرعنة امتيازاتهم السابقة، وغير المشروعة بالمطلق. عبدربه مطالب بتوفير ملاذات للنازحين وضحايا حروب صعدة وأبين وحضرموت وعمران وشبوة وللفارين من جحيم الضغط الهائل لعوامل التضخم الديمغرافي الأصولي الإرهابي والتغول المليشاوي، ومطالب بمداواة جرحى الحروب العبثية والصراعات العقيمة. هو مطالب بتوفير كراسٍ أكثر من عدد من السكان، ومطالب بإنعاش الراقدين تحت غبار الأنقاض، وتسجيل بصمات الجثث التي تشكل أسوارا وخنادق حول صنعاء وداخلها، وحول وفي دواخل غيرها من المدن لإقناع المانحين بأن اليمن نفذت بالفعل برنامج "البصمة الوظيفية". هو مطالب بمنح الدمار الحق في "إعلان حقوقه" وممارستها. بالمفتوح: على هذا الرئيس أن يمارس صلاحياته كاملة في رعاية براكين الحقد والضغينة الطالعة من قيعان وأسافل النفس البشرية، وكفالة حق الجوارح والكواسر. في السياق عليه الاعتناء بأشلاء البشر وبالفصول المتوالية للرعب والقبح، ورعاية لحظة اندراج هذه البلاد في زفرة الانقراض الأخيرة التي تتطلبها المصلحة الوطنية: حكومة شراكة تتكفل بمنهجية عملية تنويع قتل اليمنيين وتنضيد أشلائهم، وتعميم جهلهم، وتمكينهم من حقهم في ممارسة الموت وإقامة ولائم القيامة. عبدربه مطالب بأشياء كثيرة يتبرأ منها ربه.