بعد كل ما حل بالوطن من مأسٍ ومن كوارث وأهوال، وبعد كل ما لحق بنا كشعب من مظالم ومن إفقار ومن مجاعات وسوء تغذية وأمراض وتجهيل وتهميش وإحباط ما بعده إحباط، يبقى السؤال هنا هو ماذا تبقى لمفسدي الحياة في هذا البلد ولمتأمري الداخل والخارج من شيء لم ينجزوه في ضوء أجنداتهم القذرة والخبيثة المنفذة خطوة بخطوة منذ عقود طويلة وحتى اللحظة. ماذا تبقى لسفلة هذا العصر من مشاريع تدمير يزمعون تنفيذها في هذا البلد المجروح والمكلوم بعد أن أوغلوا كل حرابهم في جسد هذا الوطن وفي أجساد قاطنيه وبعد أن أدموا كل ما هو على هذه الأرض وأوقفوا كل نبض حياة فيها؟ ربما عمل واحد وأخير لم ينجزوه حتى اللحظة وهو تمزيق الوطن بعد أن يشهد صداماً دمويا بين مكون سكانه يفضي إلى ما أفضت إليه المؤامرات الإقليمية والدولية في كل من العراقوسوريا وليبيا والصومال، وما نجم عن مآلاتها من تشريد لعشرات الملايين من السكان ومن سبي للنساء ومن توهان لملايين الأطفال ومن إفقار لكثير ممن كانوا في عداد الميسورين. إنها الحرب الأهلية القذرة التي يلهث وراء تحقيقها هؤلاء المتآمرون والتي أثبتت نتائجها في أكثر من 30 دولة في العالم جرت فيها هذه الحروب القذرة والتي لن تكون أخرها ما يجري اليوم في سورياوالعراق وليبيا إنها أكثر فتكاً بالإنسان من فتك السلاح النووي! بدليل أن ما أوقعته القنابل الذرية الأمريكية بمدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين من قتلى ومن جرحى هو أقل بكثير مما ألحقته الحرب الأهلية بأبناء العراق خلال حربهم الأهلية المذهبية المقيتة، وما غرسته في نفوسهم من أحقاد ومن ثارات ستظل دفينة في نفوس كل من دفعوا أثمان هذه الحرب غير المبررة بين أبناء الوطن الواحد في لحظة تهور وفي لحظة غياب الذاكرة الوطنية لدى كثير من شيوخ العشائر ومن أمراء الحروب ومقاولي سفك الدماء المأجورين من قبل أنظمة إقليمية ودولية. ما نمر به اليوم من مؤامرات ومن محاولات تنفيذ سيناريوهات شبيهة بسيناريوهات إقليمية ودولية في ظل ما تشهده العاصمة وبعض المدن من نشاطات احتجاجية واعتصامات شعبية، ما نشهده اليوم يدفعنا إلى الخشية في أن تتطور إلى صدامات وإلى مواجهات مسلحة بمجرد طيش من قبل هذا الطرف أو ذاك كما حصل يوم أمس الثلاثاء 9/9/2014م في محيط مقر رئاسة الوزراء. هذا المشهد الذي يضعنا أمام سؤال وهو: من سيكون الكاسب ومن سيكون الخاسر في حال ما نشب صدام مسلح في بلد يصل مخزون سلاحه الأهلي إلى أكثر من 60 مليون قطعة سلاح! ناهيك عن مخزونه الهائل والمخيف من الذخيرة التي تفوق بكثير ما يختزنه الإنسان اليمني من طعام جاف لمواجهة احتياجاته المعيشية!. ما جرى يوم أمس من صدام دموي هو ما كنا نخشاه ونحرص على تجنبه بقدر الإمكان خشية أن يتوسع ويمتد إلى أكثر من مساحة جغرافية في هذا الوطن الموجوع والمترنح... كون أية مواجهة مسلحة وفي حال ما امتدت رحاها إلى كل ساحات الوطن سيكون الخاسر فيها كل المكون السكاني بينما الرابح منها هم النافذون ممن كوموا الثروات الهائلة، وممن لهم القدرة على الهروب والنفاذ بجلودهم إلى خارج الوطن بحيث يمكنهم من هنالك إدارة مشاريعهم الإستثمارية في مقابل التامر على هذا الوطن وأبناءه؛ بغية الإجهاز على ما تبقى لهذا الوطن من قدرات وإمكانيات فضلاً عن الإجهاز على شرفاء هذا الوطن ممن مازالت عروقهم تنبض بالحياة. الكاسب الأكبر من أي صدام أهلي مسلح ينشب في هذا البلد هم المتأمرون في الخارج من الانظمة الإقليمية والدولية ممن ينتظرون وبفارغ الصبر هذه اللحظة التي يتلذذون بها بنهش المواطن اليمني في لحكم أخيه ويغرس كل واحد منهم مخالبه ونواجذه في لحم الآخر! بحيث يتسنى لهذا المتآمر وذاك تقاسم غنائم هذا البلد من خلال تمزيقه ووضع اليد على ثرواته ومنافذه البحرية بالذات في إطار مخطط وضع منذ زمن وظل حبيس الأدراج في انتظار تنفيذه في مثل هكذا أزمات ومواجهات مسلحة محتملة بين أبناء الوطن الواحد. جاهل من يُنظر بأن أية حرب أهلية تنشب في هذا البلد سيدفع ثمنها الجوار السعودي من خلال تحمله أعباء نزوح ملايين الفارين إلى أراضيه، جاهل من يُنظر لهذا سيما وأن من يقع في جوارنا هو النظام السعودي الذي أغلق أجواءه وحدوده أمام كثير من اللاجئين الأشقاء ممن وقعوا في براثن الحرب الأهلية مثال على ذلك اللاجئين الفلسطينيين والصوماليينوالعراقيين والسوريين، كون مهمة هذا الجوار عند اشتداد المصائب والنوائب على الشعوب المجاورة هو إغلاق منافذه وبالتالي فإن جحيم أية مواجهة أهلية في هذا البلد سيكتوي بها كل من يحمل الهوية اليمنية، إذ لا ملجأ لأحد عند هذا المنزلق لا قدر الله غير جحيم هذه النار في ظل صومالٍ مقابل لسواحلنا يعيش نفس الجحيم وفي ظل جوار سعودي سيحكم حتما إغلاق حدوده، بحيث لا نجد من مخرج غير الانصات لشعار طارق بن زياد ولكن بطريقة مختلفة وهو: الصومال من أمامكم والسعودية من ورائكم وليس لكم والله من مفر غير الاقتتال في ما بينكم حتى يُفنى أولكم عن آخركم. ما زلنا حتى اللحظة على بعدٍ كاف من هذا المصير المخيف والمريع لكن ما يجدر بنا تذكره على الدوام كي لا نقترب من هذا المصير المرعب هو ان نستحضر آلام وأوجاع ومآسي أشقائنا في كل من الصومالوالعراقوسوريا وليبيا إذا ما أردنا أن نبتعد عن هذا السيناريو المخيف... علينا أن نعشق الوطن أكثر من عشقنا لذاتنا ولأهوائنا ولأمراء حروبنا، علينا أن نضع الوطن في حدقات أعيننا، طالما يعد المأوى والظل الوفير والعيش الكريم والحضن الدافئ الذي نلجأ إليه كلما نزلت بنا المصائب والنوائب... إذ كيف لنا إذا فقدناه وفرطنا بترابه وهواءه وسماءه أن نجد ملجئاً آخر نأوي إليه ونحتمي بسياجه. لقد آن الأوان لأن تحكم كل الأطراف عقولها من خلال تسليمها بحقيقة أن هذا الوطن يتسع للجميع، لقد آن الأوان للرئيس أن يثبت قدرته على تحمل مسئوليته التاريخية امام الله وأمام الوطن في هذه اللحظات الحاسمة وفي هذا المفترق من الطرق من خلال تغيير طريقته وآليته في الحكم بإتباع طريقة مُثلى وبإحلال آليات فاعلة تكمن في اتخاذ قرارات وطنية وإستراتيجية وتاريخية تضع حداً للفساد وللفاسدين ولازدواجية القرار، الأمر الذي لا يحتاج عنده المواطن إذا ما تحقق إلى التظاهر أو الاعتصام سواء من ذات نفسه أو من خلال جماعات وأحزاب طالما ستجد نفسها أمام طريق مسدود حين تفاجأ بقيادة سياسية سباقة إلى سد كل الثغرات وجديرة بقيادة هذا البلد وتجنيب أهله كثير من الكوارث التي لا تنقصهم بعد 5 عقود من البحث عن محطة يستردون عندها انفاسهم بعد عناء سفر هو الأطول في تاريخ الشعوب الباحثة عن الأرض الموعودة بالخير وبالأمن وبالاستقرار وبالعيش الرغيد. [email protected]