الجزء الثالث من المشهد الأول سيف : فلماذا تلومني على الاستعانة بهم؟ ديمانوس : لأنك أردتهم أن يكونوا مظلة هنا، لا هناك. سيف : (متعجباً) هنا أم هناك؟ ديمانوس : سحابة في أعالي السماء تعيش تحت ظلها، وسحابة فوق رأسك، هم الآن سحابة فوق رأسك. سيف : عدت، فأصبح كلامك مملاً، ولو أتيت بتعبير آخر. يزيد : لا خلاص إلا فيما كنت قد بدأته. سيف : ولو أنك قد عدت مملاً، لكني سوف أسألك كيف وهما المهيمنتان؟ يزيد : فيما قلته جوابي. ديمانوس : إجابة غير شافية يا يزيد..اتفق مع سيف: كيف؟ يزيد : ستعرفان الإجابة عندما تتفقا معي. ديمانوس : أتفق معك الآن يا يزيد، لكن كيف وهما يهيمنان على العالم، حتى ولو كان هناك ميثاق يحكم العالم، فستظل القوة هي الحاكمة. يزيد : كما قال سيف، تكرر نفسك بتعبير آخر..لا بأس عندما تتفق مع سيف كذلك. ديمانوس : لن أتفق معه وقد استعان بالأجنبي. يزيد : نتفق الآن لإخراج الفرس. ديمانوس : أنا الملك، كنت الملك. سيف : بل أنا، فأنا من حرر اليمن من الأحباش. ديمانوس : لا فضل لك، الفرس من حرر اليمن. سيف : وأنت من أعطاهم الحجة لاحتلال اليمن، أنا الملك فقد سقطت يوم أن أعطيتهم. ديمانوس : بل أنا فقد سقطت هيبتك يوم استعنت بالفرس. يزيد : لا أنت ولا هو، فأنا من ثار عليهم، وأنا من قتل لأني ثرت، أنا الملك. ديمانوس : وأنا قد قُتلت وأنا أصد هجومهم. يزيد : وكيف قتلت؟ ديمانوس : أي سؤال هذا سيف : وأنت يا يزيد كيف قُتلت؟ يزيد : ثرت وقاتلت حتى قتلت، فكيف قتلت يا ديمانوس؟ ديمانوس : قلت أي سؤال هذا؟ يزيد : يقال(بأنهم أسروك وقتلوك، ويقال بأنك انتحرت في البحر). ديمانوس : ولماذا لم يقل من قال: بأني قد قتلت وأنا أدافع عن بلادي. يزيد : لم نسمع بذلك. ديمانوس : وكيف كنت تريدني أن أقتل؟ يزيد : كنت أريد أن تنحر نفسك في البحر، فما كنا نريد لملك اليمن أن يأسره الأحباش، ويقودوه مصفداً بالأغلال ويقتلوه، بيدك لا بيد الأعداء. ديمانوس : كما تريد. يزيد : أريد الواقع. ديمانوس : (منفعلاً) قلت كما تريد. سيف : ولماذا تركك الشعب تُقتل أسيراً أم منتحراً؟ ديمانوس : منتحراً فتلك إرادتي، أما أسيراً فاسألوا الشعب. سيف : أو لا تدري. ديمانوس : لا أدري. سيف : فهل أقول؟ ديمانوس : عدت كما كنت مملاً. يزيد : فهل أقول أنا؟ صوت : فهل أقول أنا..يحرفون رؤوسهم، تقع عيونهم على شخص لا يبعد عنهم إلا بضع خطوات. الثلاثة : (بصوت واحد)..من؟..أبرهة ! أبرهة : نعم أبرهة. الثلاثة : (بصوت واحد..مندفعين نحوه) الآن نأخذ بثأرنا أبرهة : أي ثأر، فات أوانه (يقفون حيث هم) . ديمانواس : (مغتاظاً) ما الذي أتى بك إلى هنا..متشفياً أم ماذا ؟ أبرهة : (ضاحكاً) بل ليتشفى سيف، فمن يتشفى أخيراً يتشفى كثيراً . سيف : لست الأخير، فعجلة التاريخ تسير، فمتى ستتوقف الحرب، القتل، الدمار..اعتداء القوي على الضعيف؟. يزيد : عندما يسود العدل، المحبة، احترام كل دولة للدولة الأخرى . أبرهة : الصراع قائم، مادام في الأرض قدم إنسان . ديمانوس : أي وقاحة هذه، وأنت تتكلم أمام من اعتديتم على أرضه..فهل تصمت أيها الحبشي؟..هل ترحل من بيننا، وأنت البغيض الكريه ؟ أبرهة : لا تسأل هنا..هنا حيث لا صراع، هنا حيث لا شي نختلف عليه، هنا الجميع سواء..سيد، ومسود، معتد ومعتدا عليه..هنا لا أنا ولا أنت..هنا: كلنا نحن..فهل تنسى يا ديمانوس ؟ ديمانوس : (منفعلاً) أنسى ما فعلتم بنا، واليمن . أبرهة : ليس لك إلا أن تنسى . ديمانوس : لن أنسى، ليتني أستطيع أن أخذ بثأري . أبرهة : لا تستطيع هنا يا ديمانوس، ولا أستطيع أن أنسى بأن نائبي يزيد قد ثار، ولا أستطيع أن أنسى ما فعله سيف . يزيد : إذا كان ديمانوس لا يستطيع أن ينسى فله عذره، فأنتم من اعتديتم على أرضه وانتزعتم ملكه، فما هو عذرك، ثرت من أجل تحرير بلادي، وفعل سيف، وحرر بلاده . أبرهة : (ساخراً) من أجل التحرير، أم من أجل أن تستقل بما كان تحت يدك من اليمن التي كنت أحكمها، وتجعل من نفسك ملكاً عليها، ألم يحدث مثل ما فعل يزيد في عهدك يا ديمانوس.؟ ديمانوس : تلك بلدنا، وذلك شأننا أيها الدخيل علينا..كم أنت بغيض؟..كم أنت كريه ؟. أبرهة : كانت بلادي (بعد أن رفضت التبعية لملك الحبشة، وامتنعت عن دفع الجزية إليه، وأعلنت نفسي ملكاً على اليمن) . ديمانواس : (ساخراً)..ملكاً على بلاد ليست لك، على بلاد لست منها . أبرهة : ما فعلته كان أصلح لليمن، لو ظليت تابعاً لدفعت الجزية لملك الحبشة، لو ظليت تابعاً، لما فعلت ما فعلته لليمن، وأصلحت ما أفسده ارياط..أم أنك قد نسيت يا ديمانوس . ديمانواس : ما عساك فعلته أيها الحبشي المعتدي . أبرهة : المعذرة، نسيت بأنك كنت قد رحلت إلى هنا قبل أن أفعل، فهل تذكر يا يزيد؟ يزيد : لا أذكر إلا أنك كنت الملك الحبشي الكريه . أبرهة : فهل تذكر يا سيف ؟ سيف : كما قال يزيد، والقبيح . أبرهة : إذا كنتم لا تذكرون من سبقوكم إلا بالشر، تنسون الخير، حتى ولو كان فيهم، فكيف تذكرون وقد كان ملكاً حبشياً ؟ ديمانوس : وأنتم أيها الأحباش، ماذا تذكرون ؟ أبرهة : ذلك موضوع أخر، فهل تذكرون ؟ الثلاثة : (منفعلين): لا تريد أن تفهم أيها الكريه . أبرهة : أنا أذكركم (أهتميت بالزراعة، وقمت بترميم سد مأرب، وفي احتفالات انتهاء الترميم وصلت وفود كثيرة من مختلف أنحاء العالم إلى اليمن، ومن بينها وفد فارس، مهنئين لأبرهة ملك اليمن) . ديمانوس : لو أن ما قلته صحيح، فلا قيمة له من معتد أثيم. أبرهة : أنت السبب يا ديمانوس (فعندما وصل إلى الحبشة (جبار) الذي نجا من المحرقة وأستنجد بملكها)، فماذا كان سيفعل وهو النصراني، المتربص بكم ومن ورائه روما إلا أن يجتاح بلادكم، وكنت المستبد يشعبك فلم يهبوا لنجدتك، لو لم تكن مستبداً، ظالماً، لما حرقت النصارى. قلت ما لم يقله سيف. سيف : (مبادراً،منفعلاً) تقولني ما لم أقله . أبرهة : ما لم تقله.. سيف : (أشد انفعالا)..نعم. ديمانوس : دع عنك يا سيف، ما فعله ارياط السفاح. أبرهة : فعل بغير شعبه، وغير بلاده . ديمانوس : هو الظلم، هو الاستبداد حيثما كان . أبرهة : ذلك شأنك، وشأن ارياط، ثم إني من قام بتصفيته عن الوجود . ديمانوس : (ساخراً)..وذلك شأني، فمن قال لك بأني كنت مستبداً بشعبي . سيف : هم المستبدون، لا يعترفون، حتى وهم على فراش الموت، وبعد الموت . ديمانوس : (حانقاً) أنت يا سيف، تقول هكذا كلام أمام المعتدي الكريه . يتبع